من بين ضحايا الانفجار المزدوج الذي ضرب مرفأ بيروت والذي سجّل حتى الآن 171 ضحية، هناك نحو 40 عاملاً مهاجراً. وهذه الفئة من العمال هي متضررة بالأساس من الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد.

وقد كان “عبد المعين” 23 عاماً، مستلقياً بعد يوم من عمله الشاق على أرضية المصنع، حيث كان يعمل في مواجهة المرفأ، عندما سقط زجاج نافذة كبيرة وجزء من الجدار عليه بسبب الانفجار، ما أدى إلى وفاته على الفور وهو يغط في نومٍ عميق.

«ربما لم يشعر بما حدث له»، يقول “لطيف” 17 عاماً، وهو زميله وابن بلده من سكان #دير الزور شرقي سوريا، محاولاً أن يقنع نفسه وهو يعرض صور جثة “عبد المعين” في وجهه الملطخ بالدماء بسبب الحطام، ثم صورة أخرى له وهو مبتسم قبل أيام قليلة من الحادثة.

ولم يُذكَر اسم هذا العامل السوري، الذي وصل إلى لبنان في سن الرابعة عشرة، من بين الضحايا الـ 143 الذين تم الكشف عن هوياتهم واحدة تلو الأخرى بالميكروفون خلال تكريم يوم الثلاثاء، بعد أسبوعٍ واحد من الانفجار المزدوج الذي هزّ بيروت في الـ 4 أغسطس آب الجاري.

أمام أنقاض مرفأ بيروت وتلك الأبنية المتهالكة، تجمّع المئات، وهم يحملون الأعلام اللبنانية، حداداً على الضحايا وغضباً من الطبقة الحاكمة.

لحظاتٌ من الانفعال الشديد، تلتها دقيقة صمت في الساعة 6:08 مساءً، وقت الانفجار الكبير. ثم دقت أجراس الكنائس، ودعا المؤذنون للصلاة وبكت الجموع.

«لقد انتهينا، لقد انتهينا!»، تندب أمُّ شابةٍ كانت حاضرة. وتتابع بعيون تملأها الدموع: «بيروت ومرفأها وسكانها وكل لبنان.. انتهى كل شيء!». وهذا تعبير بتنا نسمعه كثيراً في بيروت في الأيام الأخيرة.

جنودٌ مجهولون 

أفاد تقييمٌ جديد للانفجار، نشرته السلطات اللبنانية بعد وقتٍ قصير من التجمّع المذكور، عن مقتل 171 شخصاً، بما في ذلك الجثث الجديدة التي عُثِر عليها وأولئك الذين توفّوا متأثرين بجراحهم. هذا التقييم، الذي لا يزال مؤقتاً، يشمل نحو 40 عاملاً أجنبياً في لبنان.

جنودٌ “مجهولون”، كما جاء في الإشارة الموجودة بجانب أسمائهم، حيث لم يتم التعرف على نصف البنغاليين الستة الذين عُثِر على جثثهم. كما قُتل اثنان من الفلبين، أكدت سفارتهما هويتهما، في منازل عائلات لبنانية كانت توظفهما.

وقُتِل كذلك أكثر من عشرة عمال سوريين. لكن الرقم، الذي ربما يكون أعلى بكثير بالنظر إلى عدد العمال واللاجئين في لبنان، لا يمكن تحديده حتى من قبل السفارة السورية في بيروت. وقد أعادت السلطات السورية بعض الجثث لدفنها في سوريا.

أما “عبد المعين” فيقول “لطيف”، وهو يدق مسامير كبيرة في جلد الغنم المفروش على الإطار الخشبي: «شقيقه الذي يعمل بالقرب من هنا، أخذه ليدفنه في منطقة البقاع”.

وقد استأنف “لطيف” العمل بسرعة، مع عشرات العمال الآخرين، في المصنع المدمر في المنطقة الواقعة مقابل المرفأ، حيث يتقاضى 170 ألف ليرة لبنانية أسبوعياً، أي ما يعادل حوالي 5 يورو في اليوم، اعتماداً على تقلبات سعر الصرف.

من جانبه، يقول “فريد كامل” رب عمل “عبد المعين” السابق: «لقد أحببته كثيراً، لأنه كان يعمل جيداً». وقد نجح “كامل” وهو مهندس كيميائي لبناني في الأربعين من عمره، في تحويل مدبغة الأسرة الحرفية في القرن التاسع عشر إلى شركة ذات تقنية عالية تصنع أقراص وأسطوانات من جلد الغنم لاستخدامات مختلفة، من التدبير المنزلي إلى صناعة السيارات أو البحرية. كما نجح في تطوير صادرات منشأته لتشمل نحو خمسين دولة.

ويتابع موضحاً: «السوريون يقومون بعملٍ جيد، بينما اللبنانيون ليسوا مستعدين للقيام به. بالنسبة لهذه الوظيفة المتمثلة في شد الجلود طوال اليوم، فإن العمال السوريون هم الأفضل. إنهم دقيقون وصبورون في هذا العمل اليدوي. الصناعة السورية كلها كانت قائمة على هذا الأساس».

«إنها حرفة رائعة! وكان مصنعاً جميلاً»، يصرخ “كامل” غاضباً وهو يشير إلى واجهات مصنعه المحطمة والآلات المفككة وأجهزة الكمبيوتر المحترقة.

ومن بين نحو ثلاثين عاملاً في هذا المصنع، كان ثلاثة عمال لا يزالون هناك وقت الانفجار. فبجانب الشاب السوري القتيل، كان هناك اثنان آخران في الخلف، وخرجا بجروحٍ طفيفة.

وتقول معلمةٌ لبنانية، كانت حاضرة خلال مراسم تأبين الضحايا في المرفأ المنكوب: «كل هؤلاء العمال والصنّاع المساكين ماتوا دون أن تُعرَف أسمائهم، ومن دون أن يبكيهم أو يحدّ عليهم اليوم، بعد أن عاشوا كعمالٍ مهاجرين في ظروف بائسة».

وتختم حديثها بالقول: «لا علاقة لهم بمشاكلنا، وقد دفعوا ثمناً باهظاً من جراء الأزمة الاقتصادية هنا. لقد فقد الكثيرون منهم وظائفهم ومصدر دخلهم ومنازلهم، واليوم يفقدون حياتهم».

 

المصدر: (Libération.fr


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.