شَهِدَت الشهور القليلة الماضية، حالات انشقاق عناصر محلية عن ميليشيات النفوذ الإيراني في مناطق شرقي سوريا، ورغم أنها لا تتعدى عن كونها انشقاقات فردية وذات نطاقٍ محدود حتى الآن، إلا أنها تعني الكثير لما يمكن أن تمثّله من أهمية في مشهدٍ تفكّكت قوة تلك الميليشيات بعد عودة الدور الأميركي المطلوب للتخلص من الوجود الإيراني في سوريا.

شكّل القصف الأميركي الذي طال مواقع ميليشيات تتبع إيران في منطقةٍ تقع غرب الفرات شرقي دير الزور نهاية الأسبوع الفائت، مؤشّراً واضحاً على أن قواعد الاشتباك الأميركية-الإيرانية يمكن أن تغيّرها واشنطن متى أرادت إذا ما سعت طهران وأذرعها في المنطقة إلى خلق المشاكل  مع الجانب الأميركي، وذلك بعدما استهدفت أذرعها الطاقم الأميركي وقوات التحالف الدولي في العراق خلال الأيام الماضية.

لا بد أن هذه الرسالة لا تُختَصر فقط في الرد على الهجمات الإيرانية الطائشة في العراق، وإنما تدلّ على أن واشنطن- وفي الوقت الذي تحدثت فيه تقارير بأنها ستحمل استراتيجية ذات ليونة في التعامل مع إيران خلال فترة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن- فإن الجانب الأميركي يبرهن بأنه قادر على الإمساك بزمام الأمور تماماً في كل المناطق التي امتد إليها النفوذ الإيراني، وصولاً إلى إطار الاتفاق النووي.

إن أيّ اتفاقٍ أميركي مع إيران، سيؤدي بالضرورة إلى تخفيف حجم النفوذ الإيراني في سوريا واندثاره لاحقاً، وبالتالي زيادة تخلّيها عن العناصر المحلية السورية التي تعمل لصالحها، خاصةً ضمن مناطق تواجد النفوذ الأميركي شرقي البلاد.

والعكس ليس بصحيح، فإن سياسة المواجهة التي قد تنتهجها واشنطن ضد طهران في حال رفضت الأخيرة الاتفاق؛ سيعني توجيه سهام التصعيد ضد وجودها في سوريا؛ والتي لاتزال تسعى لتثبيته والاعتماد على عناصر محلية تململت من الاستمرار في خدمة المشروع الإيراني لا سيما في الشرق السوري.

انشقاقات العناصر المحلية التي بدأت تُلاحظ منتصف العام الماضي، لا تزال ضمن إطارٍ تستطيع قيادة الميليشيات الإيرانية مواجهتها والصمود أمامها، رغم أن عائلات المقاتلين السوريين أدركت فشل توقعاتها فيما يتعلق بصوابية التحاق أبنائها للقتال في صفوفها.

فبعد انتهاء نفوذ تنظيم “داعش” في تلك المناطق، أصبحت خدمة أبناء المنطقة الشرقية في صفوف الميليشيات، خدمةً مباشرة للمشروع الخاسر للحرس الثوري الإيراني في سوريا، لا سيما في ظل استمرار القصف الإسرائيلي المُركّز على الأهداف الإيرانية في عموم الشرق السوري، والذي (القصف) لا يُفرّق بين الجنسيات والمناطق، طالما أنها تشمل عموم الشرق السوري بما يضمه من مقاتلين متعددي الجنسيات ومشتركي الانتماء للنفوذ الإيراني.

ويضاف إلى القصف الإسرائيلي، احتمالية تصعيد أميركي إذا ما رفضت طهران الالتزام بما قد تفرضه عليها واشنطن حيال تواجدها في المنطقة ورضوخها لاتفاقٍ نووي جديد يرسم استراتيجية وجود نفوذها في سوريا والمنطقة، فضلاً عن الضغوط الاقتصادية المتزايدة على الإيرانيين، وهو ما أدى إلى تقليل الموارد المالية على ميليشياتها في سوريا، بالتزامن مع تدهور الاقتصاد السوري وازدياد سوء وضع الليرة السورية وارتفاع الأسعار.

مؤخراً، أدركت بعض عائلات السوريين المنضوين تحت رايات النفوذ الإيراني، أن استمرار قتال أبناءهم لمصلحة تلك الميليشيات، لم يكن لحفظ أمن المنطقة ومقاتلة تنظيم “داعش” الإرهابي، و إنما لخدمة مشروع التمدد الإيراني في المنطقة، والذي سيواجه تصعيداً أكبر جوياً وقد يصل حتى للمواجهة البرية من خلال دعم أميركي خلال الفترة المقبلة.

ما يعني أن السوريين من أبناء المنطقة الشرقية سيكونون حطباً للنار التي ستشتعل فيما إذا استمرت إيران في تصعيدها، وأما إذا استكانت واتفقت مع الولايات المتحدة، فإن الحال لن يختلف بالنسبة للمقاتلين السوريين الذين قد تلحق بهم تهمة الإرهاب؛ في حال أُعيدت هيكلة إدارة المنطقة وترسيم النفوذ هناك بواسطة قوى محلية مدعومة من التحالف الدولي، فقد يتم ملاحقتهم إذا ما أصروا على الاستمرار في خدمة الميليشيات الإيرانية خلال الفترة المقبلة، وقد يكون محظوظاً مَنْ يستطيع النجاة، لكن دون وجود أي استقرار في حياته.

إن استمرار خدمة بعض السوريين- بالتحديد في المناطق الشرقية- للمشروع الإيراني، يساهم في منع إيجاد أي فرص استقرار وسلام في سوريا، ويؤخّر عملية التوافق السياسي والمجتمعي والتي تؤسس لحل مستدام في عموم البلاد، فضلاً عن المخاطر الجمّة التي قد تحيط بمن يراهن على مشروعٍ قاتم وخاسر  ويتبع له، كالمشروع الإيراني الذي يُعتبر مكروهاً من جميع الأطراف المتدخّلة في الشأن السوري.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.