إقليمٌ مُستقِل في إدلب.. ما مُخطّطات تركيا وروسيا في الشَّمال السُّوري؟

إقليمٌ مُستقِل في إدلب.. ما مُخطّطات تركيا وروسيا في الشَّمال السُّوري؟

منذ اتفاق الخامس من آذار 2020 حول تثبيت وقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سوريا، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ظنّ أغلب المحللين أن الاتفاق الجديد آنذاك ساقط لا محالة، كحال الاتفاقات التي سبقته، وذلك بعدما نشرت تركيا أكثر من 10 آلاف جندي ضمن آخر مناطق التصعيد المتبقية، والتي كانت نتجت عن “مسار أستانا” الذي رعته تركيا وروسيا.

اليوم بعد مرور أكثر من عام على الاتفاق، واستعصاء التوافقات الروسية التركية مع واشنطن في الإدارة الجديدة، وإصرار روسيا وتركيا على تثبيت مناطق النفوذ والتمدد في الشمال الشرقي الذي سيواجَه برفضٍ أميركي، يبرز سيناريو تحويل ما تبقى من منطقة خفض التصعيد في إدلب (تشمل بعضاً من مناطق ريف حلب الشمالي والغربي، وشمال وغرب إدلب، وجزء من ريفي حماة الغربي واللاذقية الشمالي) إلى “كانتون- إقليم” معزول في الشمال الغربي من سوريا، تُسيطر عليه المعارضة بدعمٍ تركي وقبولٍ روسي في الوقت الحالي.

الظروف الحالية المحلية، السياسية والدولية، مواتية لإعلانٍ رسمي أو حتى غير رسمي لتشكيل هذا الكانتون، ولا يمكن أن توجد عوائق قاسية تمنع تشكّل هذا السيناريو، حتى لو نظرنا إلى ملف مكافحة الإرهاب و كذلك موقف واشنطن من هذا التطور، فيما لو ذهبت كل من روسيا و تركيا لتفعيله في قادم الأيام. فكيف ذلك؟

توحي التحركات الأخيرة لوفود المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، في مناطق مختلفة من سوريا واحتفاءها بالذكرى السنوية العاشرة للحراك الشعبي في سوريا، أن تغييراً محتملاً لشكل الإدارة والنفوذ المحلي في مناطق الشمال الغربي من سوريا، سيكون قائماً خلال الفترة المقبلة.

فـ “الاحتفال”- إن جاز التعبير- كان مختلفاً هذا العام ويدعو للتساؤل حول طبيعته وأهدافه في ظل توقيت حساس، يتمثّل بتعطيل مسار اللجنة الدستورية، وإصرار دمشق على إقامة الانتخابات الرئاسية خلال أسابيع قليلة، ما سيُحفّز التقسيم على الظهور العلني بصورةٍ أكثر وضوحاً.

نصر الحريري (رئيس الائتلاف المعارض المدعوم من أنقرة)، جال على مدن وبلدات متعددة في الشمال الغربي و شارك في مناسبات وظهر بأشكال مختلفة وكأنه يجهّز نفسه لحملة انتخابية. بالتأكيد هو لن يواجه/ينافس الأسد في الانتخابات المقبلة، فهذا موقف المعارضة المعلن -حتى الآن-، لكن لما لا يكون يتجه ليُنصّب نفسه كرئيس/حاكم إداري لكانتون الشمال الغربي برضى تركي و روسي، في ظل استعصاء الحل السياسي والمراوحة في المكان.

فالمنطقة باتت تحتاج لاستقرارٍ معقول أكثر حضوراً، والمعارضة تحتاج لتقوية أوراقها في المسارات التفاوضية/السياسية بشكلٍ أكبر، بعدما كان نفوذ المعارضة في وقتٍ سابق عبر إدارة حكومتها المؤقتة ينحصر بشكلٍ خجول وفي بعض المناطق هناك، في ظل حضورٍ طاغٍ وهيمنة هيئة “تحرير الشام”، مقابل توسّع نفوذ حكومة دمشق على مناطق واسعة من الأراضي السورية بمساعدة روسيا.

ملف مكافحة الجماعات الإرهابية، كان مثار نقاش وجدل خلال الفترة الأخيرة بين روسيا وتركيا، وحتى قبل إعلان اتفاق الخامس من آذار 2020، ولم يتفق الجانبان على آلية مجابهة تلك القوى وفي مقدمتها “تحرير الشام” بشكلها الحالي (تصنفها واشنطن و موسكو وأنقرة كجماعة إرهابية) إلى جانب جماعات “حراس الدين” و “الحزب التركستاني” وغيرها.

ويبدو أن تواجد آلاف الجنود الأتراك على الأراضي السورية، يتوافق مع سيناريو قد ينسجم معه الأتراك والروس معاً من أجل مواجهة السياسة المتوقعة من واشنطن ضدهما في سوريا، بحيث يتم إنشاء حوكمة للمنطقة تتولاها جماعة المعارضة المدعومة من أنقرة، على أن يسمح ذلك بإقامة علاقات اقتصادية مع مناطق سيطرة حكومة دمشق، ما ينعش مناطق الأخيرة ويعطي إنعاشاً “مقبولاً” للرؤية الروسية التي يريد جو بايدن مواجهتها، واصفاً إياها بالمستبدة في حديثٍ سابق له عند توليه رئاسة الولايات المتحدة.

لا ترى روسيا مشكلة في هذا السيناريو، طالما أن “هيئة تحرير الشام” وما يوازيها من قوى إرهابية سيتم تفكيكها وإدماج بعض الشخصيات والعناصر السورية من “تحرير الشام” في “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة (يسيطر على مناطق من الشمال الغربي في عفرين والباب وجرابلس واعزاز).

وذلك عبر  امتلاك تركيا نفوذاً/تأثيراً لدى القوى العسكرية العاملة على الأرض، بحيث يمكن لها طرح هذا النفوذ، في مقدمتهم “فيلق الشام” وفصائل “السلطان مراد” وغيرها من الفصائل التي وصلت إلى الشمال بعد اتفاقات تهجير برعاية روسية وتركية، فضلاً عن تأثير وجود آلاف العناصر التركية للحفاظ على تطبيق هذا السيناريو.

روسيا تسعى للسيطرة على الطرق التجارية وتعزيز آليات التفاهم مع الجانب التركي، وتوسيعها لتشمل الاقتصادي إلى جانب السياسي، بالمقابل تَعتبر تركيا ضمن هذا السيناريو أنها أقفلت ملفاً شائكاً يتمثل بالقوى الإرهابية، وكذلك استقرار الشمال الغربي، ومنع تدفق مزيد من اللاجئين نحوها، بل عودة البعض منهم بعد تفعيل تركيا عدة مشاريع في البنى التحتية هناك خلال الآونة الأخيرة، لا سيما أن موجة جديدة من اللاجئين السوريين ستنتج تحديات سياسية واقتصادية جديدة لتركيا، وهي التي تحاول أن تضمن مصلحتها في إبعاد حكومة دمشق عما تبقّى من منطقة خفض التصعيد في إدلب، بموازاة الحفاظ على علاقاتها مع روسيا وتفادي أيّة مواجهة صادمة وغير محسوبة العواقب، بالإضافة إلى شكل النفوذ هناك، وطبيعة دوره وتحكمه في المناطق السورية، بعدما مُنحت روسيا نفوذاً واسعاً على مناطق من الشمال السوري، لم تكن تستطيع السيطرة عليها وتفرض استمرار النفوذ منذ أكثر من عام.

بالمقابل، فإن الولايات المتحدة، قد تعتبر  تلك الخطوة، في ظل عدم تدخل روسيا لتأجيل الانتخابات الرئاسية، ورقة إضافية لها في منع أيّة عملية لإعادة الإعمار، طالما أن روسيا تتجه للغرق في وحل التقسيم وتبتعد عن مسار اللجنة الدستورية، وتتهرّب من طرح وجوب إيجاد هيئة حكم انتقالي في أقرب وقتٍ ممكن.

واشنطن إذا كانت لم تعلن صراحة عن عودة أقوى في الملف السوري، إلا أنها أعلنت مؤخراً دعمها لجهود “الأمم المتحدة” والقرار الدولي 2254 وما يتصل به، مع استمرار سياسة العقوبات وتضييق الخناق الاقتصادي الذي قد يشمل روسيا في فترةٍ لاحقة، وستنطلق من الشمال الشرقي بجهود حل للملف السوري إذا ما غرقت مناطق الشمال الغربي بخطر التقسيم بعد إصرار روسي على إجراء الانتخابات الرئاسية بدمشق وترك مصير الحل السياسي للمجهول.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.