حساباتٌ مُعقّدة في الاتِّفاق النَّووي.. هل ستنقلب الميليشيات على إيران؟

حساباتٌ مُعقّدة في الاتِّفاق النَّووي.. هل ستنقلب الميليشيات على إيران؟

كان تشكيل استراتيجية إنشاء قوى مذهبية موالية لإيران، أهم أدوات الحرس الثوري في الحالة العراقية بالنسبة للنفوذ الإيراني في المنطقة، حيث عملت إيران منذ عام 2003، على ممارسة نفوذها داخل العراق عبر استراتيجية متعددة المستويات، برزت في أحدها دعم الجماعات العقائدية المسلّحة، سواء التي تشكّلت خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات وظلت على علاقة متينة بالحرس الثوري، أو تلك التي تشكّلت بعد سقوط نظام صدام حسين.

استثمرت الميليشيات العراقية سطوتها العسكرية في تأسيس بنيةٍ اقتصادية مستقلّة عن الضغوط الاقتصادية التي تلاحق إيران من ناحية، ومن ناحيةٍ ثانية؛ فإن تلك البنية ستجعل نشاطها ذو إطار محلي الأهداف والتحركات، ما قد يفتح الاحتمال بغياب تأثير التوجيهات الإيرانية في فترة من الفترات التي قد تشهد تقارباً بين واشنطن وطهران بالانطلاق من الاتفاق النووي الذي كانت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب قد انسحبت منه.

فيما تشير الاستقراءات السياسية إلى عودة محتملة لإدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى الاتفاق وإن كانت بشروطٍ جديدة مع الإيرانيين، من أبرزها قد يكون دعوة طهران لانكفاء نفوذها في العراق والكف عن تقديم الدعم لتلك الميليشيات.

كان استهداف القوات الأميركية لعناصر الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، أواخر شباط الفائت، رسالة واضحة من إدارة بايدن أنها (الميليشيات) قد تؤخّر أي احتمالية توافق بين واشنطن وطهران بخصوص الاتفاق النووي الذي يحتاجه الإيرانيون.

لكن، تبقى الميليشيات عنصراً معطِّلاً لتقاربٍ أميركي مع إيران، بخاصة وأنها تثير استفزاز واشنطن بين الحين و الآخر، ما يعني أن استمرار إثارة القلاقل العسكرية والسياسية للنفوذ الأميركي في القواعد العسكرية بالعراق؛ سيُسمع صداه في ردهات المفاوضات المحتملة حول الاتفاق النووي الإيراني.

واشنطن تطرح إمكانية الحصول على نوع من الاتفاق المؤقت الذي يمكن أن يبني الثقة بين الجانبين بعد انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق (أيار 2018) خلال فترة إدارة ترامب. وإيران ستكسب كثيراً إذا ما ذهبت لذلك الاتفاق مع إدارة بايدن.

فالاتفاقية المرتقبة، ربما تشمل تخفيف عقوبات محدودة على إيران – كالسماح بمبيعات النفط – مقابل وقف طهران بعض التحركات التي قامت بها منذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق، مثل رفع تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20 في المئة، وعدم إثارة أية مشاكل في مياه الخليج، وعدم إحداث أي تصعيد في العراق.

إن ضمان عدم إحداث هذا التصعيد، مشكلة تؤرق الجانب الإيراني حيال نشاط تلك الميليشيات، في حال انخرطت طهران في مسار مفاوضات الاتفاق النووي الجديد، وضبط تلك الميليشيات بعد تمدد نفوذها إلى سوريا وفي مناطق قريبة من الوجود الأميركي هناك، قد يكون أمراً مزعجاً لطهران وشروطها في الاتفاق النووي.

في ظل الأوضاع التي باتت فيها إيران جراء التصعيد الاقتصادي والديبلوماسي الذي انتهجته إدارة ترامب، فإن طهران تبقى منتظرة إدارة بايدن لاتخاذ الخطوة الأولى التي لن تأتي من قبل واشنطن في ظل الأفعال العدائية التي يمكن أن ترتكبها الميليشيات المحسوبة في ولائها لإيران.

في حين أن الأخيرة قد ترى أن أي توافق أميركي إيراني قد يحد بعض من نفوذها في العراق، ما ينعكس سلباً على تحركاتها في سوريا أيضاً، فيما إذا لاقت ضغطاً أميركياً على الصعيد الاقتصادي و السياسي، وتحجيماً لتحركاتها في سوريا إذا ما تم تقييد حركتها في العراق، أو انخفضت وارداتها المالية، وذلك في ظل رغبة واشنطن تخفيف توتر مناطق التصعيد في الشرق الأوسط.

إذا ما جنحت طهران للتوافق مع واشنطن وذهبت إلى التهدئة والجلوس على طاولة الاتفاق النووي، فإن إدارة بايدن التي طالبت منذ بداية تسلمها سيادة البيت الأبيض إلى إنهاء حرب اليمن، ستندفع للمطالبة بالكف عن خلق أية حالة توتر واستهداف مصالح القوات الأميركية في العراق، ما يعني انكشاف ظهر عناصر تلك الميليشيات، فالإيرانيون المنهكون اقتصادياً وسياسياً لن يميلوا إلى التصعيد في الداخل العراقي.

يمكن لطهران أن تخشى من أي اتفاق مع واشنطن، قد تتبعه تلك الميليشيات بالتصعيد، اعترافاً منها بأن الاتفاق سيلزم طهران بتحسين سلوكها والالتزام بتعهداتها للجانب الأميركي، فضلاً عن أن ذلك سيعني ضياع ما بنته إيران في مسار تقوية مشروعها الإقليمي والذي تعتبر فيه العراق محطة رئيسية، لذا فإن طهران مطالبة ببذل جهد كبير في سبيل التأثير المسبق على تلك الميليشيات بمنعها من أي تصعيد يشوش على مصالح طهران في الاتفاق.

فيما ستكون المدة التي يطول فيها تأخر حصول الاتفاق الذي تنتظره طهران في فترة ولاية بايدن، مرحلة تشهد فيها إيران مزيداً من الضغوط السياسية والاقتصادية تزيد من المعاناة التي واجهتها خلال فترة رئاسة ترامب.

كما سيكون انهيار آمال عقد الاتفاق المنتظر من قبل طهران ذو تأثير سلبي على الإيرانيين، فهم من ناحية سيخسروا جميع الامتيازات التي ستقدمها إدارة بايدن، إضافة إلى أنهم قد يكونوا بمواجهة مشروع عربي/دولي يحاصر نفوذ تلك الميليشيات في العراق، بل ويذهب إلى إيجاد آلية مناسبة مع الجانب الإسرائيلي لمواجهة نفوذ إيران وميليشياتها في سوريا.

لا تميل طهران لأي تصعيد في العراق خلال الفترة المقبلة، فخط علاقات طهران مع الاتحاد الأوروبي وإبداء حسن السلوك السياسي والدبلوماسي مع الدول الفاعلة في ملف الاتفاق النووي أكثر إنتاجية لها وفائدة على صعيد عدم خسارتها اقتصادياً وسياسياً.

في حين قد يحمل ملف الاتفاق النووي تبعات سلبية على الميليشيات العراقية التي كانت تتلقى دعماً من طهران، فإتمام الاتفاق يعني خسارة السطوة بشكل أو بآخر، و تأخير الاتفاق يعني اندفاع تلك الميليشيات للتخبط في تحركاتها لتصل بنفسها إلى مرحلة التدهور قبل التوصل إلى أي اتفاق أميركي إيراني رسمي.

فمنظومة تلك الميليشيات واحدة، قائمة على إثارة الفوضى التي تتيح لها القدرة على الحياة. وضمن إطار الفوضى التي تهدد القواعد الأميركية في العراق، لا يمكن المحافظة على أي اتفاق قد يحصل، وفي الحالة المقابلة أيضاً فإن من شأن تلك الفوضى أن ترفع مستوى التوتر بين الجانبين إلى حد لا يمكن فيه التقدم في أي خطوة نحو الاتفاق.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.