تجنيد السوريين بالنزاعات العالمية: لماذا تسعى موسكو إلى إرسال مقاتلين سوريين إلى مالي؟

تجنيد السوريين بالنزاعات العالمية: لماذا تسعى موسكو إلى إرسال مقاتلين سوريين إلى مالي؟

مسألة تجنيد السوريين بالنزاعات العالمية ما زالت على ما يبدو استثمارا مربحا لجهات متعددة. إذ تواردت أنباء عن استعداد شركة فاغنر الروسية للتعاقد مع آلاف الشبان السوريين، والتوجه بهم إلى مالي، الدولة الإفريقية، التي يسيطر عليها مجلس عسكري أجرى انقلابا في بداية العام الحالي. وهي خطوة روسية جديدة في إفريقيا، بعد تدخل موسكو في ليبيا.
مصادر إعلامية عديدة أكدت تواجد نحو أربعمئة عنصر من شركة فاغنر الروسية، وصلوا جوا إلى العاصمة المالية باماكو منذ نجاح الانقلاب، وتوزعوا على عدة أماكن حيوية في المدن المالية المختلفة.
وعلى الرغم من نفي الانقلابين الماليين الكلي للتواجد الروسي، إلا أن الغضب الأوروبي والأمريكي من هذه الخطوة قد تصاعد، خاصة من قبل فرنسا، التي طُرد سفيرها وأكثر من نصف قواتها من مالي. وتؤكد تقارير إعلامية إمكانية اندلاع مواجهة جديدة بين روسيا والدول الغربية في أفريقيا. لتصبح الأخيرة حلقة جديدة في الصراع بين الطرفين، بعد سوريا وليبيا وأوكرانيا. ولكن ما دور المرتزقة السوريين بكل هذا؟ ولماذا الإصرار على تجنيد السوريين بالنزاعات العالمية؟

أدوات تجنيد السوريين بالنزاعات العالمية

 موقع “الحل نت” التقى مع “ر. ذ”، وهو سمسار متخصص بعمليات تجنيد السوريين لصالح القوات الروسية في ليبيا، لسؤاله عن مسألة تجنيد السوريين بالنزاعات العالمية، وفي مالي على وجه الخصوص. فأجاب بالقول: “مكاتب المتعاقدين مع الشركات الأمنية الروسية، والسماسرة في المحافظات السورية المختلفة، قد تلقوا تعليمات عن فتح باب التعاقد مع مقاتلين من سوريا للسفر نحو مالي، لحساب روسيا”.
وأكد أنه “أحد الذين بدأوا بالعمل على ذلك. خاصة أنه يملك قوائم جاهزة بأسماء آلاف الشبان، الذين يرغبون بأن يتم تجنيدهم في أي مكان بالعالم، وينتظرون السفر إلى ليبيا أو أوكرانيا أو حتى فنزويلا”. مبررا هذه الرغبة بأن “الحياة في سوريا  باتت مستحيلة، والشباب يريدون الذهاب لأي مكان في العالم، حتى لو بصفة مقاتلين”.
السمسار، المنحدر من محافظة السويداء، التي تعد من أولى المحافظات التي سعى شبانها للانضمام لصفوف الشركات الأمنية الروسية، رغم الاعتراضات الاجتماعية الكثيرة على ذلك، أكد أن “العقد الجديد مع شركة فاغنر مغرٍ جدا. إذ يبلغ المرتب الشهري للمقاتل ألفا وخمسمئة دولار أميركي، لمدة خمسة أشهر على الأقل، مع إعطائه نصف راتب مقدما. وهوية خاصة، تقيه من أي مساءلة بعد عودته. إضافة إلى ميزات الطعام والشراب والطبابة، التي تقدمها شركة فاغنر، ويعرفها المقاتلون الذين تعاقدوا معها في ليبيا، والذين لاحظوا الفروق الكبيرة بين فاغنر والشركات الأمنية الروسية الأخرى، التي أخذت مكانها في ليبيا”.
مختتما حديثه بالتأكيد على أنه “يقوم حاليا بتقديم قوائم بأسماء الراغبين بالتعاقد مع شركة فاغنر للأجهزة الأمنية السورية، من أجل الحصول على الموافقات الأمنية، وتسهيل العمل”.

لماذا تجنيد السوريين بالذات في مالي؟

ولمعرفة ما تريده روسيا بالضبط في مالي، ولماذا تسعى لتجنيد السوريين بالنزاعات الدائرة هناك، تواصل “الحل نت” مع ضابط متقاعد في القوات النظامية، رفض نشر اسمه لأسباب أمنية، وقال إن “أهداف روسيا من التواجد في مالي هي أساسا الطموح بنيل نصيب من الثروات الإفريقية، مثل الذهب والماس واليورانيوم، وغيرها من الموارد شديدة الأهمية للاقتصاد العالمي. وهو ما سعت إليه دائما الدول الكبرى، مثل فرنسا وأميركا والصين، بل وحتى تركيا”.
وعن سبب حاجة روسبا لتجنيد السوريين أكد الضابط المتقاعد أن “دخول روسيا بمقاتلين أجانب مرتزقة يعفيها من أي مساءلة دولية. إذ تستطيع موسكو نفي تدخلها بشكل رسمي”. مشددا على أن “الشركات الأمنية الروسية سوف تحرس الأماكن الاقتصادية الحيوية، ولن تتورط في أي نزاع عسكري في مالي، طالما أن هناك من يقوم بهذا بدلا عنها”،  في إشارة إلى الانقلابين الماليين.
ولفت المصدر إلى أن “سبب تفضيل الشركات الروسية لتجنيد السوريين بالنزاعات العالمية هو سهولة هذا الأمر. فهي تستطيع تأمين الموافقات الأمنية اللازمة، من خلال علاقاتها مع الأجهزة الأمنية السورية. وتركز عادة على المطلوبين جنائيا، والذين لم يلتحقوا بالتجنيد الإجباري”.

الحرب في مالي لن تكون نزهة للمقاتلين السوريين

المعلومات التي حصل عليها “الحل نت” تفيد بأن شركة فاغنر تطلب تجنيد اثني عشر ألف مقاتل من كل المحافظات السورية. وقامت بتوكيل شركة “الصياد” للقيام بالتحضيرات اللازمة لذلك، وهي شركة سورية، يديرها فواز ميخائيل جرجس، رجل الأعمال السوري الروسي المنحدر من وادي العيون، والمعروف بعلاقاته المباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
السمسار “ر. ذ” أكد أن “السفر نحو مالي سوف يكون أواخر شهر آذار/مارس، وبداية شهر نيسان/إبريل. على أن يستمر السفر إلى ليبيا، للمحافظة على المصالح الروسية هناك، لكن بوتيرة وعدد أقل من السابق”.
وكانت روسيا قد فتحت باب تجنيد السوريين بالنزاعات الدولية منذ عام  2020، بعد حصولها على تسهيلات من الحكومة السورية. وهو ما يعني، بحسب كثير من المتابعين، تفريغ البلد من شبانه، وتحويلهم إلى وقود لحروب، لا يعرفون شيئا عن ظروفها ومخاطرها.

مقالات قد تهمك: الانسحاب الفرنسي من إفريقيا: هل سيتكرر السيناريو الأفغاني في الساحل الإفريقي الغربي؟

وتكمن خطورة العملية الروسية في مالي، بحسب المختصين بالشؤون الإفريقية، بأنها تدعم عمليات المجموعات المسلحة، التي كان الجيش الفرنسي يلاحقها، قبل انسحاب جزء كبير منه من البلاد. إلا أن باريس لن تقدّم مالي على طبق من ذهب لموسكو، بل ترغب في أن تجعل روسيا تغوص في المستنقع الإفريقي. وعليه فلن تكون القوة التي تجندها روسيا في مالي بمأمن، ولا يمكن اعتبار مهمة المقاتلين السوريين هناك أشبه بنزهة، كما يتصور البعض. ما يشير إلى فصل مأساوي جديد من فصول تجنيد السوريين بالنزاعات العالمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.