فشلت اللجنة الدستورية السورية، من جديد في التوصل لإيجاد أي مقاربة يمكن بناء أي شكل من أشكال الحل للأزمة السورية، بين الحكومة والمعارضة، ولم تحقق حتى الآن في سبع جولات أي من أهدافها المعلنة، فظهرت العديد من الخلافات بين الوفود المشاركة في اللجنة، التي وقفت أمام تحقيق أي خطوة من شأنها دعم الحل السياسي في البلاد.

خلافات جديدة أشعلتها الجولة السابعة من المفاوضات، حيث أكد المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسن، أن أعضاء اللجنة الدستورية ناقشوا خلال الجولة الأخيرة، موضوع هوية الدولة، وذلك بناء على مقترح وفد المجتمع المدني، حسب متابعة “الحل نت”.

جولات قادمة

ناقش المجتمعون، على مدار خمسة أيام، أساسيات الحكم، بناء على مقترحات مقدمة من المعارضة، ورموز الدولة مقدمة من وفد حكومة دمشق وتنظيم ومهام السلطات العامة، مقدمة من المعارضة، دون التوصل إلى أي توافقات.

كما ألغى المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، المؤتمر الصحافي المقرر عقب انتهاء الجولة، واكتفى مكتبه بإصدار بيان جاء فيه، أن “الجولة السابعة للجنة الدستورية انعقدت بجنيف عقب مشاورات مع الرئيسين المشتركين (أحمد الكزبري وهادي البحرة)، وممثلي المجتمع المدني مع توضيح منهجية آلية عمل اليوم الأخير للجولة“، حسب متابعة “الحل نت”.

ويرى بشار الحاج علي، الدبلوماسي السابق وعضو اللجنة الدستورية، في حديثه لموقع “الحل نت”، اليوم الأحد، أن الخلاف المحوري ليس على رموز الدولة وليست حالة نقاش دستوري، إنما الخلاف الحقيقي هو “بين الوفدين الأول يمثل إرادة شعبية حرة تعبر عن التغيير الحضاري و الحريات والحقوق، والثاني مرتهن لإدارة قمعية دكتاتورية لا تملك من أمرها شيئا وهي تنفذ ما يصلها من أوامر حتى تحت قبة الأمم المتحدة”.

ويعتقد الحاج علي، بإمكانية عقد جولة أخرى جديدة، ولم يكن من المتوقع أن تخرج هذه الجولة بنتائج كسابقاتها، و طرح وفد دمشق قضية الرموز بطريقة فجة بقصد التسبب في ضعضعة وفد “هيئة التفاوض” المعارضة، و إحداث شرخ بين مكوناتها، وهذا ما لم يحصل بسبب تفهم أعضاء وفد المعارضة  لهذه القضية وطرحهم الوطني والمنطقي.

ولن يكون هناك جولة أخرى فقط، بل جولات، لأن الحالة السياسية من خلال اللجنة الدستورية السورية في جنيف هي عبارة عن منبر دولي تتقاطع فيه التناقضات الدولية وحالة الاستعصاء مع الوضع السوري ومأساة المعاناة الإنسانية، ولم يبقى ما يغطي عورة هذه المنظومة الدولية العاجزة سوى هذا المنبر.

من جهته، يرى الباحث السياسي السوري، صدام الجاسر، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن هناك احتمال كبير لانطلاق جولة ثامنة، وجولات أخرى، فدمشق ترغب بهذه الجولات وليس لديها مشكلة فيها، وأيضا، الخلاف على رموز الدولة ليس خلاف محوري في الحقيقة، وهذا اعتقاد خاطىء لدى الكثيرين، ولكن ما يجري تطبيق لكلام الحكومة السورية السابق “سوف نغرقهم في التفاصيل”.

قد يهمك:فشل جديد للجنة الدستورية.. الأسباب الحقيقية لاشتعال الخلاف في الجولة السابعة

اللجنة لا معنى لها؟

سبق الجولة السابعة التي بدأت أعمالها، الاثنين الفائت، انسحاب السياسي المعارض، العميد إبراهيم الجباوي، وإلى جانبه أعلن العميد عوض العلي، استقالته من اللجنة، وبالإضافة إلى ذلك، ذكرت مصادر وصفت بالمطّلعة، أن المعارضين المستقلين مستاؤون من سير أعمال اللجنة الدستورية، حسب متابعة “الحل نت”.

وكان الناطق باسم “هيئة التفاوض” السورية المعارضة، وعضو اللجنة الدستورية، يحيى العريضي، قد قال في بيان: “دأب البعض في مؤسسات المعارضة السورية على التفرد والإقصاء، وتسيير المؤسسات بالاتجاه الذي يريدونه عبر لقاءات سرية، وتفاهمات وأوراق وصياغات لا نعلم عنها شيئا“.

ولا يعتقد معظم المراقبين أن للغزو الروسي لأوكرانيا تأثير عميق على مسار اللجنة الدستورية، في حين يرى آخرون أن المسارات الدولية باتت متشابكة فيما بينها.

وفي هذا السياق، يرى صدام الجاسر، أن الغزو الروسي لأوكرانيا لم ولن يؤخر عمل اللجنة الدستورية، خاصة أن هذا الغزو لا وقت محدد لنهايته وهو يمتد زمنيا، كما أن المشكلة الروسية في أوكرانيا أصبحت أكبر وأكثر تعقيدا، والمشكلة السورية في الملف الروسي- الأوكراني مجرد تفصيل صغير ليس أكثر، فبوتين يواجه أزمات في أوكرانيا أعمق من الأزمة السورية.

أما اللجنة بحد ذاتها، فهي لجنة مفرغة من محتواها، ولم يعد لوجودها أي معنى، وكما قال العضو المستقيل منها، يحيى العريضي، أنها وصلت إلى لا مكان، وليس لوجودها معنى، وأصبحت لجنة فاشلة تستغلها دمشق لذر الرماد في العيون،حسب الجاسر.

أما بشار الحاج علي، فيرى أنه من الطبيعي تداخل المسارات الدولية مع بعضها وخاصة السوري والأوكراني لوجود روسيا كفاعل أساسي محتل في كلا البلدين، وكونها عضو في دائم في مجلس الأمن ليسهم ذلك في زيادة التعطيل، والخوف من مساومة غربية في أوكرانيا على حساب سوريا.

هل يستقيل بيدرسن؟

تتعقد العملية السياسية في سوريا مؤخرا، مع رفض جميع الأطراف “المعارضة وحكومة دمشق” للسياسة المطروحة من قبل مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن، للحل في سوريا تحت عنوان “خطوة بخطوة“، ما يوحي ربما بجمود جديد واسع في مسار الحل السياسي في سوريا إلى أجل غير معلوم، ويوحي بفشل ذريع لمهمة المبعوث الأممي في سوريا، ما دفع العديد من المراقبين بالاعتقاد أنه لم يبق أمام بيدرسن سوى الاستقالة من منصبه.

ويرى الحاج علي، أن استقالة بيدرسن هي أمر راجع لتقديره الشخصي وحسب أهدافه، وحسب الرؤية التي يتبناها، وفي ظل الملف الأشد تعقيدا في الحاضر، لا يرجح الحاج علي استقالته من أجل الدستورية، فلو أن فشل الدستورية يدفعه للاستقالة لوجب عليه ذلك منذ الجولة الأولى حيث الكلام السياسي العام بعيدا عن اختصاص اللجنة ومهمتها، فهي غير منتجة وغير قابل للإنتاج إلا بعد الاتفاق السياسي المترافق مع توافق دولي.

أما الجاسر، فلا يعتقد أن بيدرسن سوف يستقيل من منصبه، على الرغم من فشله، حيث يرى أي “بيدرسن” أنه بمجرد عقد جولة للجنة الدستورية فهو انتصار له، بصرف النظر عن النتائج التي يدفع السوريون ثمنها.

إقرأ:بعد انسحابات متعددة.. هل ينفرط عقد اللجنة الدستورية؟

وحتى الآن، فشلت كل مبادرات الأمم المتحدة عبر مبعوثيها السابقين، كما فشلت جميع جلسات اللجنة الدستورية في التوصل لأي تفاهم مهما كان صغيرا، وهذا ما يشكل فائدة وكسبا لمزيد من الوقت لدمشق، فيا تضيق الخيارات جميعها أمام المعارضة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.