بالنسبة للإصلاحيين اللبنانيين، كانت نتيجة انتخابات الأسبوع الماضي انتصارا لهم، فقد فازوا بـ13 مقعدا من أصل 128 مقعدا في البرلمان، وانتزعوا المقاعد من حلفاء “حزب الله” ، الذين سيمثلون بـ 62 عضوا – مقارنة بـ 71 بعد انتخابات 2018.

ومع ذلك، كان حزب الله المدعوم من إيران قادرا على الاحتفاظ بمقاعده الخاصة، ولكن جاءت الخسارة على حساب شركائها في مقدمتهم “حزب التيار الوطني الحر” بقيادة الرئيس اللبناني، ميشال عون، والذي بدوره وبحسب مراقبين، سيعمل على تعطيل حركة الإصلاحيين، التي تحاول تغيير الأداء السياسي في لبنان.

هل يصمد التيار الجديد؟

تأسس الإصلاحيون الشباب أواخر عام 2019 في لبنان، وسط أزمة وطنية حادة تميزت بالركود السياسي والفساد والتدهور الاقتصادي الهائل، في غضون ذلك، فقدت الليرة اللبنانية 90 بالمئة من قيمتها، وتفاقم الوضع أكثر جراء انفجار ميناء بيروت في آب/أغسطس 2020، الذي خلف أكثر من 200 قتيل ودمر الميناء والأحياء المحيطة به، ومنذ ذلك الحين، تحول انفجار الميناء، بالنسبة للكثيرين، إلى رمز لعدم كفاءة الطبقة السياسية الحالية.

استبعد مدير المشروع في مجموعة الأزمات الدولية للبنان وسوريا والعراق في بيروت، هيكو ويمين، خلال حديثه لصحيفة “دويتشه فيله”، أمس الجمعة، تعاون الإصلاحيين مع “حزب الله اللبناني، مرجحا أن يشكل هؤلاء الأعضاء في البرلمان كتلة معارضة واحدة متماسكة، لأن لديهم آراء مختلفة في العديد من الجوانب.

وأوضح ويمين، أنه سيتعين على أعضاء هذه الكتلة، معالجة مشاكل كثيرة، أهمها العمل على تغيير مزاج الناخب، إذ ما زال معظم الناخبين ينتخبون ممثلين عن الأحزاب القائمة، وبهذا، فإنهم – حتى لو كان ذلك عن غير قصد – يدعمون الوضع الراهن.

وتعزز فرصة الإصلاحيين، كون جزء كبير من السكان في لبنان، بما في ذلك العاملين في القطاع العام، لديهم دخل صغير بالكاد يكفي للبقاء على قيد الحياة، لذلك، لا عجب أن الناس يبحثون عن ممثلين سياسيين يثقون بهم للدفاع عن مصالحهم، وهي فرصة كبيرة لهم الآن.

“حزب الله” يبحث عن تعطيل

فقدان “حزب الله” وحلفاءه الأغلبية في البرلمان، يعني أنهم سيواجهون الآن ضغوطا متزايدة من الأحزاب الرئيسية الأخرى، مثل حزب “القوات” التي يقوده سمير جعجع، وحزب “التحرير”، الذي ادعى بعد فرز أصوات الانتخابات، أنه أهم مجموعة إصلاح على الإطلاق، إلا أن العديد من اللبنانيين يرون أنهم لا ينتمون إلى المعسكر الجديد للإصلاحيين الشباب.

زعيم حزب “القوات” اللبنانية، قال إن الانتخابات النيابية الأخيرة، التي خسر فيها “حزب الله” الأغلبية، تحتاج إلى تحول في الأداء السياسي، لتصبح فيه الدولة اللبنانية صانع القرار الاستراتيجي في السلام والصراع، وأيضا في السياسة الخارجية.

وصرح سمير جعجع، في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، اليوم السبت، من مقره في معراب شمال شرقي بيروت، أن هدف حزبه، هو “إعادة القرار الاستراتيجي برمته إلى الدولة اللبنانية، ولا يحق لأحد تجاوز سقف الدولة، أما السياسة الخارجية والقرار الامني والعسكري في يد الجيش اللبناني”.

وتابع “لا يمكن لأحد أن يبدأ معركة جديدة، أو ينقل الصواريخ من منطقة إلى أخرى دون موافقة الجيش اللبناني وعلمه”، في إشارة إلى “حزب الله”، لأنه الكيان العسكري غير الشرعي الوحيد في لبنان الذي يمتلك ترسانة عسكرية كبيرة.

الجدير ذكره، أن “حزب الله”، الذي ترعاه إيران، يدافع عن أسلحته، مدعيا أنها ضرورية لمواجهة إسرائيل، ويتهمه منتقدوه باستخدامها لـتخويفهم، والتحكم بالسلام والحرب في البلاد، والانخراط في أزمات إقليمية، وكل ذلك أدى إلى توتر العلاقات الدبلوماسية اللبنانية، لا سيما مع دول الخليج، التي كانت من أكثر الداعمين للبنان.

وأوضح جعجع، الذي يعدّ من أشدّ خصوم “حزب الله” وارتكزت حملته الانتخابية على شعارات مناوئة لسلاحه، “لم يعد هناك من سلاح في الداخل، بل هناك عملية سياسية” تجلت عبر الانتخابات، مشددا على أنه “ليس مسموحا لأحد أن يستخدم سلاحه في الداخل”.

ماذا تعني نتائج الانتخابات بالنسبة لنفوذ إيران؟

الاحتجاجات الشعبية في 2019، استطاعت إفراز معارضة جديدة شابة، تحاول اليوم دخول الانتخابات بقوة من خلال قوائم ما تعرف بقوى التغيير، والتي تسعى للحد من سيطرة الأحزاب التقليدية والطائفية، ما أحدث تغييرا لأول مرة في شكل التحالفات المشاركة في الانتخابات.

الأكاديمية والكاتبة اللبنانية، منى فياض، ترى خلال حديث سابق لها مع “الحل نت”، أنه وبعد الانتخابات الأخيرة باتت عودة البعث السوري إلى لبنان تناقض توجهات حزب الله، فحزب الله الذي يحارب في سوريا لن يسمح بإعطاء نفوذ للبعث السوري في لبنان، ففي الفترة السابقة استخدم الحزب البعثيين من أجل تنفيذ أجنداته.

وأضافت فياض، أن حزب الله لم يدعم البعثيين للفوز في الانتخابات الأخيرة، ولكن فشلهم من ناحية ثانية يعبر عن رفض المجتمع اللبناني لعودة “النظام السوري” إلى لبنان، مشيرة إلى أن الحكومة السورية فقدت الشرعية في سوريا نفسها، لذا لن يكون لها أي شرعية في لبنان.

وأشارت فياض، إلى أنه لم يتبق نفوذ سوري كبير في لبنان، حتى ضمن تيار “المردة” والنائب “طوني سليمان” الذي يعتبر من أصدقاء الأسد، فقد بات ينظر باهتمام إلى الأوضاع اللبنانية الداخلية أكثر من اهتمامه بعلاقاته مع الحكومة السورية، مختلفا بذلك عن وئام وهاب، و”التيار العوني”.

أما فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني، فترى فياض أنه من المؤكد سيضعف خلال المرحلة القادمة، فالوضع في إيران نفسها مشتعل، وحزب الله لن يتمكن من نقل أو عكس ما يجري في إيران على لبنان، فلن يكون هناك رضوخ له، وسيخسر الكثير.

ولا يمكن التنبؤ بعد بشكل دقيق، بما سيجري في المرحلة القادمة على الساحة السياسية وخصوصا للإصلاحيين في لبنان، فالمجلس لم يمض على انتخاب أعضائه سوى أيام، والأسماء التي سقطت، وخسارة بعض الجهات كحزب الله، يعلم اللبنانيون يقينا أنها لن تمر بسهولة، فسيسعى هؤلاء لتعطيل العملية السياسية بدعم إيراني كبير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.