في حين تعتبر مرحلة الامتحانات النهائية لشهادتي التعليم الأساسي والثانوية من أهم المراحل التي يمر بها الطلاب في سوريا، فإنها لا تخلو من الضغوط المتعددة التي ترافق الطلاب والأهل على حد سواء، ومن ضمن هذه الضغوط، الجانب المادي الذي تنحصر من خلالها الدروس الخصوصية ضمن قائمة الاهتمامات الرئيسية.

في الآونة الأخيرة وبالتزامن مع موسم الامتحانات النهائية، انتشرت ظاهرة الدروس الخصوصية بشكل غير مسبوق وبأسعار مرتفعة جدا، إذ وصل سعر التدريس للساعة الواحدة إلى نحو 50 ألف ليرة سورية.

أزمة تدريس وأسعار كاوية

صحيفة “الثورة” المحلية نشرت تقريرا مؤخرا، جاء فيه نقلا عن عددا من الطلبة الثانوية العامة وطلبة التعليم الأساسي، أن الدروس الخصوصية مهمة ولا يمكن الاستغناء عنها، فهم لا يستوعبون كافة المعلومات في الصفوف المدرسية وذلك بسبب صعوبة المنهاج حسب وصفهم، إضافة لأعداد الطلاب الكبيرة في الشعبة الواحدة.

وأضاف التقرير المحلي أن بعض الطلبة يضطرون لأخذ بعض الدروس الخصوصية لاسيما في مواد اللغات والرياضيات بسبب صعوبة المناهج، لذلك “من الضروري أخذ درسين أو ثلاثة دروس كل أسبوع للتأكد من فهم كل الدروس”، وأوضح التقرير نقلا عن عدد من الطلبة، أن البعض منهم لا يمكنه أخذ دروس باستمرار بسبب التكاليف المرتفعة حيث أن أجرة الدرس في الساعة الواحدة تصل إلى أكثر من 15 ألف ليرة سورية في المناطق العشوائية، هذا إن وجد، أما في المناطق الراقية فأجرة الدرس للساعة الواحدة تبلغ أكثر من خمسين ألف ليرة سورية.

بدوره، أبو أمجد، لديه ولدين (تاسع وبكالوريا)، أكد للصحيفة المحلية، أن “صعوبة المناهج وكثافتها تجبر الأهل إلى اللجوء للدروس الخصوصية وخاصة الشهادات”، مضيفا أن “بعض المدرسين يحجبون المعلومة ليضطر الطالب إلى أخذ دروس خصوصية بأسعار خرافية ولكنه مضطر لذلك، في سبيل تخطي أبنائه لهذه المرحلة الأساسية فهي بداية انطلاقهم”.

قد يهمك: دمشق.. 40 ألف ليرة سعر ساعة الدرس الخصوصي

تدني رواتب المدرسين

ضمن السياق ذاته، قال مدرس لمادة الرياضيات للصحيفة المحلية، أن “سبب لجوء الأهالي إلى الدروس الخصوصية هو ترهل الكادر التعليمي”، معتبرا أن “ما يتقاضاه من راتب شهري لا يعادل سوى ساعات قليلة لا تتجاوز ثلاث ساعات يومية يقضيها في الدروس الخصوصية”.

وأردف في حديثه، “يقوم بعض الطلاب بالتعطيل على رفاقهم فهناك تفاوت بين الطلاب”، مبينا أن “عدد من الطلاب يأتون إلى المدرسة رفع عتب لا أكثر، وآخرين لديهم دروس خصوصية ومعاهد في البيت وآخرين يضطرون للحضور والفهم حيث لا إمكانية لأهاليهم لوضعهم ضمن معاهد أو أن يلحقونهم بدروس خصوصية”.

من جانبها، قالت ذوي أحد الطلبة في الثانوية العامة، أنها تعاني من ماراثون الدروس الخصوصية، “الأهل والطلبة بحاجة للدروس وبعض الأساتذة يستغلون حاجتنا ويطمعون، لأنهم على علم مسبق برضوخنا لأي مبلغ يطلبونه مقابل جلوسهم مع أبنائنا لساعة”.

ونوّهت إلى أنها “تدفع ثمن الساعة الواحدة لمادة اللغة الفرنسية عشرين ألف ليرة سورية وهذا أقل سعر حصلت عليه، أما بقية المواد فتصل سعر الساعة الواحدة إلى أربعين ألف ليرة سورية كالرياضيات والفيزياء باعتبارها مواد علمية وكثيفة وصعبة الفهم”، على حد قولها.

وعزا أحمد عثمان مرشد اجتماعي، خلال حديثه مع الصحيفة المحلية، أن “الأسباب وراء انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية كثيرة ومتنوعة يأتي في مقدمتها انخفاض أجور المدرسين، كما لا يمكن إغفال جشع بعض المعلمين والمدرسين ورغبتهم ببناء حياتهم على حساب غيرهم وهم قلة قليلة ولكنهم موجودون”.

غياب الدور الرقابي

وفيما يخص شروط إعطاء الدروس الخصوصية ومراقبتها من قبل الوزارة قالت مدير الإشراف التربوي في وزارة التربية، إيناس ميّه، أن “الدروس الخصوصية مخالفة للأنظمة والقوانين المعمول بها في وزارة التربية، ولكن وزارة التربية لا تضع ضوابط مالية لهذه العملية” معتبرة أن “ذلك يعتبر شرعنة لهذه الدروس”.

وفي وقت سابق، وبظل تفاقم هذه الظاهرة بشكل كبير، حمّلت مديرة الإشراف التربوي، الأهل والطلاب وبعض المدرسين مسؤولية تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية، لكنها لم تتطرق إلى تقصير المنظومة التعليمية والتي بدورها أدت إلى انتشار هذه الظاهرة واعتماد نسبة كبيرة من السوريين على الدروس الخصوصية، ولم تتطرق إلى غياب الإشراف الرقابي الحكومي في كيفية سير العملية التعليمية في المدارس السورية، والتي بدورها هي من أحد الأسباب الرئيسية في انتشار هذه الظاهرة وفق آراء الأهالي والطلاب بشكل عام.

كما وبررت مديرة الإشراف التربوي بالقول: “صحيح هناك تقصير من بعض المدرسين المستمرين بإعطاء وشرح الدروس على الطريقة التقليدية داخل الصف للمنهاج الحديث والذي يفترض أن يكون فيه الطالب هو محور العملية التعليمية، لكي يصل إلى المعلومة بنفسه، لكن كثرة أعداد الطلاب في العديد من المدارس، يؤدي إلى عدم قدرة المعلم على ضبط الصف وهو ما قد يفقدهم التركيز والانتباه للدرس ويمنعهم من الحصول على المعلومة بالشكل المطلوب”.

هذا وانخفض مستوى التعليم وجودته في سوريا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، في ظل هجرة عدد كبير من المدرسين ممن يمتلكون الخبرة، إضافة لتدهور الوضع الاقتصادي الذي أثر على الطرفين، المدرس الذي لم يعد مرتبه كافيا لمعيشته وأسرته، والطالب الذي لم يعد التعليم الحكومي قادرا على إيصال المواد العلمية بالشكل اللازم، لتكون الدروس الخصوصية هي الحل الأمثل للطرفين، وإن كانت مرهقة من الناحية المادية لأهالي الطلبة.

قد يهمك: تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية بسوريا.. مسؤولية الأهل أم وزارة التربية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.