دخل الصراع على الجنوب السوري مرحلة خطيرة، عقب معركة قرية خازمة في السويداء، التي أدت إلى تدمير “قوة مكافحة الإرهاب”، التي يعتبر كثيرون أنها مدعومة أميركيا، ومقتل قائدها سامر الحكيم، على يد عصابات موالية لإيران، مثل ميليشيا الدفاع الوطني ومجموعة راجي فلحوط.

كثيرون بعد هذه المعركة توقعوا انتصار إيران في الصراع على الجنوب السوري، خاصة بعد الأنباء عن انسحابات روسية من المنطقة، بسبب انشغال موسكو بغزوها لأوكرانيا. ولكن الانتصار الإيراني لن يكون على ما يبدو بالسهولة التي يتمناها أنصار طهران. فالموروث الشعبي للمنطقة، التي انطلقت منها الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، يميل للاستقلالية ورفض النفوذ الأجنبي. وعندما يردد شيخ عقل الطائفة الدرزية حكمت الهجري كلمات مثل “استعمار” و”احتلال” لوصف الحضور الإيراني في المنطقة، متحدثا عن “المقاومة”، فهذا يعني أن الأمور ذاهبة باتجاه مقاومة هيمنة طهران، خاصة أن كثيرا من أهالي السويداء لا يعتبرون النفوذ الإيراني مجرد نفوذ سياسي وعسكري، بل نفوذ ديني، يسعى لتغيير عقائد أهل المنطقة.

الشيخ حكمت الهجري غرّد خارج السرب، ليكشف دور الأفرع الأمنية في إثارة الفوضى الممنهجة في السويداء، وزرع العصابات المحلية، لتأخذ دور الجهات المختصة، بهدف زج السكان في حرب محلية. فهل يستطيع الهجري هذه المرة الثبات على موقفه رغم التهديدات؟ وهل يسانده المجتمع المحلي؟

موقع “الحل نت” التقى مع الشيخ الهجري لمعرفة المزيد عن موقفه عما يدور في جبل العرب، ونظرته حول وقائع الصراع على الجنوب السوري.

السلطة هي المسؤول عن الدم الذي سال في الصراع على الجنوب السوري

“إن الخطط المرسومة، كانت تقتضي بإبعاد الوطنيين عن الساحة، كي تتحقق الفوضى، ويقف أهالي المحافظة، بجميع مكوناتهم، ضد بعضهم. وقد عرفنا رأس الأفعى، الذي يرغب بزرع الشقاق داخل البيت الواحد، فتسيل الدماء، كما حدث في قرية خازمة”.

بهذه الكلمات يستهلّ الشيخ الهجري حديثه، مؤكدا، في تعليقه حول الصراع على الجنوب السوري عموما، والسويداء خصوصا، أن “مسؤولية ما يجري على ساحة المحافظة تقع على عاتق رؤساء الأفرع الأمنية، الذين اغتصبوا مواقعهم لمصالح شخصية، بعيدة عن مصلحة الدولة”.

وأضاف: “الوطنيون لا يثيرون الفتن بين مكونات المجتمع، ويخربون النسيج الاجتماعي المستقر منذ مئات السنين. نحن مع الدولة القوية، ومع حقوق الناس ومتطلباتهم بالعدل والمساواة، والقانون العادل الذي يعطي الحقوق لأصحابها. وإذا سقط قتلى وسالت الدماء، فيجب على الدولة أن تنزل أقصى العقوبات بالجاني. الموضوع هنا ليس مجرد خلاف أهلي أو اجتماعي، بل مخطط منظّم. ويكفي إرهابا وفسادا”.

وحول شباب السويداء، الذين انضموا إلى عصابات تابعة للأمن العسكري الموالي لإيران، وانخرطوا في الصراع الإقليمي على الجنوب السوري، يقول الرئيس الروحي للطائفة الدرزية: “إن الذين يتقاتلون تحت أي مسمى هم أبناؤنا في النهاية، مهما كانوا، وسوف نحتاجهم في وقت ما. وعلينا أن نعيدهم إلى رشدهم. فهم مغيبون، وأدوات بيد فاسدين، مغتصبين للمواقع المسؤولة”.

الصراع بين الهجري واللجنة الأمنية

ليس هذا هو الموقف الأول، الذي يعلنه الشيخ حكمت الهجري، ضد قادة الأجهزة الامنية، متهما إياهم بالوقوف خلف الفتنة بين أبناء السويداء، والتخطيط والعمل لضرب النسيج الاجتماعي والعيش المشترك بين أبناء المحافظة. فقد اتضح منذ فترة طويلة النزاع المستتر بين الهجري وبعض الأجهزة الأمنية، الذي يبدو أنه يتصاعد الآن مع تصاعد الصراع على الجنوب السوري.

ومن آخر فصول هذا النزاع مقاطعة اللجنة الأمنية في السويداء لدار الهجري، وعدم زيارة ممثلين عنها لمضافته منذ أسابيع.

ويرأس اللجنة الأمنية في السويداء قائد الفرقة الخامسة عشرة من القوات النظامية. كما أنها تضم رؤساء الأفرع الأمنية، ومحافظ السويداء، وأمين فرع حزب البعث في المحافظة، ورشيد سلوم، مسؤول ميليشيا الدفاع الوطني في الجنوب السوري.

وقد شهدت العلاقة بين كل هؤلاء والشيخ الهجري، خلال السنوات الأخيرة، العديد من المواقف الصعبة، مع تصاعد الصراع على الجنوب السوري. أهمها تنسيق اللجنة الأمنية مع حكومة دمشق لقصف السويداء في العام 2018، وتصدي الهجري وحيدا لتلك العملية، ونجاحه بإلغائها. ولكن، بحسب المعلومات، التي لم ينفها الهجري أو يؤكدها في إفادته لـ”الحل نت”، فإن “رأس الأفعى” الذي قصده، في حديثه أمام المئات من زواره، هو العميد سالم الحوش، رئيس فرع أمن الدولة الموالي لروسيا. وذلك بعد اتفاق فرعه مع فرع المخابرات العسكرية الموالي لإيران، وتسوية المشاكل العالقة بينهما. ما يؤكد تخلي روسيا جزئيا عن ملف الجنوب السوري، وتسليمه لإيران. وبالتالي انضمام فرع أمن الدولة إلى المخابرات العسكرية في معاداة الشيخ حكمت الهجري.

الهجري علّق على قرار مقاطعة اللجنة الأمنية لداره بالقول: “إنهم يضحكون على أنفسهم في مقاطعة الناس الشرفاء. فنحن الذين لا نريدهم، وليس هم من يقيمّون الوطني من غير الوطني”.

الخيط انقطع مع ممثلي إيران في الصراع على الجنوب

إلا أن علاقة الشيخ الهجري بممثلي روسيا في الصراع على الجنوب السوري لم تنقطع بعد. فقد زاره أكثر من ضابط روسي، في الوقت الذي لم يلتق فيه مع أي ممثل عن الجانب الإيراني. وهذا يشير إلى منهج عمل، يلبي فيه الشيخ الهجري رغبة أبناء المحافظة، المعادين للتغلغل الإيراني في السويداء.

أحد وجهاء المحافظة، الذي نتحفظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية، يقول لموقع “الحل نت” إن “الشيخ حكمت الهجري قد استشعر الخطر، منذ أن بسطت حكومة دمشق سيطرتها على كامل محافظة درعا، فحرّك الشارع في السويداء، واستقطب غالبية الناس، ومن ضمنهم بعض الفصائل المسلحة. وكان قد ترك خيط وصل مع بعض الفصائل التابعة أو المرهونة للجهات الأمنية، إلا أن هذا الخيط قد انقطع الآن، مع تصاعد الصراع على الجنوب السوري. والشيخ الهجري يُظهر حاليا الدعم المحلي الذي يتمتع به، في غياب أي دور فاعل، أو شعبية تذكر، لمنافسيه على مشيخة العقل، أي الشيخين يوسف جربوع وحمود الحناوي”.

الأيام القادمة ستبيّن الخلفية التي يستند إليها الشيخ حكمت الهجري في تصريحاته، والدور الذي سيلعبه في التصدي للتغلغل الإيراني في المحافظة. وكذلك مستقبل علاقته مع السلطات السورية وأجهزتها الأمنية. وربما تشهد المحافظة قريبا فصولا جديدة في الصراع على الجنوب السوري، لا تقل اضطرابا وعنفا عن سابقاتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.