يعاني الصيادون في الساحل السوري من أزمات كثيرة، تجعل مهنتهم مهددة. فعلى الرغم من أن البحر كان دائما الملجأ الأخير لأهالي المنطقة، في سعيهم لطلب الرزق، إلا أن الحرب السورية قد ضيّقت إمكانيات البحر على اتساعه.

وقد أضافت الحرب لهموم الصيادين القديمة صعوبات وأزمات معيشية، في ظل دوامة الفساد والحصار، التي يعاني منها البلد. فكيف يعيش الصيادون في الساحل السوري حياتهم، ويمارسون مهنتهم وسط هذه الظروف؟

“الحكومة أكثر غدرا من موج البحر”

لطالما عانى الصيادون في الساحل السوري من متاعب كثيرة، ووفقا لأرقام شبه رسمية فإن مدينة اللاذقية تضم قرابة ثلاثة آلاف صياد، نصفهم غير مسجل لدى نقابة الصيادين، ومن كان مسجلا لم يتم تسجيله في التأمينات الاجتماعية.


الصياد أبو جابر كركوتي، من مدينة اللاذقية، يعبّر عن معاناته وانزعاجه بالقول: “الحكومة السورية غدّارة أكثر من أمواج البحر”.

موضحا لموقع “الحل نت”: “ورثت المهنة عن والدي، وهي مورد رزقي منذ كنت في العشرينات من عمري. إلا أن حال المهنة يزداد تدهورا في الآونة الأخيرة، لأن الحكومة لا تدعمنا بالمعدات الحديثة، التي تمكّننا من الصيد في مناطق بعيدة بالبحر، متذرّعة دائما بقلة الإمكانيات، في حين أنها منحت معظم ساحل المدينة للروس، مع السماح لهم بحرية التحرك العسكري، مما أثّر سلبا على تكاثر ونمو الأسماك؛ أضف إلى ذلك زيادة أسعار المحروقات، التي تعتمد عليها سفن الصيادين”.

يؤيد هيثم عديرة، وهو صياد من منطقة رأس البسيط، كلام كركوتي، مؤكدا أن أزمة المحروقات تتصدر هموم الصيادين في الساحل السوري، ويقول لـ”الحل نت”: “لم يعد مستغربا هذه الايام للأسف أن نرى مراكب الصيادين راسية على الشواطئ، فنحن نعاني نقصا حادا في الوقود، ولا قدرة لنا على شرائه من السوق السوداء، ولذلك قلّ عملنا، واقتصر على الصيد مرة أو مرتين في الشهر. والغالبية العظمى من صغار الصيادين متضررة من قلة كميات المحروقات المخصصة لها، البالغة حوالي أربعمئة لترا فقط، ولا تسد حاجة المراكب، خصوصا الكبيرة منها”.

المهندس سالم أزهري، معاون رئيس نقابة النقل البحري والبري، قال لـ”الحل نت” إن “مشكلة الوقود ترتبط بالوضع العام للبلد”.

وأضاف: “نحن، بوصفنا جهة نقابية، نتابع مشاكل الصيادين في الساحل السوري، ونعمل على حلها قدر المستطاع. وموضوع تأمين المحروقات يخضع للظروف التي يمر بها البلد، ما يجعل المخصصات لمحافظة اللاذقية قليلة. ونعمل حاليا على تركيب ثلاثة خزانات مازوت في موانئ الصيد في اللاذقية ورأس البسيط وجبلة، حتى يتمكن كل مركب من الحصول على مخصصاته مباشرة وعبر البطاقة الذكية”.

الحكومة تقاسم الصيادين في الساحل السوري رزقهم

يرى الصيادون في الساحل السوري، أن التقصير الحكومي يرافقه قصور وتخلّف في العقلية الإدارية، فمنذ أكثر من ثلاثة عقود لم تظهر أي خطط حكومية ناجعة، تفيد هذا القطاع الحيوي، وتطور أساليبه، لتخرجه من شكله التقليدي، وتحوله إلى نمط إنتاج حديث، تنطبق عليه المعايير العالمية.

يتنهد أبو علي كحيلة، وهو اسم مستعار لصياد يعمل في ميناء جبلة المتواضع، ويعتمد في معيشته على الصيد فقط، ويتساءل بحرقة:” ماذا بقي من مهنة الصيد لنعتبرها مهنة؟”.

 ويضيف لـ”الحل نت”، وهو يجمع شبكته الخاوية من الرزق: “الفوضى ما تزال عنوانا للصيد، ويريد الكل مقاسمتك رزقك القليل. وفي حال صاد الصياد غلة ما، فهو لن يأخذ كامل الغلة ليبيعها، فعليه توزيع جزء منها لخفر الساحل والأفرع الأمنية، وأحيانا ﻵخرين من الجهات الرسمية، يتواجدون في المرفأ”.

الصيادون في الساحل السوري ممنوعون من ركوب البحر

الصيادون في الساحل السوري يشتكون أيضا من منعهم من الوصول إلى المياه الإقليمية، بحجة الخوف من تهريب البشر والحشيش وغيره. إضافة إلى الروتين والبيروقراطية المتعلقين بإجراءات تنقّل الصيادين، وأخد التصريحات للانطلاق في رحلاتهم البحرية.

 الصياد الخمسيني حاتم عبد الله، وهو من سكان منطقة أم الطيور في محافظة اللاذقية، يقول بحسرة: “عجيب وغريب أمر الموانئ والجهات المختصة. كأنهم يكافحوننا نحن الصيادون البسطاء، مع أن كل الصيادين يعرفون من يقوم بالتهريب ونقل الحشيش والحبوب وغيرها، والجهات الرسمية كذلك تعرفهم، ولكن كالعادة، تلعب المحسوبيات الدور الأبرز في هذا البلد”.

أحمد، وهو ابن الصياد حاتم، يضيف إلى حديث أبيه: “نعاني أيضا من طول مدة الحصول على موافقات الإبحار، والتي قد تصل الى حوالي الشهر. فأنا أخذت تصريحا للصيد في منطقتي أم الطيور ووادي قنديل، وعندما وصلت منعتني دورية كانت هناك من الصيد، وطالبتني بأن أقدم تصريحا للمديرية كي أخرج بالمركب إلى البحر، وفي حال خرجت به مباشرة ستنتظرني مخالفة، وحجز المركب لمدة شهر”.

وتأتي إضافة الصياد أحمد لتفتح قضية أساسية يعاني منها الصيادون في الساحل السوري، وهي منعهم من التنقّل بين الموانئ.

 المهندس أحمد رحية، عضو نقابة الصيادين، يوضح لـ “الحل نت” إشكاليات هذه النقطة بالقول: “عملية التنقل من مرفأ إلى آخر تخضع إلى الظروف، وتتشابه مع قرار منع السفر خارج المياه الإقليمية، الذي صدر في العام 2007، بهدف منع تهريب المازوت والمهاجرين غير الشرعيين. فإذا تأخر أحد الصيادين عن موعد العودة إلى الميناء، وبقي في البحر أكثر من عشرين ساعة، فقد يتعرّض للحجز والمساءلة، بتهمة التهريب أو قطع المياه الإقليمية”.

حال مرافئ الصيد في الساحل السوري

يعمل الصيادون في الساحل السوري ضمن عدة موانئ صغيرة للصيد، أكثرها شهرة في محافظة اللاذقية ميناء الصيد والنزهة أو ما يعرف بـ”الميناء اليوغسلافي”، وميناء الكورنيش الجنوبي أو مينا القصب، وميناء أم الطيور، وميناء رأس ابن هانئ، وميناء البسيط، وتضم هذه الموانئ نحو ألفي قارب، من مختلف اﻷحجام والقياسات. أي أن هناك على اﻷقل خمسة آلاف عائلة مرتبطة بهذا القطاع.

منار شكوحي، موظف في مديرية المالية، لكنه يمارس الصيد بسنارته الخاصة، وقدهواية قلبتها ظروف المعيشة لمهنة، يحاول من خلالها زيادة دخله القليل.

يشرح شكوحي لـ”الحل نت” الواقع الخدمي لميناء الصيد والنزهة بالقول: “الصيادون في الساحل السوري، يحاولون الاعتماد على هذا الميناء. وأنا آتي إلى هنا مرتين في الأسبوع. الميناء قديم لكنه يمكن أن يتحول إلى منطقة سياحية بقليل من الخدمات، مثل توفير أعمدة الإنارة الكهربائية ومياه الشرب والأكشاك، والاهتمام بالنظافة، مع حواجز لمنع سقوط الأطفال في المياه. لكن لا أحد يفكر بذلك، عدا عن أن الدخول إلى الميناء مقيّد، ويرتبط بمزاج القائمين عليه”.

أصحاب القوارب، من الصيادين الممتهنين للصيد، يضيفون لقصور الموانئ نقاطا أخرى، أبرزها عدم بناء المكاسر للوقاية من العواصف، وعدم تركيب مزلقانات للمراكب، إضافة إلى ضرورة ترحيل المراكب القديمة، وإزالة التالف منها، لفسح المجال أمام المراكب الأخرى.

أزمة السفن الحربية وجشع التجّار

تشهد الثروة السمكية في الساحل تناقصا ملحوظا لعدة عوامل، منها التلوث الناجم عن التسربات النفطية، الناجمة عن حركة السفن الحربية في الموانئ، وإجرائها عدة مناورات عسكرية، استخدمت خلالها صواريخ وقذائف شديدة الانفجار، ما أثّر على حياة الاسماك. اضافة إلى استخدام الديناميت، الممنوع في الصيد، وعدم محاسبة المخالفين من أصحاب الواسطات، وعدم التزامهم بمواعيد منع الصيد المحددة من قبل مديرية الثروة السمكية.

ولمعرفة ما يتداوله الصيادون في الساحل السوري من أحاديث وآراء حول كل هذه الظروف، تجوّلنا في سوق السمك، في منطقة الطابيات في اللاذقية، وقابلنا هناك عبود سلواية، أحد أصحاب المتاجر في السوق، الذي قال لـ”الحل نت”: “البلدية والمحافظة تأتيان فقط لتأخذا الضرائب، وتسجلا المخالفات. ودائما تأتيان بضريبة النظافة، إضافة إلى فواتير الماء والكهرباء المرتفعة، ولا تهتمان بمشاكل السوق وهموم التجار، مثل إعادة تأهيل السوق وترميمه، وإصلاح شبكات الصرف الصحي، والعناية بمسألة النظافة”.

في المقابل كان للصيادين البائعين لغلالهم بشكل فردي شكواهم، المرتبطة بتجار السوق، والتي لخصها الصياد أبو فادي بالقول: “الصيادون في الساحل السوري يعانون من تحكّم التجار بهم، وتلاعبهم بسعر العمولة في ساحة السمك. وعلى الجهات المعنية العمل على ضبط الأسعار ومراقبتها، وأيضا مراقبة أسعار أدوات الصيد، من طعوم وشباك وسنانير. إذ يفرض التجار أسعارا باهظة، تتجاوز الحد المعقول، والأفضل أن تُستورد تلك المعدات عن طريق مديرية الثروة السمكية، لنتمكن من شرائها بسعر مقبول”.

الصيادون في الساحل السوري يترحّمون اليوم على أيام “شيخ الكار”، أو الريس الذي كانوا يلجأوون إليه لحل مشاكلهم. على عكس حالهم في ظل نقابة شكلية، لا تفعل شيئا سوى أخذ الاشتراكات منهم؛ وحكومة مهملة لشريحة مهمة من سكان الساحل السوري، كانت عملها يمثّل فيما مضى تراثا معنويا لشعوب غزت البحر، وجابت العالم ذات يوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.