حكومة تركيا التي تعاني منذ نحو عام من تضخم كبير، نتيجة الانخفاض غير المسبوق في سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي، بات اليوم مواطنيها أمام ضائقة تزيد من أعبائهم المالية، حيث زادت الشركات المسؤولة عن توزيع الكهرباء والغاز في تركيا أسعار الفواتير إلى نسبة غير مسبوقة، ما يوحي أن البلاد تتجه نحو أزمة اقتصادية متزايدة.

رفع أسعار الغاز

شركات حكومية تركية، أعلنت في وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء، رفع أسعار الغاز والكهرباء بنسب مرتفعة، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تضخما كبيرا في الأسعار نتيجة أزمة الطاقة العالمية.

وقررت شركة “بوتاش” التركية المستوردة للغاز، رفع أسعار الغاز الطبيعي للمنشآت الصناعية بنسبة 50.8 بالمئة، وللمنازل بنسبة 20.4 بالمئة.

كما رفعت أسعار الغاز الطبيعي المخصص لإنتاج الكهرباء إلى 49.5 بالمئة، بدءا من أيلول/سبتمبر الجاري، معللة الزيادة بأنها جاءت بسبب الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة.

وجاء في بيان الشركة أن أكثر من 99 بالمئة من الغاز الطبيعي، هو مصدر طاقة مستورد من مصادر خارجية في إطار الاتفاقيات الدولية، في الوقت الذي ادعت فيه شركة الغاز، أن الغاز الطبيعي في تركيا هو الأقل سعرا بين الدول الأوروبية في المساكن والمنشآت الصناعية.

ومن المتوقع أن تكون الزيادة في المنزلي كالآتي، فإذا كانت فاتورة الغاز الطبيعي بـ 100 ليرة شهريا فستصبح 120 ليرة اعتبارا من أيلول/سبتمبر الجاري، وإذا كانت الفاتورة 200 ليرة فستصبح 240 ليرة، وإن كانت 300 ليرة فستصبح 360 ليرة، وإن كانت 400 ليرة فستصبح 480 ليرة، وإن كانت 800 ليرة فستصل إلى 960 ليرة.

إقرأ:العودة للتمثيل الدبلوماسي الكامل بين تركيا وإسرائيل

الكهرباء في أسعار غير مسبوقة

في سياق رفع أسعار الطاقة، أعلنت هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية “إيمرا”، زيادة تعرفة الكهرباء للاشتراك السكني والأنشطة الزراعية 20 بالمئة، وللاشتراك التجاري والقطاع الخاص والخدمات 30 بالمئة، وللاشتراك الصناعي 50 بالمئة، ليصبح سعر الكهرباء لفئة الاستهلاك 1.73 ليرة تركية للكيلو واط لفئة الاستهلاك 100 كيلوواط وما دون.

الهيئة أرجعت أسباب الارتفاع إلى أن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي لا تزال تؤثر على الاقتصادات العالمية، وجلبت عواقب “وخيمة” على جميع أسواق الطاقة العالمية، وخاصة بالنسبة للدول الأوروبية.

وأضافت الهيئة، أن زيادات غير عادية حدثت في أسعار جميع المواد الخام تقريبا، مما أثر أيضا سلبا على تكاليف إنتاج الطاقة في تركيا.

قد يهمك:تركيا تعتقل سوريين قاموا بإحراق العلم التركي في ريف حلب

تضخم وانخفاض بقيمة الليرة التركية

رفع أسعار الكهرباء والغاز في تركيا، يأتي بالتزامن مع ارتفاع المستوى العام لأسعار معظم المواد، وانخفاض قيمة الليرة التركية، وارتفاع معدلات التضخم لمستويات عالية، حيث تشهد الليرة التركية انخفاضا في قيمتها مقابل الدولار الأميركي، ولامس سعر صرف الدولار 18.21 ليرة تركية اليوم الخميس بحسب موقع “دوفيز” المتخصص بأسعار الصرف والعملات.

وفي مطلع شهر آب/أغسطس الفائت، ارتفعت معدلات التضخم لمستويات عالية ووصل إلى 79.60 على أساس سنوي، وسط استمرار في ارتفاع التضخم على أساس شهري في تموز/يوليو، بحسب ما أعلنت “هيئة الإحصاء التركية”.

وبحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، وصل التضخم في تركيا إلى 78,6 بالمئة بمعدل سنوي في مطلع شهر تموز/يوليو الماضي، وهو أعلى مستوى منذ عام 1998، وفق ما أظهرت أرقام رسمية تركية.

وأضاف التقرير، أنه لم يسبق أن وصل التضخم إلى هذه المستويات منذ وصول الرئيس رجب طيب أردوغان للسلطة في 2003، فيما يعود الارتفاع الكبير جدا في الأسعار بجزء كبير منه إلى انهيار الليرة التركية التي خسرت حوالي نصف قيمتها في غضون سنة في مقابل الدولار الأميركي.

وبحسب تقارير سابقة لـ”الحل نت”، شهدت الليرة التركية نهاية العام الماضي انخفاضا قياسيا غير مسبوق، وخسرت نحو 50 بالمئة من قيمتها، وتدخل البنك المركزي للمرة الخامسة خلال شهر واحد بسبب أسعار الصرف، حيث وصل سعر تداول الليرة التركية مقابل الدولار في كانون الأول/ ديسمبر 2021، إلى 17 ليرة للدولار الواحد.

الباحث الاقتصادي، يحيى السيد عمر، قال لـ “الحل نت” في وقت سابق، إنه من المتوقع والطبيعي أن تتأثر أي عملة عند تغير قيمة سعر الفائدة، فعند خفضه تنخفض قيمة العملة والعكس صحيح.

وأشار السيد عمر، إلى أنه في حالة الليرة التركية كان انخفاض قيمة الليرة يفوق الأثر الناتج عن خفض سعر الفائدة.

وأوضح السيد عمر، أن لهذا الأمر لسببين، الأول العامل النفسي لدى الأتراك والأجانب المقيمين في تركيا والذين يقومون بزيادة معدل تحويل الليرة إلى دولار أو ذهب، فكلما ازداد هذا المعدل كلما انخفضت قيمة الليرة.

والسبب الثاني كما يرى السيد عمر، هو قيام جهات بتمويل المضاربات على الليرة بهدف الضغط عليها وإظهار قرار الحكومة بأنه خاطئ، وبالتالي الضغط الشعبي عليها للتراجع عن سياسة التخفيض، وذلك كون مصالح هذه الجهات تتعارض مع تخفيض سعر الفائدة.

يأتي هذا السقوط الشديد لليرة التركية، في ظل التضخم السريع للاقتصاد التركي، وذلك في الوقت الذي توقعت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني في نهاية العام الماضي، أن التضخم في تركيا سيتجاوز 25 بالمئة في العام الحالي، بالتالي سيؤثر بشكل كبير على النمو الاقتصادي للبلد.

ومن الجدير بالذكر أن تركيا تستورد جميع احتياجاتها من الطاقة تقريبا، ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار الكبيرة، إذ أظهرت بيانات حكومية أن تكاليف الطاقة بدأت في الارتفاع خلال الأشهر الماضية بنسبة 212 بالمئة على أساس سنوي خصوصا في أول شهرين من عام 2022 إلى 16.8 مليار دولار.

إقرأ:اتفاقية خاصة للطيران بين تركيا وإسرائيل.. ما الأهداف؟

حيث وصلت مشتريات شركة “بوتاش” من العملات الأجنبية من البنك المركزي إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي للمنازل إلى ارتفاع معدلات التضخم بمقدار 55 نقطة أساس، في حين سيكون الأثر الثانوي لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي على قطاع الصناعة برفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك بأكثر من 55 نقطة أساس، بحسب متابعة “الحل نت”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.