لسوريا تاريخ طويل مع الحركات الإسلامية، أقدمهم هي جماعة “الإخوان المسلمون” التي يعود تاريخها إلى الأربعينيات، حيث شكل صراعها مع الحكومة السورية أقطاب السياسة في البلاد لأكثر من ستة عقود، فبعد أن تم إخماد ظهورها في سوريا من قبل الجيش بعد انتفاضة في أوائل الثمانينيات، أصبحت حركة مجردة من أي وجود منظم داخل سوريا، وبات كل قادتها في المنفى.

أعادت الاحتجاجات الشعبية عام 2011 جماعة “الإخوان المسلمين” إلى الظهور، حيث لعبت دورا بارزا في تشكيل ائتلاف معارض جديد في الخارج، كانت القوة الأكثر نفوذا وهيمنة منذ البداية داخل “المجلس الوطني” السوري المنحل، والذي تأسس في إسطنبول عام 2011، و”الحكومة المؤقتة” التي شكلت حكومة في غازي عنتاب في عام 2014 وتدعمها أنقرة، أما داخل سوريا، فشكلت فصائل عسكرية أبرزها الآن “فيلق الشام”.

في الوقت الحاضر، تستعد الجماعة لجولة انتخابية قريبة من المرجح أن تجري في شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل، في ظل تنافس بين التيار القيادي القديم من كبار السن، وتيار الجيل الشباب الأصغر سنا، ولكن هل مشروعها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وشخوصها وهيكليتها وآليات عملها السابقة التي عملت بها خارج سوريا يمكن لها أن تستمر، أم تتسبب هذه الانتخابات بانقسام الجماعة التي تشهد حروبا داخلية بين مشروعين “الشبابي” و”الحرس القديم”.

قادة جدد.. أم تبادل للأدوار؟

بعد ثلاثة عقود في المنفى، تعمل جماعة “الإخوان المسلمين” السورية في السنوات الأخيرة على إعادة بناء نفوذها داخل سوريا. يُنظر إلى انتخابات قيادة الجماعة الإسلامية لعام 2022 على أنها اختبار رئيسي لما إذا كان بإمكان “الإخوان” إجراء التغييرات اللازمة لتقوية التنظيم وتعزيز دوره في البلاد، أم أنها ستستمر مرتهنة للدول وأبرزها تركيا كما كانت أجندتها سابقا.

عضو الجماعة والمقيم في ألمانيا، عبد الحميد طيفور، أوضح لـ”الحل نت”، أنه في حين أن جماعة “الإخوان” توصف في كثير من الأحيان بأنها واحدة من أكثر القوى فاعلية في المعارضة السورية في المنفى، إلا أنها واجهت انقسامات كبيرة داخل صفوفها.

مع تزايد المطالب الداخلية للتغيير، أشار طيفور، إلى أن قادة “الإخوان” دعوا إلى انتخابات مجلس الشورى، وهو أعلى هيئة لصنع القرار في الجماعة، وانتخب أعضائها الجدد قادة للتنظيم بأكمله، وبقرارهم هذا يرسل مجلس الشورى رسالة واضحة مفادها أن الجماعة تفتح الباب أمام التغيير “الصوري”، حسب وصفه.

سابقا، ومع قدوم محمد حكمت وليد على رأس الجماعة مراقبا عاما في عام 2015، توقع كثيرون أن يكون هناك تغييرا جديدا في مسيرة الجماعة، خاصة أنه كسر الطوق المناطقي في الصراع على زعامة الجماعة، ولكن لم يلبث هذا الأمل إلا قليلا وتلاشى تحت وطأة المعالجات التنظيمية الداخلية التي يبدو أن المراقب الجديد استسلم لها.

ومع نهاية الفترة الانتخابية للمراقب الحالي محمد حكمت وليد، بعد استنفاذه مدته القانونية لدورتين في قيادة الجماعة، أكد طيفور تصدر اسمين من قادة الجماعة لاستلام زمام الأمور، هم عامر البوسلامة نائب المراقب العام حاليا، والذي فشل في انتخابات الدورة السابقة عندما دخل في تنافس مع الدكتور محمد وليد، وحسام الغضبان، الذي كان نائبا للمراقب العام في الدورة السابقة.

ومع ذلك، بالنسبة لبعض الأعضاء، هذه الخيارات ليست إشارة قوية بما يكفي للتغيير، خصوصا وأن الجماعة منذ تأسيسها لا تثق بأن يتصدر الشباب قيادتها، حيث توقع الكثيرون تعيين شاب يتمتع بشخصية كاريزمية ملتزم بتغيير جماعة الإخوان من الداخل من خلال السماح بمزيد من الشفافية في عملية صنع القرار وتعزيز دور الشباب على جميع مستويات التنظيم، وأبرزهم كان ملهم الدروبي وعمر مشوح وحسان الهاشمي، الذين كانوا إلى فترة سابقة من العناصر الشابة والمؤثرة داخل الجماعة لسنوات.

عودة الارتهان

بعد تسريب أسماء المرشحين لخوض الانتخابات، بدأت الانقسامات الإقليمية داخل أفراد الجماعة وفق ما يؤكده طيفور لـ”الحل نت”، حيث يتنافس جناحا “الإخوان” في حماة وحلب على النفوذ منذ الثمانينيات.

أحد التحديات الرئيسية التي تواجه جماعة “الإخوان المسلمين” السورية هو التجديد الأجيال الذي يجب أن يخضع له إذا أراد البقاء كقوة سياسية ذات صلة في المعارضة السورية.

لكن على الجبهة الأيديولوجية، يرى طيفور أنه من غير المرجح أن يؤدي انتخاب الأسماء السابقة إلى تغييرات كبيرة في نظرة “الإخوان المسلمين”، فعلى الرغم من نبذهم الطائفية واحترام حقوق الأقليات والعمل مع قطاعات أخرى من المجتمع السوري من أجل الضغط من أجل تغيير الحياة السياسية في سوريا بطريقة أكثر شمولا، إلا أن ارتهانها لتركيا ودعمها لأنقرة في كثير من الحروب وخصوصا في عفرين أعاد الجماعة إلى المربع الأول.

على الصعيد الإقليمي، يعتقد طيفور أنه من المرجح أن يؤدي انتخاب الغضبان خصوصا إلى تعزيز نفوذ تركيا في المعارضة السورية المنقسمة، إذ يعتبر برنامجه السياسي قريبا من الناحية الأيديولوجية من برنامج حزب “العدالة والتنمية” الذي يتزعمه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

وعليه، فإن تقييم المؤشرات الموضوعية للمشاركة الديمقراطية، مثل الممارسات الانتخابية، وتشكيل المعاهدات، وتكييف السياسات، ومقاربات الحكومة التنفيذية، يثبت أن “الحرس القديم” للجماعة لا يزال متمسكا بأيديولوجيته الفاشلة خصوصا في الأعوام الأخيرة، مستبعدا الشباب من صفوف الجماعة خاصة وأن أملها في حكم سوريا تبدد بعد أن صرحت أنقرة بنيتها لإعادة العلاقات مع دمشق.

الماضي يخبر الحاضر

احتمالية أن تكون الانتخابات الجديدة لإعادة توزان “الحرس القديم” في الجماعة هو الظاهر، خصوصا أن الخبير في الجماعات والحركات الإسلامية السياسية في الشرق الأوسط، ريمون بيكر، خلال حديثه لـ”الحل نت”، لا يستبعد أن يكون ذلك من أجل التمهيد للجلوس مع دمشق على طاولة واحدة.

تباين محددات هذه المقاربة يرجع لتاريخ الجماعة وتحركاتها، فمع عدم وجود احتمالات لإسقاط النظام سابقا، كان هم الإخوان الرئيسي هو الاحتفاظ بالأهمية السياسية، في عام 1985، وافقت على لقاء مسؤولين أمنيين سوريين في ألمانيا، لكن المحادثات انتهت بالفشل. وفي عام 1995، سُمح للمراقب السابق عبد الفتاح أبو غدة بزيارة سوريا، لكن طلبه لمقابلة الرئيس السوري الأسبق، حافظ الأسد تم تجاهله. إلا أن إجراء المزيد من المناقشات استمر في عام 1999، لكنها انتهت فجأة بعد اغتيال الوسيط أمين يكن، العضو البارز السابق في جماعة “الإخوان” في حلب.

في عام 2001، بدأ المحاورون في الجماعة يأخذون بجدية التقارب مع دمشق، وأرسلت الجماعة إشارات إيجابية إلى الحكومة السورية، بما في ذلك دعوة المراقب العام السابق لـ”الإخوان المسلمين” في سوريا، علي صدر الدين البيانوني، إلى مصالحة وطنية شاملة.

ويشير بيكر، إلى أنه في غياب قاعدة شعبية داخل سوريا، دخلت جماعة “الإخوان” في شراكة مع وحدات معارضة براغماتية يتحدد ولائها إلى حد كبير من خلال التمويل، ولذلك مع وجود التجارب التي تركت مثل هذه العلامة الدائمة والمدمرة على الجماعة، “يبدو أن نجم الجماعة أفل، خصوصا وأنها لم تستطع على مدى الأعوام السابقة بأن تصنع قاعدة لها، وظلت على المنهج القديم في تبديل الولاءات الخارجية لتنفيذ أجنداتها”.

قد لا تجسد الانتخابات الجديد الأمل للعديد من أعضاء جماعة “الإخوان” المسلمين في سوريا، إلا أن سلوكها داخل مؤسسات المعارضة قد تكون نقطة ضعف الورقة الأخيرة لها، إلا إذا كانت تلعب على وتر مقاربة تركيا السياسة مع دمشق لحجز مقعد لها داخل الحكومة السورية في حال رضيت الأخيرة بتغييرات داخل منظومتها السياسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة