بعد مرور أكثر من شهر ونصف على كارثة الزلزال في سوريا، لا يزال مئات العائلات ممن تضررت منازلهم بلا مأوى، بعدما فشلوا في الحصول على المساعدات التي أعلنت عنها الحكومة السورية وأبرزها مرسوم الرئيس السوري بشار الأسد الخاص بمنح قروض معفاة من الفوائد للمتضررين من كارثة الزلزال.

حتى الآن لم ترصد التقارير الصادرة عن وسائل إعلام محلية، استفادة المتضررين من المرسوم الرئاسي الخاص بمنح المتضررين قروض بنكية، إذ يتخوف المتضررون من عدم قدرتهم على تسديد دفعات القرض، هذا فضلا عن فشل الشريحة الأكبر بالاستفادة من القرض، بسبب عدم تحقيقهم لشروطه التي تضمن قدرتهم على سداد الدفعات.

“أسوأ رمضان أعيشه منذ سنوات”، يقول أحمد أبو الرجا وهو أب في عائلة مؤلفة من أربعة أفراد ويعمل سائق سيارة أجرة في مدينة حلب، بعد أن فقد منزله في حي طريق الباب، إثر كارثة الزلزال، في حين يعيش مع عائلته الآن في ملجأ جماعي في نفس الحي، بسبب عدم قدرته على استئجار منزل.

قرارات بدون فائدة

المتضررون من الزلزال اعتبروا أن القرارات الحكومي وبالأخص المرسوم الرئاسي القاضي بمنحهم قروضا بلا فوائد إضافة إلى الإعفاءات من الرسوم والضرائب، بمثابة “تخل كامل” عنهم، حيث أن هذه القرارات لم تساهم إطلاقا في تخفيف الكارثة أو تأمين مأوى لمن تهدمت منازلهم، أو تضررت إلى حد لم يعد من الممكن السكن فيها.

قرض متضرري الزلزال تصل قيمته إلى مئتي مليون ليرة سورية دون فوائد، وعلى فترة سداد تمتد لست سنوات، لكن شروط القرض أعاقت معظم المتضررين من الحصول عليه، إذ يحتاج المتضرر إلى كفيل عند البنك، إضافة إلى دخل مرتفع يصل إلى 750 ألف ليرة شهريا، يمكّن صاحب القرض من سداد الدفعات بشكل دوري، وهو رقم يفوق بأضعاف متوسط الدخل في سوريا.

من فقد منزله بسبب الزلزال، ويود الحصول على القرض المعفى من الفوائد، سيتوجب عليه على أقل تقدير دفع مليون ليرة سورية، وإذا ما تحدثنا عن محدودي الدخل، فإن من المستحيل على المواطن السوري أن يتحمل سداد دفعات القرض الحكومي، بالتالي فإن القرارات التي صدرت مؤخرا بعيدة كل البعد عن الاستجابة الحكومية ومساعدة المتضررين.

رمضان يفاقم المعاناة

مع أول أيام رمضان تفاقمت معاناة المتضررين من الزلزال، لا سيما ممن فقدوا منازلهم أو تضررت إلى حد لم يعد بإمكانهم السكن فيها، ومن بينهم أحمد أبو الرجا الذي تحدث مع “الحل نت” عن معاناته في إيجاد سكن لعائلته منذ السادس من شباط/فبراير الماضي.

أبو الرجا قال إنه ذهب إلى “الوطنية للتمويل” للاستفادة من المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2023، لكنه لم يلق أية استجابة بسبب عدم تقديمه ضمانات القرض، كما توجه إلى العديد من الجمعيات الخيرية التي أعلنت عن مساعدة المتضررين، أضاف “هناك بعض الجمعيات التي قبلت طلب المساعدة، لكنها طلبت مني انتظار اتصال منهم حتى يأتي دوري”.

أبو الرجا أردف في حديثه قائلا، “لا نعلم كيف سنمضي شهر رمضان في الملجأ، أنا أعمل سائق لسيارة تكسي ولا يمكنني تحمل تكاليف استئجار منزل، نحن نقيم في ملجأ في حي طريق الباب إلى جانب 30 عائلة أخرى، وحتى الآن لم تصلنا مساعدات غذائية سوى ثلاث مرات منذ يوم الكارثة، ولم يتم تقديم لنا أي خطة تضمن لنا مأوى في المدى المنظور”.

شهادات الأهالي والتقارير المحلية، أكدت أن القرارات الحكومية الخاصة بالاستجابة ومساعدة المتضررين لم تشمل سوى خمسة بالمئة منهم، فيما اقتصرت عمليات تقديم المساعدة على بعض الجمعيات الخيرية الخاصة والفعاليات المحلية، وقد نقل موقع “أثر برس” عن عضوة مجلس إدارة “الجمعيات الخيرية” في حلب مريانا الحنش قولها، إن بعض الجمعيات توجهت لاستئجار منازل للعائلات المتضررة باعتبار أن إيجاد مأوى يمنحهم الاستقرار أهم بكثير من تقديم المساعدات الغذائية.

مبادرات محلية

 مبادرة “سقف يلمنا”، هي إحدى المبادرات المحلية التي تم إطلاقها في مدينة حلب، والتي تتضمن إما استئجار منزل للمتضررين أو القيام بإصلاح وصيانة المنازل السلمية إنشائياً ليتمكن ساكنوها من العودة إليها، لكن بالطبع فإن المبادرة المذكرة لم تغطي إلا نسبة محدودة من العائلات المتضررة.

قد يهمك: تصعيد جزائري ضد المغرب.. القطيعة إلى نقطة اللاعودة؟

بحسب تصريحات الحنش، فإن المبادرة استأجرت حتى الآن 504 منازل للعائلات المتضررة إضافة إلى صيانات وإصلاحات لمنازل أخرى، مشيرة إلى أن المبادرة خططت للاستئجار عدد أكبر من المنازل إلا أن ارتفاع أسعار الإيجارات قلّص العدد قليلاً، مضيفة أن المبالغ تتراوح ما بين مليون ونصف و3 ملايين ليرة بحسب المنزل ومنطقته.

حكومة دمشق أرادت التهرب من مسؤولياتها، عبر تلك الإعلانات والقروض الخاصة بالمتضررين، وهي تعلم مسبقا أن معظم المتضررين لن يستطيعوا تحقيق شروط القرض، وحتى إن حصلوا عليها فإنهم لن يستطيعوا تأمين دفعات القرض في ظل ضعف القدرة الشرائية لدخلهم المحدود.

يؤكد محللون ومتابعون للاقتصاد السوري أنه حتى المساعدات الخجولة التي أعلنت عنها دمشق، لن تستطيع الإيفاء بها بسبب معاناة الاقتصاد في البلاد.

بعيدا عن جدوى هذه القروض، فإن خبراء في الاقتصاد السوري، أكدوا أن دمشق عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من التعويضات لمتضرري كارثة الزلزال، فهي تسعى فقط إلى الظهور وكأنها ساعدت المتضررين، لذلك لجأت إلى القرارات المشروطة، فهي التي تعجز عن تأمين الخبز والخدمات الأساسية للمواطنين، بالتأكيد لن يكون بمقدورها مواجهة كارثة بهذا الحجم وتعويض المتضررين.

إذا فحكومة دمشق تركت على ما يبدو المتضررين من كارثة الزلزال لأقدراهم، ذلك بعد أن حققت وفق محليين، ما تصبو إليه من فوائد سياسية على حساب المآسي الإنسانية للسوريين، الذي ما زال الآلاف منهم قاطنين في شوارع المدن المتضررة، فقد أعلنت “لجنة السلامة العامة في سوريا”، عن وجود 2287 مبنى غير آمن في مدينة حلب، التي تعد أكثر المدن تضررا بالزلزال ضمن مناطق سيطرة حكومة دمشق.

حتى المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى المناطق المتضررة، لم تصل إلى مستحقيها بالشكل المطلوب، فقد أعاقت الميليشيات الإيرانية وصول المساعدات إلى المتضررين، وعمدت تلك الميليشيات إلى السيطرة على شحنات المساعدات القادمة إلى حلب عبر مطار حلب الدولي، وتم الإشراف على عمليات تفريغها ونقلها إلى المستودعات داخل الأحياء، من قِبل مجموعات تابعة لـ”لواء الباقر” التابع للميليشيات الإيرانية، وبالطبع كان لمراكز الإيواء التي افتتحتها إيران في حلب الحصة الأكبر من هذه الشحنات.

لا يبدو أن دمشق لديها أي خطة لتعويض المتضررين وإيجاد مأوى لهم، في وقت تبقى فيه مئات العائلات في الملاجئ أو عند أقاربهم وأصدقائهم، بانتظار أي قرار أو تحرك قد يساعدهم في تأمين منزل يأويهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.