في مثل هذا اليوم، يمر عام كامل على الكارثة المدمرة، وهي ذكرى زلزال 6 شباط/ فبراير 2023 الذي ضرب تركيا وسوريا، والتي صنفت كـ”أسوأ كارثة” في تاريخها الحديث، حيث أودت بحياة عشرات الآلاف وتسببت في نزوح، بل تشريد أعداد ضخمة من السكان.

وأدّى زلزال السادس من شباط إلى مقتل 53537 شخصاً في تركيا بحسب آخر حصيلة نشرتها السلطات التركية، يوم الجمعة، في حين سُجّل مقتل 6 آلاف شخص في سوريا المجاورة، ما رفع حصيلة الكارثة في البلدين إلى نحو 60 ألف قتيل، لتصبح من بين أكثر 10 كوارث حصداً للأرواح خلال المئة عام الماضية.

وعلى الرغم من نجاة العديد من الأشخاص، إلا أن تداعيات وتبعات الزلزال لا تزال ترافقهم، خاصة في سوريا، البلد المدمر على كافة الأصعدة نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من 12 عاماً.

تبعات زلزال شباط على الأطفال

في سياق الحديث عن تبعات الزلزال على الأطفال، قالت “منظمة أنقذوا الأطفال“، أمس الاثنين، إن الأطفال الناجين من الزلزال في كل من سوريا وتركيا ما زالوا يعانون من القلق وأمراض الصحة العقلية، ويكافحون لتجاوز تبعاته، بعد عام من الكارثة التي ضربت البلدين.

وأردفت المنظمة الدولية في تقرير بالذكرى السنوية الأولى للزلزال، أن 85 بالمئة من الأطفال ذوي الإعاقة الذين تحدثت إليهم في سوريا، أبلغوا عن صعوبات في التفاعل مع عائلاتهم وأصدقائهم ومعلميهم وغيرهم، بسبب تجاربهم خلال الكارثة.

منظر للأضرار مع استمرار البحث عن ناجين في أعقاب زلزال مميت في كهرمان ماراس، تركيا في 10 فبراير 2023. “رويترز/ ستويان نينوف”

ويشير تقرير المنظمة الدولية إلى أن 70 بالمئة من المشاركين في دراسة شملت خمس مناطق سورية تسيطر عليها حكومة دمشق، تحدثوا عن الحزن الذي ينتشر بين الأطفال. كما ذكروا أن نحو 30 بالمئة من الأطفال بدأوا يعانون من الكوابيس وصعوبة في النوم.

وطبقاً لتقرير “منظمة أنقذوا الأطفال”، فإن الآلاف من الأطفال الناجين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى المأوى والغذاء، فضلاً عن تصعيداً في النزاع، بجانب الدمار الذي لحق بالمدارس والمراكز الصحية، في وقت علق برنامج الأغذية العالمي الكثير من مساعداته في المناطق المتضررة من الزلزال.

وأوضح التقرير الدولي أن نحو 1.5 مليون شخص في سوريا، 45 بالمئة منهم أطفال، بحاجة إلى مساعدات إنسانية هذا العام.

بدورها، قالت المديرة القطرية للمنظمة في سوريا رشا محرز، إن سوريا تكافح أزمة تلوى أخرى، وأضافت: “لا توجد علامات على التعافي هنا حتى الآن. نحن بحاجة ماسة إلى المزيد من التمويل لتلبية احتياجات الأطفال. عاماً بعد عام، نرى الوضع الإنساني يتدهور إلى مستويات منخفضة جديدة”.

من جهة أخرى، واللافت في الأمر، أن العديد من النساء الحوامل في مدينة حلب شمالي سوريا، حرصن على تجنب تحديد موعد لإجراء عملية قيصرية اليوم الثلاثاء، حتى لا يتزامن مع الذكرى الأولى لزلزال شباط المدمر، كما انخفضت حجوزات قاعات الأفراح في المدينة إلى أدنى مستوياتها، بحسب صحيفة “الوطن” المحلية.

وقال أطباء توليد في حلب، إن بعض الحوامل رفضن إجراء عمليات قيصرية في “يوم الزلزال”، لتجنب أن يكون ميلاد أبنائهن في الذكرى السنوية للكارثة الإنسانية الأكبر منذ 200 عام.

مأساة كبيرة للسوريين

في المقابل، قالت الأمم المتحدة، إن كارثة الزلزال في سوريا لم تحطم حياة ملايين الأشخاص فحسب، بل فاقمت دمار البنية التحتية والاقتصاد في البلاد، اللذين كانا مدمرين بالفعل بعد 12 عاماً من الصراع.

وجاء ذلك في بيان مشترك لمنسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، والمنسق الإقليمي للأزمة السورية، مهند هادي، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للزلزال، التي تصادف اليوم الثلاثاء.

ووفق البيان الأممي، فإن زلزل شباط 2023 كانت “بمثابة نداء عنيف للاستيقاظ على حقيقة أن الأزمة في سوريا لا يمكن الدفاع عن استمرارها، وإشارة واضحة إلى أن التعافي المبكر يجب أن يصبح ضرورة حتمية”.

وشدد البيان على أن 16.7 مليون شخص في سوريا يحتاجون حالياً إلى “مساعدات إنسانية”، وسط توقعات التمويل القاتمة والصراعات المستعرة في جميع أنحاء العالم، مؤكداً ضرورة “عكس هذا الاتجاه على وجه السرعة”.

في المقابل، قدَّر “البنك الدولي”، بحسب وكالة “أسوشيتد برس“، حجم خسائر الزلزال الذي ضرب شمال سوريا بأكثر من خمسة مليارات دولار. وما يزيد من المأساة في شمال غربي سوريا أن معظم السكان البالغ عددهم 4.5 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتمرير حياتهم المعيشية، فيما يحتاج نحو 800 ألف شخص يعيشون في الخيام إلى سكن تُؤويهم.

والمحزن وسط كل ذلك، أن حجم المساعدات الدولية انخفض بشكل كبير، نتيجة لجائحة كوفيد-19، ومن ثم الحروب والأزمات التي اندلعت في دول ومناطق أخرى.

وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي قدر بأن أكثر من 12 مليون سوري يفتقرون إلى مصدر غذائي منتظم، أعلن في كانون الأول/ ديسمبر الماضي عزمه وقف برنامج المساعدات الأساسية في سوريا خلال عام 2024.

وحول ذلك، قالت تانيا إيفانس، المديرة الإقليمية في سوريا للجنة الإنقاذ الدولية بأن الاحتياجات على كلا جانبي خط الجبهة في سوريا لم تكن أعلى مما هي عليه اليوم، وشددت على أن “العائلات تواجه حالة تضخم متفشية مترافقة مع فقدان الوظائف، ولهذا يتعين عليهم اتخاذ قرارات مؤلمة بالنسبة لما سيقدمونه من طعام على الوجبات، أو إمضاء اليوم وهم جائعون”.

ولم تحصل الأمم المتحدة إلا على 37 بالمئة من مبلغ 5.3 مليار دولار الذي تحتاجه للاستجابة الإنسانية في سوريا في عام 2023، وقال ديفيد كاردن، نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية في الأمم المتحدة، إن هذا التمويل هو الأدنى منذ بدء الصراع. ومع غياب حلّ سياسي شامل في سوريا، أصبح النزاع عقبة رئيسية أمام المنظمات الإنسانية.

معدلات الاستجابة “ضعيفة”

في المقابل، قال تقرير لفريق “منسقو استجابة سوريا”، مساء الاثنين، إن نسبة الاستجابة الإنسانية في المنطقة لم تتجاوز 50 بالمئة، مؤكداً على أنه رغم مرور عام على الزلزال إلا نسبة الاستجابة الإنسانية منذ الكارثة بلغت 47.18 بالمئة لكل القطاعات الإنسانية، في حين وصلت نسبة الاستجابة الإنسانية للمتضررين من الزلزال إلى 53.73 بالمئة.

ما يزال أكثر من 51 ألفاً و931 نسمة من المتضررين داخل مراكز الإيواء والمخيمات- “أ ف ب”

وكانت الأمم المتحدة وجهت نداء لجمع نحو 400 مليون دولار أميركي، للاستجابة إلى الزلزال في شمال غربي سوريا لمختلف القطاعات الإنسانية.

وبلغ عدد الشاحنات والقوافل الإنسانية الواردة عبر المعابر الحدودية منذ حدوث الزلزال في المنطقة 8843 شاحنة، تشكل المساعدات الأممية منها 56.35 بالمئة، أي ما يعادل 4983 شاحنة فقط، وفق ما نقله وسائل الإعلام عن المنظمة المدنية.

فيما بلغ عدد النازحين 48 ألفاً و122 عائلة، بعدد أفراد 311 ألفاً و662 نسمة، يشكل الأطفال والنساء والحالات الخاصة 67 بالمئة منهم.

وما يزال أكثر من 51 ألفاً و931 نسمة من المتضررين داخل مراكز الإيواء والمخيمات، بسبب عدم قدرتهم على العودة إلى منازلهم من جراء الأضرار الكبيرة التي لحقت بها من جراء الزلزال.

كذلك، وثق التقرير مقتل 4256 مدنياً، وإصابة 11 ألفاً و774 آخرين، بينما ما يزال 67 شخصاً في عداد المفقودين، إضافة إلى نقل أكثر من 2240 جثماناً من مختلف المعابر الحدودية مع تركيا إلى الداخل السوري.

وتجاوز عدد ضحايا العاملين الإنسانيين والكوادر العاملة ضمن المؤسسات أكثر من 255 شخصاً، يشكل العاملون في المنظمات الإنسانية 59 بالمئة منهم.

أما الخسائر الاقتصادية، فقد بلغت نحو 1.95 مليار دولار أميركي، وتشمل القطاع العام، والقطاع الخاص، ومنشآت أخرى، في حين فُقد أكثر من 13 ألفاً و643 عائلةً مصادر دخلها نتيجة الزلزال الأخير الذي تعرضت له المنطقة، طبقاً لتقرير المنظمة الإنسانية.

منذ كارثة الزلزال ادعت حكومة دمشق أنها قدمت المساعدات للمتضررين، وأنها وزعت كافة المساعدات المقدمة من الدول المجاورة والخارجية على المتضررين، وهو ما شكك فيه المتضررون السوريون.

والأضرار ضمن المنشآت التعليمية، فقد تجاوز 433 مدرسة، وتراوحت الأضرار بين الجزئية والمتوسطة، والتهدم الجزئي. بينما ضمن منشآت القطاع الصحي تراوحت الأضرار في 73 منشأة بين الجزئية والمتوسطة، وفقاً للتقرير.

وبلغت الأضرار ضمن المخيمات أكثر من 136 وحدة سكنية، وتراوحت الأضرار بين الخفيف والمتوسط، وطال الضرر نحو 83 دور عبادة، إضافة إلى 13 خزان مياه عال، و94 منشأةً أخرى.

والمنشآت والمباني الخاصة، فبلغ عدد المباني المهدمة في أثناء الزلزال بشكل فوري 2171، ووصل عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم إلى 5344 مبنى، وهي أضرار جسيمة، ومبانٍ مطلوب هدمها بشكل مستعجل.

وتجاوز عدد المباني الآيلة للسقوط التي جرى هدمها بعد الزلزال 214 مبنى، بينما وصل عدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة إلى 14 ألفاً و844 مبنى (أضرار متوسطة)، أما المباني الآمنة التي تحتاج إلى صيانة بلغت أكثر من 23 ألفاً و738 مبنى (أضرار خفيفة).

ابتلاع المساعدات

في سياق متّصل، زعم محافظ اللاذقية عامر هلال، اليوم الثلاثاء، أن عدد المستفيدين من المساعدات لمتضرري زلزال شباط الماضي بلغ أكثر من 22 ألف أسرة، بمبلغ إجمالي وصل إلى نحو 70 مليار ليرة سورية، بمعدل ثلاثة ملايين ليرة لكل أسرة.

وتضرر أكثر من 980 ألف شخص (نحو 194 ألف أسرة) في محافظة اللاذقية بفعل كارثة الزلزال، وفق إحصائيات رسمية.

ومنذ كارثة الزلزال ادعت حكومة دمشق أنها قدمت المساعدات للمتضررين، وأنها وزعت كافة المساعدات المقدمة من الدول المجاورة والخارجية، فضلاً عن التبرعات الفردية من السوريين والمشاهير على المتضررين، وهو الأمر الذي شكك فيه نسبة كبيرة من السوريين المتضررين، كما وأعربوا عن شكوكهم بشأن فعّالية جهود دمشق في توزيع المساعدات، متسائلين: أين ذهبت المساعدات النقدية التي كان من المفترض توزيعها على ضحايا الزلزال؟

وما يدعم هذا الكلام هو تحذير الخبراء في الصراع السوري وعمال الإغاثة من سجل حكومة دمشق الحافل بالفساد.

وذكر آرون لوند وهو خبير بالشأن السوري وعضو في مؤسسة سينشري، في وقتٍ سابق بأن: “الحكومة السورية استغلت تدفق المساعدات إلى سوريا وتلاعبت بها غير مرة في السابق، ثم إن نسبة من المساعدات لابد أن تذهب سدى بسبب الفساد”.

توزيع مواد الإغاثة على العائلات التي تقيم في مسجد في حي سليمان الحلبي في حلب، سوريا، في 8 فبراير 2023.
UNHCR/Hameed Maarouf ©

كما وقال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، حول ذلك إن هناك مواطنين يتهمون مسؤولين بحكومة دمشق بسرقة المواد الإغاثية وإهانة المتضررين في اللاذقية.

وأوضح المرصد السوري في تقرير سابق أن “الأجهزة الأمنية التابعة لدمشق اعتقلت مواطن على خلفية انتقاده للسلطات السورية في شريط مصور، وضح خلاله إجبار موزعي المساعدات الإغاثية بالحصول على موافقة أمنية، ليتمكنوا من توزيع المساعدات على المتضررين من الزلزال المدمر الذي ضرب المناطق السورية، منتقداً الأعمال اللاإنسانية وسرقة المواد الإغاثية من قبل حكومة دمشق”.

وتحدث وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السوري الأسبق، عمرو سالم، عن “توجه دوريات إلى بلدة سطامو ليتبين قيام 2 من المخاتير بتوزيع المساعدات الإغاثية على أقربائهم وعلى إثرها تم حل الإشكال وتوزيع المساعدات على المتضررين”، وفقاً للمرصد.

في العموم، فإن تداعيات زلزال شباط الماضي ستمتد لسنوات عديدة أخرى، وهو ما يتوقع الخبراء أن يكون كارثياً وطويل الأمد. وبالنظر إلى وجود التضخم وزيادة معدلات الفقر في سوريا، فضلاً عن تقلص حجم المساعدات الدولية المقدمة لسوريا، فإن الوضع سيزداد سوءاً في الوقت الحاضر وفي المستقبل القريب، وبالتالي تدهور الوضع بشكل عام وفي عموم البلاد، وليس فقط على المتضررين من الزلزال، وجزء من هذه التوقعات يحدث تدريجياً في الواقع السوري القاتم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات