بعد اختتام اجتماع جدة، منتصف نيسان/أبريل الماضي، دون إجماع على عودة دمشق إلى “جامعة الدول العربية”، بين دول “مجلس التعاون الخليجي” وشاركت فيه أيضا مصر والعراق والأردن، ثمة تساؤلات عديدة تثار حول اجتماع جديد حول الملف السوري بمشاركة وزراء خارجية سوريا والأردن والسعودية والعراق ومصر. وهذا اللقاء الجديد انطلق ظهر اليوم الإثنين في العاصمة الأردنية، عمّان، تحت مسمى “اجتماع عمّان التشاوري” بهدف البناء على اتصالات عربية مع الحكومة السورية وفي سياق طروحاتها، والمبادرة الأردنية للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية ومسألة عودة دمشق إلى “الجامعة العربية”.

هذه التساؤلات تدور حول الهدف من هذا الاجتماع الرباعي، وخاصة أنه انعقد في الأردن، وعلاقة هذا الاجتماع بالمبادرة الأردنية التي جرت في آذار/مارس الماضي في عمّان وبالتنسيق مع “الأمم المتحدة”، بقيادة المبعوث الأممي الخاص لسوريا، غير بيدرسن، من أجل إيجاد حل للملف السوري. إضافة لتساؤلات أخرى حول فيما إذا كانت هناك علاقة بين المبادرة الأردنية السابقة واجتماع اليوم من حيث الشروط والخلافات المحتملة بين الدول العربية حول عودة دمشق إلى “الجامعة العربية” وتوقعات هذا الاجتماع الرباعي بشأن ما إذا كان سينهي غياب الإجماع على عودة دمشق إلى الحضن العربي.

هدف اجتماع الأردن الرباعي

نحو ذلك، بدأت في العاصمة الأردنية، اليوم الإثنين، أعمال “اجتماع عمّان التشاوري” الذي يستضيفه الأردن بمشاركة وزراء خارجية كل من سوريا والأردن والسعودية والعراق ومصر. وقبيل انطلاق الاجتماع، الذي عُقد في أحد فنادق العاصمة وسط إجراءات أمنية مشددة، التقى وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي نظيره السوري فيصل المقداد، وفق ما أفاد مراسل “وكالة الصحافة الفرنسية”.

اجتماع عمّان التشاوري يبدأ أعماله “بترا”

الصفدي بحث مع المقداد الجهود المبذولة لإطلاق دور عربي قيادي للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية بناءً على المبادرة الأردنية والطروحات العربية الأخرى، كما بحث الوزيران العديد من القضايا الثنائية كأمن الحدود ومكافحة تهريب المخدرات والمياه واللاجئين، حسبما أوردته “وكالة الأنباء الأردنية” (بترا).

هذا وتعد هذه الزيارة الرسمية الأولى لوزير خارجية سوريا إلى الأردن منذ اندلاع النزاع في بلاده عام 2011. واستقبل الصفدي وزراء خارجية كل من مصر سامح شكري والسعودية الأمير فيصل بن فرحان والعراق فؤاد حسين قبل دخول قاعة الاجتماع التشاوري المغلق.

الصفدي كان قد زار دمشق للمرة الأولى منذ 2011، بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب شمال سوريا في شباط/فبراير الماضي، والتقى بالرئيس السوري بشار الأسد والمقداد في ذلك الوقت.

الأكاديمي والكاتب السياسي والأستاذ بجامعة “جورج واشنطن” بأميركا، رضوان زيادة، يرى أن الاجتماع يهدف إلى “تنسيق المواقف العربية لعودة مقعد سوريا إلى بشار الأسد، بعد معارضة الأردن مع قطر والكويت في هذه الخطوة”.

قد يهمك: وزير الخارجية السعودي في دمشق.. زيارة صادمة بأهداف ونتائج غير متوقعة؟

زيادة يقول لموقع “الحل نت”، إن الأردن قدم ورقة مرجعية ولا يرى عمّان أن الدول الأخرى مثل الإمارات والسعودية احترمت هذه الخطوة، ويبدو أنهما متسرعان باتجاه التطبيع مع دمشق. كما وفي تقدير زيادة فإنه لن يكون هناك تغيرا في الموقف القطري أو الكويتي، ولذلك لا يعتقد أن “اجتماع عمّان التشاوري” بخصوص الملف السوري سيفلح في تغيير موقف هذين الدولتين، سيما أن الأسد لم يقدم شيئا بالمقابل، بل يريد اعتذارا من “الجامعة العربية” كما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز”.

من جهته يرى الصحفي السوري زياد الريس، أن الهدف من الاجتماع الرباعي في الأردن هو المسار العربي الذي انطلق من أجل عودة، أو يمكن القول، تمكين وتقوية مؤسسات الدولة السورية لتقزيم وإضعاف الميليشيات التي تسيطر على سوريا اليوم. لذلك فإن “الموضوع لا يتعلق بديمومة النظام السوري، بل يتعلق بالتعاون مع سوريا كدولة تضم حوالي 17 مليون مواطن يقيمون تحت سيطرته فقط والميليشيات الموالية له، من حزب الله اللبناني أو غيره من الميليشيات الإيرانية”.

بالتالي، فإن هذا المسار العربي واضح تماما ويريد الوصول إلى نقطة تضمن عودة سوريا إلى كونها دولة وليست “دولة ميليشيات” غير مترابطة ومفككة، على حدّ تقدير الريس لموقع “الحل نت”. ويرى الريس أن هذا هو الهدف الرئيسي لاجتماع اليوم في عمّان الذي يبحث أيضا في آلية الخطوات التي حددتها الدول العربية، وهذا الاجتماع مستمد من المبادرة الأولى التي أطلقها الأردن بما تسمى “خطوة بخطوة” لبناء خريطة متكاملة تربط سوريا بحل يرضي جميع الأطراف ويضمن على أقل تقدير كرامة المواطن السوري سواء في الداخل السوري أو النازحين في الخارج.

مشتق من المبادرة الأردنية

خلال شهر آذار/مارس الماضي، قاد الأردن مبادرة دبلوماسية على قاعدة “خطوة بخطوة” لإيجاد مخرج للأزمة في سوريا وبضوء أخضر عربي، وفق ما تحدث عنه الصفدي آنذاك، وبهدف إعادة دمشق إلى الحضن العربي، إذ يعد الأردن من أكبر المتضررين اقتصاديا وأمنيا من الوضع في سوريا.

صحيح الأردن لم يفصح كثيرا عن تفاصيل مبادرته للحل في سوريا، إلا أن الصفدي قال حينها إن عمّان تنسق مع “الأمم المتحدة”، من أجل إطلاعها على مضمون المبادرة العربية لإيجاد حل الملف السوري. والمبادرة تستهدف إطلاق جهود عربية للانخراط مع الحكومة السورية في حوار سياسي يهدف لحل الأزمة ومعالجة تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية.

الأردن انطلقت في مبادرته من إطار أن تبعات الأزمة السورية أثرت وتؤثر في دول الجوار والمحيط العربي أكثر مما أثرت في الدول الأخرى، ولذلك ينبغي أن يكون الحل عربيا. ومما لا شك فيه أن الأردن من أكثر الدول العربية معنيا بالحل في سوريا على اعتباره البلد الذي يربط بسوريا بأطول حدود مشتركة، كما أن أي حل سياسي من شأنه أن يوقف تداعيات هذه الحرب عليه، كعمليات تهريب المخدرات وموجة اللجوء السوري، فضلا عن التهديد الأمني الذي تمثله الميليشيات الإيرانية في جنوب البلاد.

بالعودة إلى الريس، فإنه يعتقد أن اللقاء العربي اليوم مشتق من المبادرة الأردنية التي طرحت في آذار/مارس الماضي، وبالتالي فهو نفس المسار. ويبدو أن الدول العربية رأت أن المبادرة الأردنية “خطوة بخطوة” جيدة وتكفل على أقل تقدير حالة السلام بالمنطقة، خاصة إذا ما تجاوبت دمشق لها بالفعل من حيث الحد من نفوذ الميليشيات الإيرانية التي تهرب المخدرات وما إلى ذلك، وبالتالي هذه المبادرة تعتبر الأنسب حقيقة في ظل تخفف المجتمع الدولي من التزاماته تجاه الملف السوري.

“حل مؤقت تمهيدا لحل دائم”؟

بعض التقارير ومنها “بترا” تقول إن “اجتماع عمّان التشاوري” يأتي استكمالا للاجتماع التشاوري لدول “مجلس التعاون لدول الخليج العربي” والأردن والعراق ومصر، الذي استضافته الرياض في جدة يوم 14 نيسان/أبريل الماضي، وللبناء على الاتصالات التي قامت بها هذه الدول مع الحكومة السورية وفي سياق طروحاتها. واتفق الوزراء العرب المشاركون في اجتماع جدة على أهمّية تأدية دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة في سوريا.

وزير الخارجية الأردني يلتقي نظيره السوري “بترا”

معظم الآراء والتكهنات حينها كانت ترجح بأنه سيكون هذا الاجتماع نقطة محورية بخصوص عودة حكومة دمشق للحضن العربي، ورغم ذلك بقيت بعض الدول العربية على مواقفها الرافضة، فقد فضلت بعضها الوقوف ورسم مسافة يحكمها الحذر والثقة بمدى جدّية دمشق وامتثالها للشروط العربية من أجل التوصل إلى صيغة ما ترضي جميع الأطراف السورية، وكف يد بعض الأطراف التي تزعزع استقرار وأمن المنطقة.

لذلك، خرج اجتماع جدة دون الاتفاق على عودة دمشق إلى “الجامعة العربية”. والدول التي رفضت هذه العودة حتى الآن هي قطر تليها المغرب والكويت. حيث قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، مؤخرا، إن خمس دول على الأقل تقاوم الجهود السعودية لإعادة دمشق إلى الجامعة، ولفتت الانتباه إلى موقف مصر التي على الرغم من أنها أحيت العلاقات مع سوريا في الأشهر الأخيرة، لكنها ترفض هذه العودة دون عمل دمشق في إطار الحل السياسي الشامل بما يرضي جميع السوريين.

قد يهمك: “ابهام وغموض”.. ماذا وراء عدم الإجماع على إعادة سوريا لـ”لجامعة العربية” بعد اجتماع جدة؟

الدول العربية بالطبع تتأثر باستمرار الوضع السوري على ما هو عليه، وبالتالي فإن البحث عن حلول عربية هو الحل نفسه الذي يرضي شريحة كبيرة من السوريين في البلاد، ولا يرى الريس أن ثمة خلافات بين الدول العربية فيما يتعلق بعودة دمشق إلى الحضن العربي بقدر ما هو البحث عن ضمانات حقيقة.

لذلك لا بد من إجراء مشاورات ولقاءات عدة لضمان وجود ضمانات حقيقية من قبل الحكومة السورية، من حيث قدرتها على ضبط عمليات وأنشطة تصنيع وتهريب المخدرات وعدم الإضرار بالسوريين في حال رغبة بعضهم بالعودة إلى البلاد، بالإضافة إلى مدى قدرتها على التراجع والحد من نفوذ الميليشيات الإيرانية المتفلتة هناك، وعندما يتحقق ذلك سيكون هناك إجماعا على عودة دمشق للجامعة، وهذا ما يستدعي عقد جملة من المشاورات واستدعاء الأطراف من مؤسسات الدولة السورية، وفق مع يحلله الريس.

إن التعامل مع مؤسسات الدولة يختلف تماما عن كلمة “النظام كحكم”، وبالتالي فإن تمكين هذه المؤسسات السورية سيضمن على الأقل تحقيق حالة الاستقرار المؤقت ريثما يكون هناك الاستقرار الدائم المرتبط بالتغير السياسي أو الحل السياسي الشامل في سوريا وإعادة شكل وبناء الدولة ومؤسساتها لتكون هي الحاكم الفعلي وليس الميليشيات أو الحزب، على حد وصف الريس.

إجمالا لا يمكن الجزم بأن يكتب لهذه التشاورات العربية النجاح في وقت وجيز، لعوامل عدة منها رفض قطر والكويت إعادة سوريا إلى الحضن العربي، لأنهما متمسكان بحقيقة أن يكون التطبيع لا يخرج عن فحوى قرار “مجلس الأمن الدولي” رقم “2254”.

هذا فضلا عن المطلب الخليجي بإنهاء ملف التمدد الإيراني وتقليص نفوذهم وهو عكس ما يحدث على أرض الواقع من تحرك دبلوماسي إيراني كبير في سوريا وعلى رأسها زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي إلى دمشق بعد تعيين سفير فوق العادة، وربما هنا نقطة الصدام، لكون دمشق نفسها لا تمتلك القدرة على تقليص النفوذ الإيراني، ونتائج اجتماع اليوم كله متوقف على أجوبة دمشق على المقترحات والشروط العربية. كذلك، عدم إبداء واشنطن و”الاتحاد الأوروبي” عن أي موقف إيجابي حتى اللحظة تجاه المسار العربي أو إعادة تأهيل الأسد، لا يمكن تجاهله في إطار مدى نجاح المسار العربي هذا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات