الكتلة المحافظة في تركيا التي تعد الشريحة المجتمعية الكبرى بين مختلف مكونات الشعب التركي يمكن أن تلعب دورا مفصليا في الانتخابات  الرئاسية والبرلمانية المقرّرة الأحد المقبل، في 14 أيار/مايو الحالي. 

نسبة الكتلة المحافظة في تركيا تقارب 45 بالمئة ما يجعل الحكومة والمعارضة تسيران في نفس الاتجاه نحو استقطاب دعم هذه الكتلة بمختلف توجهاتها، القومية والإسلامية والكردية. 

الصحفي المختص بالشأن التركي محمد طاهر أوغلو لا يتفق مع الفرضية التي تؤكد أن كتلة المحافظين هي المفتاح الوحيد للفوز بانتخابات الرئاسة التركية؛ بل تشكل أحد مفاتيح الفوز وجزءا من المعادلة الشاملة المكونة من عناصر عديدة في الانتخابات. 

الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وفقا لحديث طاهر أوغلو لـ”الحل نت” هو الأكثر حظا في استقطاب الكتلة المحافظة لأسباب عديدة؛ منها أن حزب العدالة والتنمية تمكن خلال الـ20 سنة الماضية من وضع بصماته بما يخص هذه الكتلة ومطالبها مثل رفع حظر ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية، إعادة افتتاح مسجد آيا صوفيا الذي يشكل رمزية كبيرة لمعظم أبناء الشريحة المحافظة، ويضاف إلى ذلك بأن الفكر الأيديولوجي لحزب العدالة والتنمية قريب جدا من تطلعات المحافظين. 

بالنسبة لطرف المعارضة هناك أحزاب محسوبة على الكتلة المحافظة مثل حزب السعادة، المستقبل، حزب الديمقراطية والتقدم. لكن طاهر أوغلو يرجح أن معظم المحافظين غير متأثرين بخطابات هذه الأحزاب بل هناك عدد كبير من أعضاء حزب السعادة غيروا موقفهم وأيدوا أردوغان بسبب تحالف أحزاب المعارضة مع “حزب الشعب” الجمهوري الذي يحمل انطباعات سلبية في ذاكرة المحافظين. 

فكرة نزول أردوغان إلى الميدان وفوز “العدالة والتنمية” في الانتخابات، بقيت مسيطرة منذ انتخابات 7 حزيران/يونيو 2015 التي خسر فيها الحزب أغلبيته للمرة الأولى، ورسّخت ممارسة اللامسؤولية في تنظيمات الحزب.  

كليجدار أوغلو سيحصل على نسبة كبيرة من أصوات المحافظين الذين كانوا يصوتون تقليديا للعدالة والتنمية، وذلك بفضل تشكيل تحالف “الأمة” الذي ضم أحزابا مثل “الديمقراطية والتقدم” و”المستقبل” و”السعادة” و”الجيد”، وهي أحزاب لها قاعدة كبيرة بين المحافظين، وفقا لصحيفة “الشرق الأوسط”.

 الطبقة العاملة

الطبقة العاملة التركية تميل إلى الأحزاب المحافظة بما في ذلك العدالة والتنمية، نظرا لتشكلها من خلال القيم المحافظة لأصولها الريفية ودفاع الأحزاب اليمينية عن ثقافتهم الدينية، ورغم اتساع التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بشكل كبير من الطبقات خلال عهد أردوغان إذ أظهر تقرير عدم المساواة العالمي لعام 2022 ازدياد عدم المساواة في الثروة خلال العقدين الماضيين بحيث يمتلك 50 بالمئة من الشعب (الطبقات الدنيا) 4 بالمئة فقط من الثروة الوطنية، و40 بالمئة (الطبقة الوسطى) 29 بالمئة من الثروة، بينما يسيطر 10 بالمئة الأثرياء على 67 بالمئة من الثروة، كذلك قُيدت الأنشطة النقابية بشكل كبير خلال عهد أردوغان (14 بالمئة من القوى العاملة ينتمون للنقابات نزولًا من 58 بالمئة عام 2002). ورغم ذلك يحتفظ حزب “العدالة والتنمية” بتأييد الطبقات الدنيا عبر استقطابها بالخطاب الديني المحافظ وتوفير الخدمات الصحية والسكانية الرخيصة لها، بحسب دراسة صادرة عن “المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية”.
 

ولاجتذاب الطبقة العاملة يحتاج كليجدار أوغلو إلى تقديم وعود بالارتقاء الاجتماعي والاقتصادي للطبقات الدنيا، وهو ما لم يحدث بشكل كافي لأسباب أولها تأثر الحزب بتحولات الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية لتصبح أحزابا  للطبقات الوسطى والعليا وتبني سياسات اقتصادية يمينية. وثانيها وجود فجوة ثقافية بين قاعدته العلمانية من الطبقة الوسطى والطبقة العاملة المحافظة دينيا. وثالثها تجاهل كليجدار أوغلو مسألة الحقوق العمالية وإعادة التوزيع الاقتصادي للثروة لتجنب إغضاب الأحزاب اليمينية ضمن تحالف الطاولة السداسية ومن ثم ضمان تماسكه.

 التيار الإسلامي الكردي

هناك شريحة واسعة من المحافظين الأكراد يمكن أن تلعب دورا مهما في الانتخابات على غرار ما جرى في العام 2018 حيث دعم حزب “الهدى بار” الكردي الإسلامي الرئيس أردوغان في الانتخابات. 

وفي الانتخابات الحالية، يسعى أردوغان لضمان استقطاب أصوات الناخبين الأكراد المحافظين والإسلاميين المناهضين لحزب العمال الكردستاني، خاصة أن حزب “الهدى بار” يعتبر الذراع السياسي لـ “حزب الله” التركي المعروف بعداءه التاريخي مع أعضاء حزب العمال الكردستاني. 

لكن يظل الجدير بالإشارة إليه هنا، أن التحالف مع التيار الكردي المُتمثل في حزب “الشعوب الديمقراطي” أو في حزب “الهدى بار” لكسب أصوات الناخب الكردي سواء بالنسبة لـ “تحالف الأمة” أو “تحالف الشعب” قد يؤدي في الوقت ذاته إلى خسارة جزء من أصوات التيار القومي المناهض للأكراد، وفقا لدراسة صادرة عن “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

السيدات المحافظات

شكلت السيدات المحافظات أحد الركائز الأساسية للقاعدة التصويتية لحزب العدالة والتنمية، لكن يبدو أن ميولهن التصويتية تغيرت شيئا فشيئا منذ عام 2018 وبشكل أكثر حدة عقب 2020 نتيجة للعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ ويشمل ذلك موقف حزب العدالة والتنمية من حقوق المرأة لاسيمَّا فيما يتعلق بالعنف المنزلي والزواج المبكر، وعدم موافقة النساء على آراء الحزب حول الأسرة والأمومة واعتقادهن أن الهيكل الأبوي للحزب استطاع استغلالهن دون السماح لهن بالمشاركة في عملية صنع القرار.

فضلا عن تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الرفاه الجديد، الذي كان من أشد المدافعين عن انسحاب أردوغان من اتفاقية اسطنبول، وهي اتفاقية لعموم أوروبا تحث الموقعين عليها على مراقبة ومنع ومعاقبة العنف الأسري ضد المرأة، كذلك أفادت تسريبات بأن الحزب حث العدالة والتنمية أيضا على تغيير المادة 6284 التي تنص على حماية النساء من العنف، بحسب دراسة صادرة عن “المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية”.


الكتلة المحافظة لها مطالب واضحة وثابتة الحفاظ على وحدة تركيا وقوتها واستقلاليتها وعدم السماح بإنشاء كيان كردي ضمن الدولة التركية أو في جزء من أراضيها، الحفاظ على وحدة الأسرة وعدم السماح لمنظمات المثليين التي تهدد كيان الأسرة التركية، الحرية الدينية، الحفاظ على مكتسبات الدولة التركية وتطويرها وعدم عرقلة المشاريع العملاقة كالصناعات الدفاعية ومشاريع الطاقة ومطالب أخرى تشترك مع باقي التوجهات والكتل من تحسين الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة وتخفيض التضخم وما الى ذلك. 

الخبير بالشأن التركي عبد الله سليمان أوغلو يشير لـ”الحل نت” إلى أن عدد الكتلة المحافظة زاد خلال فترة حكم العدالة والتنمية لكن في المقابل استحوذت الحركات اليسارية على كتلة لا يستهان بها بعد تحالف الأمة الذي يضم إلى جانب اليساريين القوميين واليمنيين المحافظين والإسلاميين. فكلا التحالفين الرئيسين الشعب والأمة يضمان بين ثناياهما خليطا من المحافظين اليمينيين واليساريين وإن كان تحالف الشعب يضم في غالبيته المحافظين القوميين والإسلاميين ما عدا الحزب الديمقراطي اليساري. 

غالبية الأصوات المحافظة الاسلامية حسب استطلاعات الرأي ستصوت للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بينما سيتقسم المحافظين القوميين إلى قسمين؛ ربما الأكثرية ستصوت لمرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو لأن الاستطلاعات الرأي تظهر بأن أصوات الحزب الجيد في تحالف الأمة تتقدم على أصوات الحركة القومية والوحدة الكبير في تحالف الشعب. 

“حزب الشعب” والمحافظون

رئيس “حزب الشعب” كمال كليجدار أوغلو، حاول كسب الكتلة المحافظة منذ العام 2022 عند اعتذاره من المحجبات والمتدينين عموما على أخطاء الماضي ضد مظاهر التدين.  “حزب الشعب” أيضا قام بترشيح نائبة برلمانية محجبة في الانتخابات الحالية إضافة لنشاطات عديدة مغايرة لما كان عليه الحزب في الماضي مثل دخول المساجد وإظهار معالم الدين من خلال الحملات الدعائية الانتخابية. 

الصحفي عبد الله سليمان أوغلو يوضح أن “حزب الشعب” الجمهوري حاول تغيير خطابه خلال السنوات الأخيرة محاولا التقرب من الكتلة المحافظة وكسب أصواتها لكن إلى أي مدى يمكن أن ينجح ذلك ويتم تجاوز العداء التاريخي بين حزبه وبين الكتلة المحافظة التي أعدمت عدنان مندريس وأغلقت العديد من الأحزاب الاسلامية على رأسها الرفاه والفضيلة. 

قراءة انحياز الكتلة المحافظة إلى هذا الطرف أو ذاك في الانتخابات التركية صعبة ومعقدة، بسبب تباين طلبات مجموعات هذه الكتلة فأفراد الطبقة الوسطى الإسلاميون يتخوفون من إغلاق الحرية الدينية، بينما جرى تقييد الأنشطة النقابية خلال السنوات الماضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات