المنظمات السورية العاملة في تركيا.. سوء في الإدارة وافتقاد لقوانين العمل المهني

المنظمات السورية العاملة في تركيا.. سوء في الإدارة وافتقاد لقوانين العمل المهني

إغاثة

 

اسطنبول ـ مي محمد

تشير التقديرات الحالية إلى بلوغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا مليون وسبعمئة ألف، لتكون بذلك تكون تركيا إحدى أكبر الدول المستضيفة للاجئين السوريين، وبشريطها الحدودي المشترك مع سوريا بطول 822 كم، تشكل تركيا المنفذ الوحيد للشمال السوري وعبر هذه الحدود تتم أكبر حركة عبور للمساعدات الإنسانية الموجهة إلى الداخل السوري، وبذلك فإن تركيا تشكل مركزاً رئيسياً للعمل الإنساني والإغاثي الموجه للسوريين، حيث تتمركز العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في الشأن السوري في محافظات غازي عنتاب وهاتاي وأضنة وأورفة، وبالإضافة إلى ذلك هناك العديد من المنظمات السورية التي تم إنشاؤها نتيجة لخطورة الأوضاع في الشمال السوري وإحجام المنظمات الدولية عن إرسال كوادرها إلى الداخل السوري.

يبلغ عدد هذه المنظمات السورية الإنسانية تقديرياً – لصعوبة الحصول على أرقام رسمية – ما بين 150-200 منظمة تتوزع في مناطق مختلفة من تركيا، وتتركز بشكل كبير في مدينة غازي عنتاب، بعض هذه المنظمات تعمل منذ ما يقارب ثلاث سنوات، وتقوم بنشاط فعّال وملحوظ في العمل الإنساني سواء في الداخل السوري أو في تركيا، وتعتمد هذه المنظمات على اليد العاملة السورية مما خلق فرص عمل كثيرة للسوريين النازحين إلى تركيا، وجعل للأزمة السورية هويةً مختلفةً عن غيرها من الأزمات الإنسانية، حيث ينخرط السوريون أنفسهم في أزمتهم من خلال منظماتهم الخاصة، ومن خلال حضورهم ضمن المنظمات الدولية أيضاً.

ولكن على الرغم من الصورة التي توصف بـ”البراقة” والتي تحملها المنظمات السورية، فإن الكثير منها و على الرغم من عملها لمدة تقارب ثلاث سنوات، لا تزال حتى اللحظة تعاني من الكثير من المشاكل الإدارية، والقصور في تأمين الحقوق الدنيا للعاملين لديها، وذلك وفقاً للاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، أو وفقاً لقانون العمل التركي (البلد المضيف).

سوريون في منظمات سورية

يرى م. ملهم الجندي مدير البرامج في منظمة هيومن أبيل وأحد مؤسسي إحدى المنظمات السورية، أن العديد من المؤسسات السورية “تعمل بشكل غير قانوني ولا تمتلك تسجيلاً”، فعلى الرغم من “التسهيلات” المقدمة من الحكومة التركية هنالك عقبة النفقات الأولية اللازمة للتسجيل وحاجة هذه المؤسسات لتقديم تقارير للحكومة التركية عن أعمالها في حال تسجيلها ودفع الضرائب.

وبحسب الخبير فإن عدم التسجيل هذا قد يجعل المتبرعين “حذرين” من التبرع على الحسابات البنكية الشخصية، كما أن المؤسسات الدولية “لن تتعامل” مع أي منظمة غير مسجلة بشكل نظامي، أما فيما يتعلق بتأثير ذلك على الموظفين، فيرى الجندي أن عدم التسجيل يعطي المنظمة قدرةً على “التملص” من التزاماتها اتجاه موظفيها، حيث تستطيع التهرب من مسؤولياتها المالية والإخلال بالعقود الموقعة معهم، وعدم حصولهم على أي تأمين صحي، ولا يختلف الوضع كثيراً مع المنظمات السورية المسجلة والتي أيضاً “تتهرب” من إعطاء موظفيها عقود عمل نظامية مسجلة وتأمينهم، وذلك للتهرب من دفع الضرائب للحكومة التركية أو توظيف أتراك ضمن المؤسسة.

ويقول محمد.أ إن نظرته للعمل الإنساني اختلفت كثيراً منذ قدومه إلى تركيا قبل عامين، فمع انخراطه في العمل ضمن أجواء المنظمات العاملة بالشأن الإنساني وجد أن العديد من المنظمات السورية أصبح هدفها الأول هو “الحصول على الدعم المالي والتبرعات بأي ثمن”، في حين أن بعضها الآخر “يحاول الظهور بمظهر معيّن أمام الرأي العام السوري من أجل القدرة على التأثير بالقرار السياسي لاحقاً، ولا يبدو أبداً أن العمل الإنساني الهدف منه هو الإنسان وخاصة مع ظروف العمل السيئة التي يعاني منها السوريين في هذه المنظمات، من انعدام الشفافية، وطول ساعات العمل، والتمييز في بيئة العمل والتعامل بأسلوب (المنية)”.

بعد تغيير عمار.ك عمله مرتين خلال سنة وحدة، وتنقله ضمن مؤسستين سوريتين، وجد أنه “لا يمكن الثقة بحيادية أية منظمة سورية أو حتى موضوعيتها، فمعظم هذه المنظمات وعلى الرغم من أن عملها في المجال الإنساني يقتضي الحيادية، إلا أنها ذات توجه سياسي واضح حيث يتم سؤالك بكل وضوح (أنت من جماعة مين؟)”.

ويترافق ذلك مع “دور كبير” للعلاقات الشخصية ضمن بيئة العمل، إذ لا تزال الواسطة هي الحاكمة لسوق العمل ضمن هذه المنظمات، والكفاءة هي العنصر الأضعف، وهو ما يؤدي إلى شغل بعض الأشخاص غير المناسبين لمواقع إدارية هامة، وهذا ما “يقودنا إلى المعاناة من إدارة سيئة تدير العمل وفق عقلية (الحجي)”، وهذا أيضاً ما خلق حالة استغلال من الناحية المادية تتمثل بتشغيل الموظف فترات طويلة دون إعطائه أية تعويض عن ساعات العمل الإضافية، ودون حصوله على حق التأمين، أو مراعاة “الخصوصية العاطفية” للموظف السوري العامل بحقل العمل الإنساني (الاحتراق الوظيفي).

وتطرح علا.ن بعداً آخر لأزمة العمل مع المنظمات السورية، من خلال “إنهاء عقد عملها مع إحدى المؤسسات بعد العمل لمدة سنتين لديها، بسبب اقتراب موعد ولادتها ورفض منحها إجازة أمومة” وتقول علا.. “خلال فترة عملي معهم قمت بالتعاون مع 15 متطوعٍ بدراسة وتنفيذ فكرة مركز ثقافي للأطفال، وخلال هذه الفترة تم إعطاء وعود كثيرة للمتطوعين بتوظيفهم وتأمين رواتب ثابتة لهم، وبناء على ذلك فإن المتطوعين كانوا يعملون بدوام كامل وبمنتهى الالتزام، ولكن المنظمة لم تفِ بوعدها، وقامت باستبدال كامل الكادر من ضمنهم أنا بموظفين جدد”

استغلال الأزمة الإنسانية

الكثير من المنظمات السورية مرخصة خارج تركيا، في بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية مثلا ً، وبعضها مرخص ضمن تركيا، إلا أن جزءاً كبيراً منها لا يزال يعمل دون ترخيص، وبالعودة إلى قوانين ترخيص المؤسسات في تركيا وجدنا أن الحكومة التركية تسمح بتسجيل المنظمات غير الربحية من قبل الأجانب، دون أن يستدعي ذلك وجود رأس مال، ويتطلب ذلك وجود سبعة مؤسسين يقيم معظمهم في تركيا/ ويتم التسجيل في وزارة الإدارة الداخلية للجمعيات Ministry of Interior Department of Associations.

ويتوجب على جميع المنظمات العاملة على الأراضي التركية سواء كانت مسجلة ضمن تركيا أو خارجها رفع تقارير سنوية للوزارة نفسها، بالإضافة إلى تقارير سنوية لوزارة المالية في حال وجود نشاط اقتصادي خاص بها، أما فيما يتعلق بموضوع الضرائب فلا توجد ضرائب مستحقة على الدخول أو التبرعات الواردة لهذه المنظمات، وتقتصر الضرائب فقط على العقارات المملوكة، كما تلزم جميع المنظمات العاملة في تركيا بتوظيف نسبة من المواطنين الأتراك ضمن كادرها.

معظم المنظمات السورية تحجم عن تسجيل موظفيها ضمن عقود عمل نظامية، وذلك للتهرب من توظيف الأتراك ودفع الضرائب وتخفيض التكاليف، ولكن التبعات القانونية الناتجة عن ذلك تؤدي لحرمان عدد كبير من السوريين من حقوقهم في الحصول على إقامة عمل، حيث يمكن الحصول على الجنسية التركية في حال الحصول على إقامة عمل مستمرة لمدة خمس سنوات، ويجب الإشارة إلى أنه حتى المنظمات الدولية تتملص من حق السوريين العاملين لديها بالحصول على هذه الإقامة، والتي يمكن للمنظمات بدونها منح موظفيها تأميناً صحياً، ولكن لم نصل إلى أي حالة قامت فيها منظمة ما بتأمين موظفيها صحياً.

كما يرتفع عدد ساعات العمل للموظفين السوريين ضمن هذه المنظمات لتصل إلى 54 ساعة أسبوعياً، وهو ما يتعارض مع اتفاقية منظمة العمل الدولية المحددة لساعات العمل القصوى بـ 48 ساعةً أسبوعياً، ومعظم المنظمات السورية يوجد لديها يوم عطلة واحد فقط، ولا يتم تعويض الموظفين في أغلب الحالات عن ساعات العمل الإضافي، كما تنتشر حالات الطرد التعسفي مع افتقار العديد من هذه المنظمات لدليل موارد بشرية واضح، وقدرتها على التهرب من التزاماتها القانونية باعتبار أن عقودها مع موظفيها غير مسجلة أصولاً.

يبرر القصور الحاصل في عمل هذه المنظمات من قبل القائمين عليها بأنها تقوم بعمل إنساني “جبار” بمساعدتها للاجئين السوريين، وأنه من الطبيعي وجود بعض المشكلات في البدايات، ولكن في الواقع إن الأزمة السورية ستدخل عامها الخامس قريباً، ولا يوجد حتى اللحظة ملامح لأي حل، ومع عدم وجود أي نقابة أو شكل تنظيمي يحمي حقوق العمالة السورية ويمنع استغلالها، ومع عدم تسجيل الكثير من هذه المنظمات بشكل قانوني، أو تهربها من تسجيل موظفيها أصولاً، أصبحت هذه المنظمات خارج إطار المحاسبة من قبل أي جهة وفي كثير من الأحيان تتحول هذه المنظمات – العاملة بالشأن الإنساني- إلى منظمات تنتهك حقوق الإنسان ضمن بيئة العمل، وتحاول استغلاله إلى أقصى حد، كل ذلك يستدعي خلق آلية مراقبة سواء من الدولة التي يتم حصول هذه الانتهاكات على أرضها ممثلة الحكومة التركية، أو بالحكومة السورية المؤقتة.

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.