اكرا

دلير يوسف

ماذا يريد الكورد في سوريا؟ على الرغم من أنّه سؤال يبدو للناظر إليه بسيطاً وغير ذا قيمة في خضم الحرب الدائرة الآن في المنطقة، إلا أنّه يحمِل في طياته الكثير من التساؤلات المشروعة لغير الكورد ممن تكتنف الحالة الضبابية رؤاهم حول الموضوع الكوردي السوري، كما أنّه يحمل في طياته الكثير من التساؤلات للكورد أنفسهم.

تباينت ردود الفعل تجاه استلام القوى الكرديّة زمام المبادرة في المناطق ذات الأغلبيّة السكانيّة الكورديّة، فبعد تخليص عدد من المدن من أيدي عصابات الأسد وداعش بدأ الخوف (عند العرب، وآسف لذكر ذلك) من إعلان الكرد إقامة إقليم خاص بهم أسوة بإقليم كوردستان العراق أو حتى الانفصال وإقامة دولة خاصة بهم. وفي المقابل وُجدت بعض الآراء الموافقة على ما قام به الكورد، ولم يفصلوا ما قام به سكان تلك المناطق عن ما قامت به باقي مكونات الشعب السوري في باقي المناطق.

لكن حقاً ما الذي يريده الكورد؟

نشرت جريدة الحياة اللندنية في عددها الصادر يوم السبت 14 شباط 2015 مقالاً بعنوان “الأكراد يريدون >وحدة جغرافية<.. وفيدرالية” اعتمدت فيه الجريدة على نتائج الاجتماع الذي عُقد مؤخراً في مدينة القامشلي بين «حركة المجتمع الديموقراطي» و«المجلس الوطني الكردي» وكانت نتائج الاجتماع قد أسفرت عن أنّ “سوريا دولة اتحادية تعددية ديموقراطية برلمانية متعددة القوميات، ما يستوجب إعادة بناء الدولة وفق النظام الاتحادي الفيديرالي واعتبار الأكراد قومية ذات وحدة جغرافية سياسية متكاملة”.

في السياق نفسه فقد عبّر الكثير من الزعماء السياسين الكورد السوريين عن عدم نيتهم بالانفصال حتى وصل الأمر بأحدهم (عبد الحميد درويش) أن قال إنّ أيّ “مطالب انفصالية هي خيانة للشعب الكوردي”، بينما صرح صالح مسلم محمد، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD والذي يعتبره البعض الجناح السوري لحزب العمال الكوردستاني، في لقاءات عدّة بأنّ المنطقة تتجه إلى تشكيل نمط جديد من الدول تعتمد على اللامركزية السياسية وتحافظ بهذا على الحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية لكل شعوب المنطقة.

أما شعبياً فلا يخفى على المراقب أن يلاحظ رد الفعل القومي الشعبي من الاضطهاد التاريخي الذي مارسه الفكر العروبي على الكورد، إلا أنّ الهم الأول حالياً هو الاستقرار والعيش بأمان وسلام مع دفع الموت القادم من داعش والنظام بعيداً ومن ثمّ نلتفت إلى الحقوق الثقافية والسياسية ونناقش شكل الدولة، كما لا يخفى الدعم الشعبي واسع النطاق للحرب الكردية/ الإسلامية فتكاد لا تخلو عائلة كوردية من شهيد على الأقل في هذه المعارك الجارية في أطراف مدينة كوباني (بعد تحرير المدينة والحرب المشهورة التي جرت فيها) وفي أطراف محافظة الحسكة.

كما أنّ التعلم باللغة الكوردية وافتتاح مدارس وجامعات كوردية بالإضافة إلى عودة المسرح والشعر وباقي الفنون باللغة الكوردية مؤخراً هو حق لن يتهاون معه الكورد مجدداً مهما دفعوا من الأثمان ، كما أنّ الكورد لن يتنازلوا عن حقهم السياسي والاقتصادي في أراضيهم ويمكن اختصار جملة هذه الحقوق بعبارة “حق تقرير المصير”.

قد يكون واضحاً أن الكورد لم يتفقوا فيما بينهم على الانفصال وإن تعالت بعض الأصوات الفرديّة من هنا وهناك، لكن الحق أنّ كلّ الكورد في سوريا لن يتنازلوا عن حق تقرير المصير بعد الآن، وهذا الحق لا يعني بالضرورة الانفصال أو الفيدرالية أو أي شيء آخر، بل هو ضمان لحقوق شعب عانى من القمع والتهميش والطغيان على مرّ سنين طوال من النظام السوري الفاشي ومن بعض الإخوة لهم في الوطن.

ملاحظة: حق تقرير المصير هو حق أصلي لجميع الشعوب والأفراد حسب كل تشريعات وقوانين ومعاهدات حقوق الإنسان والتي صادقت عليها معظم دول العالم.

هنا قد يتساءل البعض، وهو تساؤل مشروع، عن مصير باقي المكونات التي تعيش في المناطق ذات الغالبية السكانية الكوردية كالسريان والآشوريين والكلدان والأرمن وغير ذلك من قوميات وأعراق مختلفة؟ وهذا السؤال يأخذنا إلى سؤال آخر: ما هو مصير الكورد ممن يعيشون في مناطق ذات غالبية عربية كدمشق وحلب؟

حقيقة لا أملك إجابة منطقية لهذين السؤالين ولا أظن بأنّ أي شخص آخر يملك إجابة حاسمة، ولكنني هنا أفترض إن تمّ الوصول إلى دولة سورية مدنية تعتمد مبادئ المواطنة واللامركزية السياسيّة (كما يطالب معظم الكورد حالياً على الأقل) فإن وجود مناطق ذات خليط قومي أو ديني لن يكون بالمشكلة، إذ يتساوى الناس في الحقوق والواجبات أمام القانون، كما أن المكونات القومية غير الكوردية والتي تقطن مناطق ذات غالبية سكانية كوردية هم جزء مشارك وفعّال في الحكومة الكوردية التي تسير أعمال تلك المناطق بالإضافة إلى وجود مجموعات مقاتلة من قوميات غير كوردية تقاتل إلى جانب الكورد ضد المد الإسلامي، كالمجموعة الآشورية المقاتلة في بلدة تل تمر التابعة لمحافظة الحسكة والتي تخوض الآن معارك شرسة ضد تنظيم داعش.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.