رامز أنطاكي

“حتى ما يقارب السنتين على بدء #الثورة_السورية، كنت أستطيع القول بكل راحة ضمير وموضوعية، أن المعارضة المسلحة لم تستهدف أي مسيحي بصفته مسيحياً”، هذا ما يقوله راهب سوري كهل يتحدر من منطقة #وادي_النصارى في ريف #حمص، مردفاً بأسف أنه منذ وقت بعيد لم يعد يستطيع تكرار قناعته هذه، فتطورات الأحداث لم تعد تتطابق مع ما كان يراه حقيقة لها جانب إيجابي.
وكان خطف الأب يعقوب مراد يوم الخميس 21 أيار 2015 من دير مار اليان في #القريتين التابعة لمحافظة حمص، على يد مجهولين قد أعاد التذكير بسلسلة من الاعتداءات التي طالت عدداً من رجال الدين المسيحي.

 

الاعتداءات التي طاولت رجال دين مسيحيين في أنحاء مختلفة من #سوريا، بشكل مباشر، أي في حالات كان مرتكبوها يعلمون هوية المعتدى عليه وصفته، وقد تكون بدايتها مع خطف الكاهنين الشابين ميشيل كيال (27 عامًا حين خطفه) من طائفة الأرمن الكاثوليك، واسحق محفوض من طائفة الروم الأرثوذوكس، الذي جرى يوم السبت التاسع من شباط 2013، على الأوتوستراد الواصل بين مدينتي #حلب و #دمشق، في النقطة الواقعة تحديداً شمال مدينة #سراقب بحوالى 2 كلم، حيث قام عناصر مسلحون مجهولو الانتماء على أحد الحواجز بإيقاف الحافلة التي كانت تقل ركاباً من بينهم ثلاثة كهنة، بأمر الكاهنين اللذين كانا يرتديان ثوبهما الرسمي الأسود بالنزول من الحافلة ليختفي أثرهما بعدها، بينما نجا كاهن ثالث كان برفقتهما لأنه كان يرتدي ثياباً لا تفصح عن هويته الدينية.

العناصر الخاطفة التي يرجح انتماؤها لأحد فصائل المعارضة وقتها اتصلت بعد نصف ساعة من حادثة الاختطاف بشقيق الكاهن ميشيل كيال مطالبين بمبلغ 15 مليون ليرة سورية وتحرير 15 معتقل لدى النظام، ولاحقاً تراجع الخاطفون عن مطلب تحرير المعتقلين وانقطعت الاتصالات بعد موافقة العائلة على دفع المبلغ المطلوب.

وفي هذا الإطار صرح حينها أحد كهنة طائفة الأرمن الكاثوليك أن ما يجري بحق المسيحيين يصب في إطار الانتقام منهم بعد إحجام أغلبهم عن دعم الثورة، نافياً اعتبار الأمر اضطهاداً دينياً، إلا في حالة الاعتداءات التي تقوم بها جهات جهادية كجبهة #النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي اعتداء تال يبدو أنه شديد الصلة بحادثة اختطاف الكاهنين، تم في 22 نيسان من العام نفسه 2013 اختطاف المطرانين يوحنا إبراهيم (65 عاماً) مطران السريان الأرثوذوكس في حلب، وبولس يازجي (55 عاماً) مطران الروم الأرثوذوكس في حلب، وهو شقيق يوحنا يازجي بطريرك الطائفة نفسها.

وقيل أن المطران يازجي كان في مهمة تتعلق بتحرير الكاهنين المخطوفين، وأن المطران إبراهيم وافاه إلى الحدود التركية ليصطحبه في طريق العودة إلى مدينة حلب التي خطفا على مشارفها عند منطقة كفر داعل، وحدث أن السائق طرد من قبل المسلحين ليعود سيراً على الأقدام إلى حلب حيث قتل برصاص قناص، بينما انطلق الخاطفون الذين قيل أنهم شيشانيون بالمطرانين إلى جهة مجهولة بعد أن ألقوا بمرافق المطرانين على قارعة الطريق، والمرافق هو فؤاد إيليا الذي حيكت عنه روايات متعددة تحدثت عن صلته بجهات في المعارضة، وعن دوره كوسيط بين المطرانين ومسلحين في قضية الكاهنين المختطفين.

بعد شهرين من هذه الحادثة تم اغتيال الكاهن فرنسوا مراد بعد أن أطلقت عليه عدة طلقات نارية من مسافة قريبة في دير اللاتين الوقع في قرية الغسانية قرب #جسر_الشغور، من قبل مسلحين محسوبين على المعارضة، وهو كان قد اضطر إلى ترك دير آخر في منقطة قريبة بعد أن قام مسلحون بنهبه، ولجأ إلى الدير الذي لقي مصرعه فيه. ويذكر في هذا السياق انتشار تسجيل مصور يظهر قطع رأس رهينة لم تعرف هويتها انتشرت إشاعة أن الرهينة هو الأب مراد، لكن هذا الادعاء غير صحيح، فالأدب مراد الذي دفن في قرية اليعقوبية كانت جثته كاملة وأثر الرصاصات القاتلة ظاهرة عليها.

وفي نهايات تموز من العام نفسه اختطف تنظيم #داعش الذي لم يكن حينها متمتعاً بذات سطوته الآن، الأب الإيطالي اليسوعي #باولو_دالوليو، الذي سبق وأن طرده النظام السوري من سورية عام 2012 لتأييده للثورة، وتتفق أغلب المصادر أن الأب باولو هو من سعى للقاء مسؤولين في داعش للتفاوض والحوار معهم إلا أن النتيجة كانت حجز حريته وحجب أي معلومات عنه حتى اليوم.

قبيل انتهاء العام الذي شهد الاعتداءات المذكورة تم اختطاف 13 راهبة في #معلولا ومعهن ثلاث عاملات في الدير، ونقلهن إلى #يبرود حيث تم حجز حريتهن لثلاثة أشهر على يد جبهة النصرة، لتتم مبادلتهن لاحقاً عبر وسيط قطري بمعتقلات في سجون النظام السوري تجاوز عددهن 150 امرأة، وأقفلت القضية الأكثر وضوحاً لجهة منفذيها، والأفضل من حيث خاتمتها، ليلحق التبادل لغط حول مواقف الراهبة اللبنانية التي ترأست دير الراهبات في معلولا والتي قيل أنها تتبنى مواقف معارضة تجاه النظام السوري.

في العام التالي 2014 تم اغتيال الكاهن اليسوعي الهولندي فرانس فاندرلوخت ابن الـ 76 عاماً، في ديره ضمن حمص القديمة المحاصرة حينها من قبل النظام السوري، وكان مسلح مجهول الهوية قام بإطلاق النار على الأب فرانس في باحة الدير ليلقى مصرعه على الفور.

طرحت هنا نظرية مفادها أن النظام الذي كان بصدد السماح للمسلحين المتمركزين في حمص القديمة بالخروج منها، لم يكن ليقبل بأن يخرج شخص كـفرانس الأجنبي الواسع الشهرة وذو المصداقية المرتفعة لدى شرائح واسعة من المجتمع السوري الذي عاش فيه مدة نصف قرن تقريباً، وأن النظام ربما أغرى أحد المسلحين بأن يغتال فرانس مقابل أن تسوى أوضاعه بعد تسليم نفسه عقب تنفيذ الاغتيال. وقد ساهم في دعم هذه النظرية ثلاثة أمور: الأمر الأول أن فرانس كان حيث هو لشهور طويلة وكان على علاقة جيدة بالمسلحين وبمرجعياتهم الدينية السنية، ولو كانوا ينوون به شراً لما بقي سالماً طيلة هذه الفترة، والثاني أن آخر تسجيل مصور ظهر لـفرانس كان مرتفع اللهجة وواضحاً في توجيه اللوم للنظام على المجاعة التي يعيشها المدنيون المحاصرون، أما الأمر الثالث فهو القبض على مسلح حاول اغتيال المعارض المقاتل الشهير عبد الباسط ساروت ليعترف أنه وعد بتسوية أوضاعه مقابل اغتيال الساروت، ومن ثم الفرار لتسليم نفسه إلى قوات النظام السوري.

مهما تكن الجهات وراء هذه الاعتداءات، يبقى عدد كبير من المسيحيين السوريين مقتنعاً بأن المعارضة المسلحة المتطرفة دينياً هي المسؤولة عنها، وأن المسيحيين بالتالي مستهدفون، ليبقى الأمر غير مفهوم بالكامل لدى كاهن سوري دمشقي، سبق له وأن قام بالخدمة الدينية في مناطق سورية ولبنانية عديدة، إذ يعتبر أنه لو كان المسيحيون مستهدفون حقيقة، لكان أمر دفعهم للهجرة أسهل وأسرع لو “أن مسلحين قاموا بمجزرة –لا قدر الله- بحق مجموعة مسيحية، أو بتفجيرين إرهابيين أو ثلاثة في مناطق مسيحية الطابع”، وهو يقول أنه في حالة الراهبات والأب مراد لا شك لديه بهوية الخاطفين وأنهم محسوبون على المعارضة، لكن في الحالات الباقية، وإن كان من الممكن في معظمها ترجيح تورط جهات محسوبة على المعارضة فيها، إلا أن الجزم غير ممكن، خاصة مع إدراك حجم ومدى التعقيدات المسيطرة في الساحة السورية.

كاهن سوري آخر، بات اليوم مقيماً في #لبنان، يعتبر أن المساحة المتاحة للمسيحيين السوريين تضيق يوماً بعد يوم، سواء أكان ذلك برغبة من جهات معارضة أم لا، مورداً أن حلب التي كانت تضم أكثر من 150 ألف مسيحي من مختلف الطوائف، أمست اليوم تضم ثلث هذا العدد أو أقل، وقد يتراجع عدد ما بقي منهم بشكل متسارع بعد انتهاء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، خاصة وأن هناك كلام كثير عن معركة تحرير حلب من قبل المعارضة.

ويشير هذا الكاهن الذي بات في خريف عمره، أن كثير من المسيحيين السوريين يعانون من عقدة الأقليات، والحساسية الزائدة تجاه أي أحداث عنيفة أو عدم استقرار، مع ما سماه بـ “المبالغة في طلب دور الضحية والتطرف فيه”، دون أن يعني هذا على حد تعبيره أن المسيحيين لم يستهدفوا بشكل أو بآخر في عدة حالات خلال السنتين الأخيرتين خصوصاً، إلا أنه شخصياً ونظراً للواقع الحالي واستشرافه الشخصي للمستقبل لا يحمل أملاً كبيراً بمستقبل المسيحيين في سورية، خاصة وأن الأغلبية من رجال الدين المسيحيين كانت مواقفهم غير متوازنة في مطلع الثورة، ولا تشاركه في آراءه تجاه هذا الموضوع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.