نور الدين السيد – الحل السوري:

أرخت الحرب السورية بظلالها على الواقع الاقتصادي والتجاري لدور النشر السورية والمكتبات باختلاف أحجامها، فامتناع القارئ السوري عن شراء الكتب ورصد مبلغ مادي شهري لاقتناء كتاب بات من الماضي بعد أن أصبح الراتب الشهري يكفي بالكاد للمواد الغذائية والحاجيات اليومية الضرورية.

وضع يمكن وصفه بـ”البائس” هو ما وصلت إليه حال #المكتبات_السورية الشهيرة في مناطق عديدة في #دمشق كشارع الحلبوني، لا كتب جديدة على رفوف المكتبات، ولا على واجهاتها. بعض العناوين القديمة، كتب ومؤلفات عليها غبار يدل على ما أصاب هذه السوق من جمود، وإلى أي مدى تأثرت برياح الأزمة السورية، بعدما كانت تنبض بالحياة.

ارتفاع الأسعار يحد من الشراء

ارتفاع كبير شهدته أسعار الكتب في دمشق بنسبة قاربت 50% لأكثرها، وذلك لأسباب أرجعها صاحب أحد المكتبات في دمشق بمنطقة الحلبوني، لغلاء الورق وندرته، وخاصة أن معظمه مستورد ويسعر وفق سعر الصرف، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المحابر الخاصة بالمطبعات بشكل جنوني فسعر المحبرة الواحد بات بـ45 ألف ليرة بعد أن كان سعر الطابعة نفسها هو 45 ألف ليرة.

وأضاف صاحب المكتبة وهو صاحب دار نشر، أن انقطاع الكهرباء أثر على عمليات طبع الكتب بل ورفع من سعرها أكثر، وجاء ذلك متزامنا مع شبه شلل تام في المبيعات ورواد المكاتب، فلا قارئ للكتب حالياً، بمعنى أدق وفق وصفه “كتب لا زبائن لها”، في إشارة له إلى أن عدد كبير من المكتبات وفي ظل هذه الظروف الصعبة أعلنت إفلاسها بل وباعت مقراتها أو تحولت إلى محلات تمتهن مهنا أخرى كمحلات للألبسة أو العطورات أو ما شابه.

وعن أسعار الكتب لفت أنه لم يعد يوجد كتاب بـ100 ليرة على عكس ما كان قبل الأزمة فأسعار الكتب تبدأ من 400 ليرة وهو عبارة عن كتيب لا تتجاوز عدد صفحاته 100 صفحة، وتصل أسعار الكتب إلى نحو 4000 آلاف ليرة، مشيراً إلى أن الكتب التي سعرها حالياً 4 آلاف ليرة كان سعرها قبل الحرب في سوريا لا يتجاوز الألف ليرة، بمعدل ارتفاع أربعة أضعاف.

كتب أيام زمان

صاحب مكتبة أخرى في منطقة الحلبوني بدمشق قال “الله يرحم أيام زمان عندما كان مرتادو المكتبات يصطفون أحياناً لاختيار ما يرغبون من الكتب”،

وأشار إلى أنه لم يعد يدخل على المكتبة إلا بعض الأشخاص المهتمين ويمكن عدهم على أصابع اليد الواحدة، فالإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وتعلق الناس بها “دفن” الرغبة بشراء الكتب وارتياد المكتبات حتى باتت المكتبات فقط للزينة، وهي تقتصر على فئات معينة من المقتدرين مادياً، والذين يشترون الكتب لـ”صمدها” فقط دون قرأتها.

ونوه إلى قراءة الكتب باتت عادة مكلفة أيضاً فسعر الكتاب لا يقل عن ألف ليرة، وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة حالياً، فإنه من الصعب جداً بل من المستحيل أن يقتطع موظف أو عامل من راتبه الشهري ألف #ليرة لشراء كتاب وهو لا يملك ثمناً لشراء ما يكفيه من الطعام.

وأشار إلى أن العديد من #المكتبات حولت نشاطها في ظل العوامل السابقة، فمنهم من أجر المكتبة بما فيها وفق نسبة 50% من البيع والشراء أو من قام بتحويل نشاط المكتبة من بيع الكتب إلى القرطاسية وبيع مستلزمات مدرسية فقط، ومنهم من أغلق المكتبة أو باعها وهاجر خارج البلاد.

الروايات تتصدر المبيعات

صاحب مكتبة في منطقة المهاجرين بدمشق أشار إلى أن الكتب التي تباع على الأرصفة تشهد إقبالاً أكثر من تلك التي تباع في المكتبات، فمثلاً كتب باولو كويلهو تحت مسميات “الخيميائي” و”إحدى عشر دقيقة”، أو الشيطان والآنسة بريم”، وغيرها من الروايات الأخرى مثل “أحلام مستغانمي” أو “الأسود يليق بك”، “والحب في زمن الكوليرا” وغيرها تباع بأسعار رخصية على الأرصفة، واستطاعت منافسة المكتبات العريقة، وقال “سعر هذه الكتب كلها لا يتعدى 300 ليرة كحد أعلى، فهل يمكن مقارنتها مثل بكتاب الخبز الحافي والذي يصل سعره حالياً لأكثر من 3500 ليرة؟.. طبعا لا.. والقارئ لن يلجئ لشراء هذا الكتاب بل سيتجه للكتب الرخيصة والمسلّية، فهي ذو حظ أوفر من الكتب القيمة والغالية”.

ونوه إلى أن “جنون الدولار” لم يقتصر على السلع اليومية فقط بل لاحق أيضاً مستلزمات الكتب فتغليف الكتب وطباعتها وحبر الطباعة وأجور العمالة وجميع المواد الأولية الخاصة بالكتب تسعر على الدولار، وحتى الكتب المستوردة.. وأصبح آخر هم المواطن الكتاب، “بصراحة في زمن الحرب بات الإقبال على كتب المصارعة والأبراج والتنحيف أكثر من كتب تعلم قواعد لغتك العربية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.