حواجز أسقطتها المرأة وأخرى أسقطتها الحرب .. ورقة بحثية عن نساء سوريا ودورهن الاقتصادي

حواجز أسقطتها المرأة وأخرى أسقطتها الحرب .. ورقة بحثية عن نساء سوريا ودورهن الاقتصادي

في تقرير بحثي أنجزه ونشره موقع سيريا ديبلي بالتعاون مع معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، تناول قضية المرأة السورية ودورها الحالي والمستقبلي، وردت مجموعة من الأرقام والدلالات والشهادات التي تفتح الباب للحديث عن المرأة السورية، والأدوار التي لعبتها سابقاً، وتلعبها حالياً وما زالت رحى الحرب دائرة.
قدّمت الورقة بالقول إن المرأة السورية قد لعبت دوراً أساسياً في المجتمع والأسرة خلال سنوات الحرب، وكان لها تأثيرها الواضح في الاقتصاد السوري بشكل عام.

وجاء في التقرير الذي أعدته لسيريا ديبلي دانييلا هيلتون:

كان للنزاع في سوريا تأثير مدمر على النساء وغيّر دورهم في القوى العاملة، ما أفسح المجال أمام الفرص المتاحة سابقاً للرجال أن تشغلها النساء. ولأن المرأة تتحمل المزيد من المسؤولية والاستقلالية، فإن الكثير من الفرص لا تعني المساواة.

فتح النزاع في سوريا عن غير قصد الباب أمام قطاعات العمالة التي كان يسيطر عليها الذكور سابقاً، ونتيجة لذلك أصبح للمرأة تأثير متزايد في المجال العام وفي رسم مستقبل سوريا.

وفي حديثٍ لسوريا ديبلي مع ماريا سعادة، النائبة المستقلة السابقة التي قامت بحملة من أجل حقوق المرأة في سوريا، قالت: “إن الدور التقليدي للمرأة يتغير بسبب الحرب”، وأضافت: “مسؤولية المرأة هي العائلة، وها هي تهيمن على غالبية العمل في مكان الرجل”.

وبحسب التقرير، فإن هذا الدور الإيجابي للمرأة _ وإن كان بطيئاً _ قد جاء بثمنٍ مدمّر. فبعد سبعة أعوام من النزاع، الكثير من النساء فقدن آبائهن أو إخوانهن أو أزواجهن أو أبنائهن حيث قتلوا أو أصيبوا أو أجبروا على الفرار من البلد، أو حتى انضموا إلى القتال، ما أدى إلى انخفاض عدد الرجال في سن العمل بشكل كبير. ونتيجة لذلك، فإن المرأة الآن هي صانعة القرار والمعيل الوحيد في واحد من كل ثلاثة أسر.

وفي حديث للصحيفة مع بوني موريس، الباحث في دراسات النوع الاجتماعي ( الجندر )، والذي يدرّس دورات حول المرأة والحرب، قال: “الحالة اليوم هي أن لا أحد يشعر بأهمية أن تحصل المرأة على السلطة والفرصة لأن هذه الخطوة جاءت إثر فقدان الرجال وموتهم، لذا فهي خطوة معقدة جداً نحو الأمام”.

ويضيف “إنها كثيراً ما تفاجئ الناس كم هي موهوبة وقادرة على استغلال الفرص لتطوير ذاتها ومواهبها، تلك المرأة التي  كانت دائما كفؤاً”.

فعلياً، وعلى الورق، كان ينبغي للمرأة أن تكون مساوية للرجل منذ أن تبنت سوريا قوانينها المدنية والتجارية عام 1949، مما يمنحها الحق في الحكم على أشيائها الثمينة وممتلكاتها الخاصة وإدارة أعمالها الخاصة، إلا أن البعض من هذه القوانين تحد من هذه الحريات. فعلى سبيل المثال: يسمح قانون العقوبات للأزواج بمنع زوجاتهم من العمل خارج المنزل.

تبنت سوريا في العام 1973 دستورها الحالي والذي ينص على أن المرأة يجب أن تتساوى مع الرجل وأن تتم إزالة كافة العقبات التي تحول دون تقدمها، وتضمن المادة 45 للمرأة جميع الفرص التي تمكنها من المشاركة الكاملة والفعالة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

إلا أن دور المرأة على أي حال استمر في بقائه محصوراً في البيت بشكل كبير، ما أدى إلى إنشاء حواجز اجتماعية منعتهن من قطاعات عمل عديدة أو حتى من فرصة العمل بشكل عام.

أجرت جمعية بريق للتعليم والتنمية البشرية غير الربحية في أيار 2017 دراسة استقصائية عن النساء السوريات اللاتي تجاوزن الثامنة عشرة من العمر داخل البلد وخارجه، وخلصت من خلاله إلى أن 81 % من النسوة اللاتي شملهن الاستطلاع والبالغ عددهن 1006 قالوا إن الأعراف الاجتماعية في سوريا تعوق نجاح المرأة.

وبحسب التقرير، فإن سنوات الحرب السبعة قضت على بعض من هذه الحواجز. فبحلول العام 2015 كانت نسبة النساء اللاتي يترأسن الأسرة تتراوح بين 12 إلى 17 %، حيث كانت تلك النسبة لا تتجاوز 4.4 % في العام 2009. أما هذا العام فقد ارتفعت نسبتهن لتصل إلى 22.4 %، ذلك بحسب تقرير من معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط.

شغلت النسوة نسبة 22 % من القوى العاملة الرسمية في البلاد في العام 2010، إلا أن هذا العدد انخفض منذ العام 2011، كما انخفضت فرص العمل الرسمية على حدٍ سواء بالنسبة للرجال والنساء. إلا أن الرجال القادرين على تحقيق مكاسب مالية لإعالة أسرهم أًصبحوا يجنوها من فرص عمل غير رسمية. وقد بلغ معدل عمالة الإناث 14% في العام 2015.

كما تشكل النساء الغالبية العظمى للقوى العاملة في بعض القطاعات. وفي بعض المناطق في سوريا تشكل نسبة النساء من القوى العاملة الزراعية 90%.

وقد اضطرت النساء إلى استلام أدوار لم يكن بالإمكان تصورها ما قبل النزاع، فبحسب سعادة، هناك مصانع في دمشق مأهولة تقريباً بالقوى العاملة النسائية.

وأضافت: “تعمل النساء اليوم في المطاعم والخدمات، يذهبن إلى المصانع، يعملن في قطاع الزراعة، كما يعملن بالحرف اليدوية، تشكل المرأة ببساطة اليوم قاعدة المستقبل”.

كما سمح الصراع للنساء باقتحام المجتمع المدني والقطاعات الحكومية والإعلامية، الأمر الذي تم منعه باستمرار ما قبل الحرب.

وبحسب التقرير، توجد في سوريا منظمات غير حكومية ومجموعات مدافعة عن حقوق المرأة منذ العام 1949. وبالرغم من الحملة الواسعة التي مارستها الحكومة على المنظمات التي لم تتفق مع جميع السياسات الحكومية، إلا أن عدة منظمات واصلت نشاطها. منها رابطة النساء السوريات. وبحسب كاثرين بيلافرونتو، المختصة في تطوير الأعمال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن أعضاء الرابطة ما زالوا يواجهون خطر الاعتقال أو الاحتجاز.

وفي الوقت نفسه، لم يكن لدى الكثير من النساء إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام أو الجمعيات المهنية أو المنظمات غير الحكومية كمنتديات للتعبير عن آرائهن بحسب التقرير.

وبحسب الشبكة السورية للصحفيات، تشكل النساء نسبة 54 % من القوى العاملة في الإذاعة ووسائل الإعلام الناشئة والتي أسست بعد اندلاع الحرب، ونسبة 35 % في وسائل الإعلام المطبوعة .

وبالرغم من ذلك، فقد أًصبحت مشاركة المرأة في الحياة العامة في بعض الأماكن أكثر صعوبة مع اندلاع الصراع، حيث تحكمت الجماعات المعارضة الأكثر صرامة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بحسب التقرير.

وفي حديث للصحيفة مع ميلا إدموني، مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات، قالت: ” أصبح الوصول إلى المعلومات أو الوظائف أو الفرص أصعب بالنسبة للصحفيات النساء، ويعمل اليوم عدد كبير منهن خلف أجهزة الحاسب المحمولة عوضاً عن تغطيتهن للخط الأمامي والمشاركة بشكل أكبر في التغطية”.

وبحسب التقرير، تواجه الصحفيات أيضاً مشكلة شائعة في العديد من مجالات العمل: فعلى الرغم من أن النساء يجدن أنفسهن قادرات على العمل حيث لم تكن لديهن فرصة، إلا أن الفرصة لا تعني بالضرورة المساواة. وتشكل نسبة الإناث من بين كبار الصحفيين في وسائل الإعلام السورية الناشئة فقط 4%.

وتضيف إدموني: “من خلال خبرتنا وردود الفعل التي حصلنا عليها من أعضاء شبكة الصحفيات السوريات، جميعهن قالوا إن الرجال والنساء لا يتقاضون أجوراً متساوية، لكنهم يواجهون نفس القضايا والمخاطر “.

ولم يقترن تكافؤ الفرص مع زيادة استقلالية المرأة ومسؤولياتها. فالدخل المعيشي في الأسرة التي ترأسها النساء يميل لأن يكون أقل من الدخل المعيشي للأسر التي يرأسها الرجال، ذلك وفقاً لاستقصاء تقديري أجرته منظمة CARE في آذار 2016 بعنوان “المرأة والعمل والحرب”. فعلى سبيل المثال، في محافظة درعا يقل الدخل الشهري للأسرة التي ترأسها المرأة بنسبة تتراوح بين 15 و 32 % عن تلك التي يرأسها الرجل.

تعمل النساء بشكل متزايد على بناء المهارات واستغلال فرص العمل مع استمرار الصراع، يستغل البعض منهن الوظائف بينما تطور أخريات مهاراتهن في إطار برامج المنظمات غير الحكومية أو برامج الأمم المتحدة.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على سبيل المثال، يدعم  الأسر المعيشية التي ترأسها النساء من خلال ورشات العمل والتدريب المهني وفرص العمل في حالات الطوارئ وفي مجالات الخبرة التي تتقنها المرأة. ووفقاً للبرنامج، فقد وفرت المنظمة فرص عمل في العام 2016 لـ 6103 من النساء اللاتي يرأسن أسر معيشية.

مع ذلك، لا يزال من الصعب القضاء على الموانع الثقافية والوصم الاجتماعي، فالكثير من النساء السوريات متعلمات تعليماً عالياً ولكن بسبب الحرب توقفت الكثيرات من الفتيات عن متابعة تعليمهن، وأجبرن على تحمل المسؤوليات المتعلقة بمصادر الرزق في وقت مبكر نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، ذلك وفق ما ورد في تقرير لمنظمة CARE. وبالتالي فإن غالبية النساء مازلن تأخذن العمل الذي يعتبر مناسباً لنوع الجنس، مثل التعليم والرعاية الصحية أو الأعمال الحرفية.

“إذا كانت النساء أقل تعليماً في العائلة، فإنهن غالباً ما يكن في مناصب ضئيلة، والتي لا تمنحها بالضرورة السلطة” يقول موريس.

ويضيف: “بالنسبة للنساء اللاتي تلقين تعليماً أفضل، فهن غالباً يضطررن لتولي وظائف قد يشعرن أنها أقل مما يستحقن، لتعانين بعدها من الكثير من المرارة حيال ذلك “.

السؤال الذي يطرح نفسه على سوريا بعد انتهاء الحرب هو ما إذا كان مكان المرأة في المجتمع قد تغير إلى الأبد أم لا. وورد في التقرير أن 88.36 % من النساء السوريات يجدن أن الكفاح من أجل حقوق المرأة هو حق مشروع، في حين تعتقد 96 % منهن أن دور المرأة في المنزل وفي العمل.

ومع ذلك، يحذّر موريس من أنه عند عودة السوريين إلى بلادهم وبدء إعادة الإعمار، فإن الرغبة في إعادة الحالة الطبيعية إلى ما كانت عليه قبل الحرب قد تؤدي إلى رد فعل محافظ حيث يتم تشجيع الأدوار التقليدية.

مع ذلك، يأمل الكثير من أنصار حقوق المرأة في #سوريا أن تزداد مشاركة المرأة في سوريا وتصبح دائمة. فيقول إدموني: “أعتقد أن الوضع لن يعود إلى ما كان عليه من قبل”، ويضيف: “لكننا بحاجة إلى العمل من أجل تحقيق ذلك من أجل جميع النساء “.

تقول سعادة: “أعتقد إذا وجدت نسبة من الرجال يرفضون عمل النساء، فهم لا يستطيعون فعل أي شيء. فإذا رفضوا عمل النساء سوف يدفعون الثمن، لأن النساء اليوم يقمن بكل شيء.. إذا توقفن عن العمل، سيخلفن الكثير من المتاعب”.

وتضيف: “اليوم، المرأة أقوى وأكثر تحملاً للمسئولية، وقد أثبتت سنوات الحرب السبعة أن المرأة يمكنها القيام بأي شيء”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة