نشرت مجلة الفورين بوليسي مقالاً شارك في كتابته كل من بايام محسني، مدير المشروع الإيراني في مركز بلفر للعلوم والعلاقات الدولية في جامعة هارفاد، وحسن أحمديان الباحث والمتخصص في مجال الشؤون الدولية في إيران، يوضّحان أن سوء فهم نوايا طهران الحقيقية في #سوريا قد يؤدي إلى كارثة. ذلك إثر تصاعد التوترات بين #إسرائيل و #إيران في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على قاعدة T4 الجوية في سوريا وإسقاط مقاتلة F16  إسرائيلية في شباط. كما تحدث وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيز عن احتمال وقوع اشتباكات مباشرة بين الطرفين. وقد تم إطلاق وابل من الصواريخ مصدرها الأراضي السورية مستهدفة مواقع إسرائيلية في مرتفعات الجولات ذلك ليلة 9 أيار.

وبحسب المقال، من الضروري أن يحظى صانعو السياسة في #واشنطن بفهم أوضح لأهداف إيران في سوريا عندما يتزايد خطر سوء التقدير والمواجهة في مثل هذه اللحظة الحساسة. فأهداف إيران ليست هجومية، ولكنها تركز على ردع إسرائيل وغيرها من الأطراف الأجنبية الرئيسية في سوريا.

فيرى الكتّاب أن سوء فهم النوايا الإستراتيجية لإيران قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية، خاصةً في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد #ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية.

يوضّح المقال أن الهدف الرئيسي للنشاط الإيراني في سوريا هو الحفاظ على الحكومة السورية بوصفها “جزءاً من محور المقاومة”، وهو تحالف قديم بين إيران وسوريا و #حزب_الله وجماعات أخرى، نافياً أن يكون الهدف هو إثارة مواجهة عسكرية مع إسرائيل. كما أوضح أن إيران تسعى أيضاً إلى إقامة توازن في القوى، بما في ذلك الردع مع جهات إقليمية ودولية أخرى لها مصالح في سوريا. وأن الأعمال الإيرانية الأخيرة التي قد تعتبر استفزازية ليست إلا تكتيكات لرسم خطوط حمراء ورفع التكلفة على إسرائيل إذا ما اختارت مواجهة إيران داخل الأراضي السورية.

بالنسبة للإسرائيليين، لا يمكن التسامح مع التعزيزات العسكرية الإيرانية، إضافة إلى أنها تشكل انتهاكاً للخط الأحمر المتمثل بمنع تأسيس قواعد عسكرية إيرانية دائمة في سوريا. وبحسب تفسيرات الأحداث، فإن الهدف من حملة إيران في سوريا هو توسيع استعراضها لقواتها العسكرية خارج حدودها بهدف تدمير إسرائيل. وبالرغم من مشاركة بعض النخب الإيرانية هذا الهدف، إلا أن النظرة الإسرائيلية السائدة حول الوجود الإيراني في سوريا تسيء للأهداف الإيرانية الفعلية وأولويات #طهران للمصالح في سوريا.

وبحسب المقال، لا يأخذ هذا الرأي على محمل الجد القيود التي تواجهها إيران في سوريا، لا سيما التردد الحقيقي للحكومتين السورية والروسية في السماح لإيران بإنشاء منشآت عسكرية رسمية داخل البلاد. حيث يفترض أن سوريا ليس لها رأي في كيفية إدارة علاقاتها مع إيران بسبب ضعفها، إنما الأمر على أرض الواقع أشد تعقيداً. فإن سياسة القوة الأوسع والتي تضم الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا وإسرائيل والمجتمع الدولي تضع قيوداً فعلية لسياسة إيران تجاه سوريا. الفكرة الشائعة عن إيران أن مواقفها تجاه المواجهات سلبية ولا تنتقم حيال تعرضها للهجوم، إلا أن المقال يجد في هذا المفهوم خطورة خاصةً إذا ما قلل من شأن رد إيران على الهجمات العسكرية المحتملة.

وبحسب تحليلات كتّاب المقال، فإن إثارة مواجهة عسكرية مع إسرائيل ليست من أولويات إيران بالرغم من العداوة الشديدة بينهما. إنما تسعى إيران إلى تعزيز موقفها _ الذي حققته بشق الأنفس_  في منافسة القوى الرئيسية في الصراع السوري وهي: #تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وحكومة النظام السوري، بالإضافة إلى حلفائهم. ويوضح المقال أن سوريا تمنح إيران عمقاً استراتيجيا حيوياً ما يتيح لها الفرصة في استعراض قواتها عبر بلاد الشام، وفتح بوابة لحزب الله اللبناني معززاً الردع الإيراني لإسرائيل. حيث أن انهيار نظام الأسد وتقطيع أوصال الدولة السورية كان سيشكل ضربة قوية لإيران بفقدانها أحد حلفائها الرئيسيين القلائل في العالم العربي.

من وجهة نظر إيران، فإنها الطرف الذي يواجه التهديد في سوريا، الرأي الذي ترسّخ بين النخب الإيرانية في بداية الصراع السوري حيث كانت في موقف دفاعي في الوقت الذي كان فيه احتمال نجاة الأسد من خطر الاحتجاجات ضعيفاً. كما اعتبرت إيران أن الثورة ضد الأسد كانت مجرد مؤامرة أجنبية هدفها تقويض إيران، وهو تهديد مباشر قاد البعض إلى الإدعاء بأنه “إذا خسرنا سوريا فلن نكون قادرين على الحفاظ على طهران”.

بذلك، كان الهدف من دخول إيران في الحرب السورية _ بحسب المقال _ هو دعم شريكها المكافح ومحاولة تقليل خسائره من خلال دعم الميليشيات المحلية الحليفة مع التركيز على تقسيم سوريا في فترة ما بعد الأسد، وهي خطة طوارئ محدودة ومنطقية في حال سقط الأسد، لكنها فسّرت بشكل خاطئ على أنها توسّع إيراني، وفق ما ورد.

من وجهة نظر طهران، فإن الهدف من الضربات الإسرائيلية ضدّ المواقع المرتبطة بإيران وحلفائها في سوريا، بالإضافة إلى الخطاب العدائي لأمريكا والسعودية، هو تقويض قدرة إيران الرادعة المشكوك بها. لذا، من المهم النظر إلى الأعمال الاستفزازية الإيرانية بمنظور الردع وتحديد للخطوط الحمراء تجاه إسرائيل.

ترى إيران أن أفضل طريقة للحفاظ على استمرار وجود سوريا في محور المقاولة هو ضمان سيطرة الحكومة الكاملة على أراضيها، خاصة في ظل التحديات الخطيرة جداً التي تواجهها سوريا من قبل الجماعات المسلحة المتنافسة بعد زوال الدولة الإسلامية. ومن المؤكد أن إيران والميليشيات المتحالفة معها والحكومة السورية وروسيا لهم اليد العليا على الأرض، إلا أن ليس هناك ما يضمن أن الحكومة السورية يمكنها تحقيق النصر الكامل وتوحيد البلاد، مع الأخذ بعين الاعتبار الوجود العسكري لتركيا والولايات المتحدة على أراضيها. وبالنسبة للرأي الإيراني، فإن الوضع أكثر خطورة لأن القادة الإيرانيين يعتقدون أن الولايات المتحدة تخطط لتقسيم سوريا.

كما أشار المقال إلى أن الحرب على داعش جعلت معظم الأطراف الخارجية في الصراع السوري تركز على هدفٍ محدد، أما اليوم فإن المنافسات والاحتكاكات بين القوى الرئيسية في سوريا باتت تحتل الصدارة. فالأطراف الأكثر قوة اليوم في الصراع السوري هم تركيا وحلفاؤها، وقوات سوريا الديمقراطية وداعمها الرئيسي الولايات المتحدة الأمريكية، وحكومة الأسد وحلفاؤها بمن فيهم إيران.

وقد تمحورت معسكرات قوات إيران في سوريا في الأماكن الواقعة تحت سيطرة النظام بسبب قلقها من أصحاب المصالح المتنافسين. وأعربت إيران عن نيتها إعطاء الأولوية لمدينتين في الداخل السوري، إحدى هاتين المدينتين كانت دير الزور، والتي كانت مصدراً للمنافسة بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، ونظام الأسد وحلفائه، ووقعت اشتباكات بين هاتين القوتين بعد خروج تنظيم الدولة الإسلامية من المواجهة.

أما المدينة الثانية فهي إدلب، “المعقل الرئيسي لأعداد كبيرة من مقاتلي جبهة النصرة وجماعات تكفيرية أخرى” وفق ما يرد، ويرجح المقال أن تقع مواجهات عسكرية بين تركيا وإيران وسوريا في معركة إدلب الحاسمة، تماماً كتلك المواجهة التي وقعت بين الجانبين في مدينة ‎#عفرين الكردية في وقت سابق من هذا العام.

وبالنظر إلى هذه الأهداف والانخراط الإيراني الكبير في هاتين المنطقتين، فإن دخول إيران في صراع مع إسرائيل لا يشكل أولوية إستراتيجية لها. إلا أن المقال يؤكد أن إيران لا تزال حريصة على تأسيس حالة من الردع ضد إسرائيل، حيث أكد قائد فيلق القدس قاسم سليماني في شهر كانون الثاني أن إسرائيل تشكل قوة عدوانية تمتلك 300 رأس حربي نووي وتميل إلى تنفيذ ضربات استباقية.

وبالاعتماد على السلوك التاريخي لإيران، من غير المحتمل أن تلتزم بالخطوط الحمراء الإسرائيلية التي تضعف أهدافها الموسعة في سوريا. وتعزيزاً منها لمبدأ الردع، سوف تشعر طهران أنها مضطرة للرد على أي هجوم إسرائيلي. وقد ذكر المرشد الأعلى الإيراني آية الله #خامنئي مراراً وتكراراً أن وقت الكر والفر قد انتهى، ما يعني أن أي تصاعداً للأحداث وأي ضربة بحق إيران سوف يتبعها انتقام إيراني.

ويشير الكتّاب أنه في الوقت الذي يُقيّم فيه صانعو السياسة في الولايات المتحدة وإسرائيل النوايا الإيرانية في سوريا، سوف يكون من الحكمة التذّكر أن طهران نجحت في توسيع نفوذها في فراغات السلطة من قبل. فقد استغلت إيران مناطق النزاع التي لم تكن من صنعها لتعزيز أهدافها الإستراتيجية في كل من لبنان والعراق وصولاً إلى اليمن.

وبالعودة إلى هذه السوابق، فإن إسرائيل تواجه مشكلة. فالدولة السورية المستقرة والقوية هي أفضل خيار للأمن الإسرائيلي، وهي دولة تستطيع بشكل أقوى كبح النفوذ الإيراني في البلاد، حيث لا يوجد فراغات يملؤها الإرهابيون المتطرفين كالدولة الإسلامية. ومن جهة أخرى، فإن المواجهة الإسرائيلية الأكثر قسوة لإيران في سوريا قد تؤدي إلى تقويض إمكانية قيام دولة سورية مستقرة، ما يمهد الطريق أمام إيران وحلفائها لملئ الفراغ وتعزيز وجودهم في سوريا، ما يثير صراعات مستقبلية محتومة بين الطرفين، يختتم المقال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.