حسام صالح

بعد أن كان يتواجد في معظم المحافظات السورية، ويسيطر على مساحات شاسعة من سوريا، وصلت لأكثر من 60%، تراجعت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا بعد العام 2017، وبدأ نفوذه بالتقلص شيئاً فشيئاً. مئات العناصر تختفي، ومئات أخرى تنقل من مكان إلى مكان “بتسويات مشبوهة مع النظام ومن ورائه روسيا”، فلم يتبق للتنظيم سوى البادية السورية، التي باتت ملجأه الأخير، وجد فيها الطبيعة الجغرافية الأنسب التي يصعب قتال النظام وحلفائه فيها، والمنطقة الوحيدة التي لم يتمكن النظام من فرض سيطرته عليها بشكل كامل منذ اندلاع الثورة.

ولعل يوم 25 تموز 2018، كان الأكثر دموياً للتنظيم منذ تواجده في بادية السويداء، بعد أن نفذ عناصره هجوماً مباغتاً على مدينة السويداء وأوقع مئات القتلى والجرحى، واختطف وأسر أكثر من 30 شخصاً من أهالي السويداء بينهم نساء وأطفال، في عملية وضع عليها إشارات استفهام عدة حول توقيت هذا الهجوم وتسهيل النظام له بأكثر من طريقة.
سنحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على ماتبقى من تنظيم الدولة (داعش) في سوريا، وأماكن توزعهم، والهدف من تواجدهم في البادية السورية، وهل مازالوا يشكلون خطراً على المدنيين؟

ماذا بقي للتنظيم في سوريا؟

تقدر المساحة التي يسيطر عليها داعش في سوريا بـ180 كيلو متر، وتشكل البادية النسبة الأكبر منها، ويتركز وجوده في أربع مناطق رئيسية، وهي بادية تدمر بالقرب من مدينة السخنة، وبادية البوكمال القريبة من الشريط الحدودي السوري العراقي، إضافة إلى أطراف بادية ريف دمشق القريبة من جبال القلمون، وبادية السويداء التي اتخذها مركزاً لشن هجومه الأخير على مدينة السويداء.
ولجأ التنظيم إلى هذه المناطق، بحكم تحصينها الطبيعي، وصعوبة تأثرها بعمليات القصف والتوغل البري، حيث ينتشر التنظيم في جبل الصفا وأطراف قرية طربا، في بادية السويداء ويتحصنون في تلك المناطق، وسط معارك كر وفر مع النظام، منذ أن نفذ داعش عمليته في السويداء.

اتفاقات مع النظام

مع بدء انحسار قوة ونفوذ داعش في سوريا، خلال العامين الماضيين، سعى النظام إلى إبرام عدة صفقات مع التنظيم، بشكل سري، بعيداً عن الترويج، كما هو الحال في ترويجه لـ “المصالحات” وتهجير السكان، البداية كانت من مدينة الضمير والقلمون الغربي 2016، بعد نقل عناصر داعش إلى بادية دير الزور، وصولاً إلى عناصر التنظيم المحاصرة في جنوب دمشق والذين تم نقلهم إلى منطقة تل أصفر المحاذية للقرى الشمالية للسويداء، والآن استطاع إخراجهم من حوض اليرموك إلى منطقة اللجاة المحاذية للسويداء.
يطرح الباحث عايد قنطار تساؤلاً حول تعمّد النظام نقل عناصر التنظيم من حوض اليرموك وجنوب دمشق إلى أطراف السويداء فيقول “النظام يحاول تأديب أهالي السويداء الذين رفضوا إملاءاته لسنوات، وكنوع من العقاب بعد رفض أهالي السويداء إرسال أبناءهم إلى التجنيد الإجباري، وعودة النظام أمنياً”.

وأضاف أن “المنطقة التي خرج منها عناصر داعش من جنوب دمشق إلى منطقة تل أصفر التي تعتبر منطقة عسكرية، قريبة من مطار خلخلة العسكري المسيطر عليها كلياً من قبل قوات النظام، فلم تم نقلهم إلى هذه المنطقة؟ وليس إلى محيط دير الزور التي تعتبر ثقل داعش العكسري هناك”.

مصالح ومصدر تمويل

من جهته، يقول الصحفي سمير الأسعد إن “وجود تنظيم داعش بالقرب من السويداء فيه مصلحة متبادلة بين النظام وداعش، النظام يحاول تركيع أهالي السويداء من خلال عناصر داعش، وداعش أيضاً يريد توجيه رسائل بأن التنظيم مايزال يستطيع إرسال ضربات موجعة وتفيذ عمليات كبيرة بعد الهزائم والخسارات التي تعرض لها العام الماضي”.
في ذات السياق، يشير الأسعد إلى أنه “تم استنزاف قدرات ومصادر تمويل داعش اقتصادياً، فلم يعد يملك آبار النفط الاستراتيجية التي كان يسيطر عليها، ولم يعد يملك الطرق ولا المناطق الاستراتيجية، لذلك لجأ إلى سياسة الأسر وخطف المدنيين، للحصول على مصادر تمويل جديدة”.

كما أن لإيران دور مهم في وجود التنظيم في البادية، وذلك لتأخير عملية الحل السياسي في سوريا، لتتخذه إيران كذريعة للبقاء أطول فترة ممكنة، والضغط على التحالف الدولي الذي يملك قواعد عسكرية في تلك المناطق، حيث قام النظام بعد سيطرته على مدينة البوكمال الحدودية، بفتح ثغرة للتنظيم للانتشار في الصحراء الجنوبية ليشن بذلك هجمات على منطقة الـ55 كيلو متر التي تنتشر فيها القوات الأمريكية، وفصيل جيش المغاوير التابع للمعارضة القريبة من مطار التنف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.