مرسوم وزارة الأوقاف: “جيش من الشيوخ الشباب لمجتمع أكثر تجانساً”

مرسوم وزارة الأوقاف: “جيش من الشيوخ الشباب لمجتمع أكثر تجانساً”

حسام صالح

لم يكن وزير الأوقاف السوري يُعرف لدى السوريين سوى شخصية تظهر في المناسبات الدينية بجانب رئيس الجمهورية يدعو له ولبطانته بالخير، ولم تكن سوريا دولة دينية على غرار إيران، وبنفس الوقت لم تكن علمانية لأن العلمانية تقضي بفصل الدين عن الدولة وحرية الاعتقاد الديني، وجعل المؤسسة الدينية تحت سيطرته، إلا أن نفوذ رجال الدين زاد نوعاً ما مابعد العام 2011، حيث توضح إغلاق الكثير من المحال التجارية والمطاعم والكازينوهات التي يرفضها رجال الدين في سوريا كمثال على ذلك، مقابل افتتاح قناة فضائية عرفت حينها باسم “نور الشام”، ليتوسع بعدها نفوذ وزارة الأوقاف بكونها طرف في عقد “صفقات المصالحات” من خلال رجال الدين والعشائر.

مرسوم تشريعي تكشّف لوسائل الإعلام، بعد أن كان محاطاً بسرية شبه تامة يخص عمل وزارة الأوقاف، عُرف باسم (المرسوم16)، والمكون من 39 صفحة تلخص عمل وصلاحيات هذه الوزارة، حيث أصبحت سلطة مطلقة وميزانية مستقلة، وتشكيل بما يشبه “جيش” من رجال الدين تحت اسم “الفريق الديني الشبابي”، ومن ضمنهم “القبيسيات” أو “معلمات القرآن” اللواتي ساندن النظام بشكل كبير خلال سنوات الحرب، فكانت المكافأة الاعتراف بهن رسمياً، ليشرفوا على “المجتمع المتجانس” الذي تحدث عنه بشار الأسد في أحد خطاباته، وهو الشيء ذاته المنصوص عليه في هذا المرسوم في المادة الثانية فقرة “و” التي تؤكد على ضرورة “إذكاء روح التجانس بين أبناء الوطن على اختلاف أديانهم ومذاهبهم”.

هذه السلطة الدينية بدت تتكشف في كلام خطباء وأئمة المساجد، والذين باتوا يستخدمون منصات مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير في الشباب، فهم رمز لـ “الاعتدال” وكلامه بلغة عامية مسموح بها لإيصال الهدف، فتارة يحذر “الشيخ فتحي الصافي” في أحد خطبه من أن “الشاب المسلم إذا تزوج من مسيحية قد تأتيه سكرانة خمرانة، ذلك أن شرب الحكوليات في ديانتها غير محرم”، وتارة أخرى يعتبر “الشيخ أحمد الشعال” إمام مسجد حي المالكي في العاصمة دمشق أن “كل فتاة تتزين و تمشي في الشارع من دون اللباس الشرعي، هي فتاة تتحرش جنسيا ًبالرجال”.
وأمام عشرات التساؤلات وإشارات الاستفهام حول هذا المرسوم التي أتت من الموالين قبل المعارضين، خرج وزير الأوقاف عبد الستار السيد في حوار تلفزيوني على “الإخبارية السورية” ليوضح حقيقة هذا المشروع وكان جل حديثه عن “أعداء سوريا الذين لايريدون لهذا الصك التشريعي بالمرور”، متحدثاً بنفس العقلية التي حفظها السوريون على مدار 8 سنوات بوجود مؤامرة، وأن هناك “نسخ مزورة” من المرسوم مضاف إليها فقرات، ومتهرباً في كل الأسئلة التي تطرح عليه، مركزاً على أن وزارته هي جزء من الدولة ويتداخل عملها مع باقي الوزارات بشكل أو بآخر، وأن الشارع لايستطيع تقييم هذا المرسوم ورفضه أو قبوله لأن هناك “مجلس الشعب الذي يمثل السوريين، وهو من يقرر صلاحية المشروع”، بحسب تعبيره.

كثيرة هي النقاط المثيرة للجدل داخل المرسوم، فالمادة (12) من الفصل الثالث حددت شروط التكليف بالعمل الديني، ونصت على “يشترط في من يكلف بالعمل الديني أن يكون مسلماً متمتعاً بالجنسية العربية السورية أومن في حكمه، وللوزير أن يستثني من شروط الجنسية من يرى تكليفه لضرورات المصلحة العامة”، وهو يفتح الباب أمام إيران التي بدأت تتغلغل في المؤسسات السورية، وخصوصاً الدينية بإنشائها المدارس والجامعات الدينية، بل حتى جامعات دمشق نفسها، بعد أن عينت في “جامعة دمشق” معيداً إيرانياً في كلية الإعلام بجامعة دمشق قبل عام تقريباً، بحجة نقص الكادر التدريسي.

ولعل النظام حاول “استنساخ” التجربة المصرية، إبان خطاب الانقلاب الذي تلاه عبد الفتاح السيسي عام 2013، برفقة وزير الأوقاف وعدد من رجال الدين المسيحيين، فكرس المرسوم هذا النوع لكسب التأييد في المادة السادسة منه بأن “يشكل المجلس العلمي الفقهي الاعلى، برئاسة الوزير وعضوية المفتي ومعاوني الوزير ومستشاريه وشخصيات وهيئات دينية تضم ممثلين عن المذاهب كافةً، وممثلون عن الطوائف المسيحية كافةً، تتم تسميتهم من قبل البطاركة عند مناقشة الأمور المشتركة بين الأديان وما يتعلق بتعزيز الوحدة الوطنية”، في مقابل تحجيم دور مفتي الجمهورية وتحويله لموظف يعينه الوزير لمدة 3 سنوات.

وبحسب خبراء القانون، لا يتضمن مشروع القانون أية إشارة إلى أن عمل وزارة الأوقاف وبعض إداراتها يمكن أن تخضع في أية حالة لرقابة أو مراجعة أو تدقيق من أية سلطة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية، فُصبح الوزارة كياناً كبيراً محكم الأبواب، وبذلك انحاز النظام لتشكيل تحالف ديني مع وزارة الأوقاف القادرة من خلال أدواتها المتمثلة في الشعب الوقفية المنتشرة في الوحدات الإدارية لكل منطقة على تشكيل قاعدة شعبية باسم الدين، وبالتالي فرض رقابة أمنية مضاعفة.

في مقابل ذلك، نرى رأياً مخالفاً حول هذا المرسوم، وتعتبر أن النظام يتحكم بالقوانين بمرونة وفقاً لمصالحه، وحسب الظروف، فلوحظ بعد سنوات من الحرب، أن النظام سمح بوجود فئات جديدة بالمجمتع “كالملحدين، والمثليين”، وظهروا من قلب العاصمة دمشق وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن القوانين السورية “المدنية” تحرم الإلحاد والمثلية، وبذلك قدم النظام نفسه كدولة علمانية للغرب، يحمي الأقليات، ويحذر من أن البديل سيكون “المتشددين دينياً”، بعد إطلاقه سراح لآلاف المعتقلين على خلفية دينية من سجونه في العفو الرئاسي الذي صدر عام 2011.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.