واشنطن بوست: مُجنِّد منفذي هجمات 11 أيلول في سجن تابع لقسد بسوريا

واشنطن بوست: مُجنِّد منفذي هجمات 11 أيلول في سجن تابع لقسد بسوريا

نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية تفاصيل عن مقابلةٍ أجرتها مع محمد حيدر زمار، الذي وصفته بأنه لعب دوراً مهماً في أحد أكبر الأحداث التي شهدها التاريخ الأمريكي، حيث قام بتجنيد خاطفي الطائرات الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2001 والتي أسفرت عن مقتل 2900 شخص ودفعت بالولايات المتحدة إلى صراع غير متناهي في مواجهة الإرهاب. فبعد رحلةٍ “ملحمية” نقلته من معسكرات القاعدة في أفغانستان إلى ساحات القتال التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، سلّمزمار البالغ من العمر 57 عاماً نفسه إلى نقطة تفتيش صحراوية تديرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ليتم نسيانه في زنزانة نائية في سجن خارج مدينة القامشلي في أقصى شمال شرق سوريا. حيث كان فارّاً من تنظيم الدولة الإسلامية مصاباً بجروح فيركبتيه أثقلت مشيته، كما كانت لحيته الطويلة تعجّ بالقمل. وبعد أن عرّف عن نفسه،بدأت عمليات البحث حتى تم التأكد من هويته.

المقابلة التي أجرتها الواشنطن بوست بحضور حراس من قسد هي الأولى له مع مؤسسة إخبارية أمريكية منذ عام 2001. وقد روى زمار، المعروف بكثرة كلامه، خلالها رحلة حياته الاستثنائية من بداياتها في مخيمات القاعدة في أفغانستان إلى ساحات القتال في الدولة الإسلامية في سوريا، بعد عملية تسليم مشتبه في أنها تمت بأمر من وكالة الاستخبارات المركزية. وتحدّث زمار خلال المقابلة موضحاً أنه يحملالجنسيتين السورية والألمانية، وأنه انتقل للعيش في ألمانيا مع أسرته في سن العاشرة، وكانت بداياته في التطرف في محاولته دخول سوريا عبر الأردن عام 1982 للمشاركة في الصراع المسلح إلى جانب الإخوان المسلمين في حربهم ضدّ عائلة الأسدالحاكمة. إلا أن السلطات الأردنية منعته من دخول سوريا ليلتقي خلال تلك الرحلة بالشخص الذي لعب دوراً كبيراً في بناء مستقبله، وهو محمد البهائية، المعروف باسم أبو خالد السوري، والذي لعب دوراً رئيسياً في الحرب السورية. وبدعوة منه قام زمار بأولى زياراته إلى أفغانستان لتلقي التدريب العسكري ليصبح من ضمن دائرة المتشددين المتوجهين إلى أفغانستان بشكلٍ منتظم. وقد تطوع للمشاركة مع مقاتلي القاعدة في حرب البوسنة. وفي تلك الأثناء طوّر زمار دائرة أتباعه في مسجد القدس في مدينة هامبورغ الألمانية، حيث كان محاضراً في المسجد يحث الشباب المسلم على أداء واجبهم في الجهاد. فأصبح نقطة جذب للشباب المسلمين في المدينة، ساعياً إلى إقناعهم بأجر الجهاد نيابةً عن المسلمين في جميع أنحاء العالم, والسفر إلى أفغانستان لتلقي التدريبات العسكرية.

وقد تحدّث زمار عن نفسه مطولاً وعن دوره في إقناع خاطفي الطائرات “في 11 سبتمبر ” بالسفر إلى أفغانستان لتلقي التدريب العسكري لتنفيذ عمليات ضد الولايات المتحدة التي يعتبرها ارتكبت مظالم شديدة في حق المسلمين. وبحسب الصحيفة، فإن قصته تشير إلى استمرار التهديد الإرهابي الذي مايزال يواجه الولايات المتحدة الأمريكية من قبل مجموعة من المقاتلين الإسلاميين المعمّرين والذين بلغوا سن رشدهم في مدارس أسامة بن لادن.  وقد استطاع زمار تشكيل خلية هامبورغ التي كان أول أعضائها اليمني رمزي بن الشيبة، والمعتقل اليوم في خليج غوانتانامو للاشتباه في تورطه في مخطط 11 سبتمبر. والتقى بعدها محمد عطا، قائد أولى الطائرتين المختطفتين اللتان ضربتا برجي مركز التجارة العالمي. ثم تبعهم الإماراتي مروان الشحي والذي قاد الطائرة التي استهدفت البرج الثاني. ثم اللبناني زياد سمير جرّاح الذي قاد الطائرة التي تحطمت في حقل بنسلفانيا بعد أن تمكن الركاب من التغلب على الخاطفين. وأربعة آخرين تمكن زمار من إقناعهم بالسفر إلى أفغانستان. وعن جهوده في إقناعهم, يقول زمار: “لم يكن الأمر سهلاً، فقد استغرق بعض الوقت. لقد كانوايدرسون في الجامعة. وكنت أخبرهم بأن أحدهم سوف يهاجمك، أو يتعدى على شرفكم أو ممتلكاتهم، بينما ليست لديكم القدرة حتى على استخدام مسدس. ليس هناك بلدٌ في العالم بلا جيش للدفاع عن نفسه، بينما نحن المسلمين لم نفعل ذلك”.

وأثارت الرحلات المتكررة لزمار شكوك السلطات الألمانية،فنبّهت وكالة المخابرات المركزية وبدأت بمراقبة تحركاته واتصالاته. وبحسب المحققين، قام زمار بزيارة أفغانستان في أواخر عام 1999 ليلتقي عطا وأعضاء آخرين في خلية هامبورغ (في زيارته الأولى للبلاد) واقترح عليهم تحطيم الطائرات في المباني الأمريكية. إلا أن زمار نفى أن يكون قد اتصل بهم وأكد بأن توقيت زيارته جاء مصادفة في وقت تواجدهم في أفغانستان. ويذكر أن زيارته تلك أثمرت عن لقائه الوحيد بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وأنه لم يتم أي تواصل آخر بينه وبين بن لادن أو عطاء أو غيره، وأنه تفاجأ مثل أي شخص عند وقوع الهجمات، نافياً معرفته المسبقة بالهجمات فيقول: “الله يعرف، وبكل أمانة، لم أكن أعلم أي شيء عن ضربات 11 سبتمبر، لم يخبرني بأي شيء”. وقد توصلت السلطات الألمانية إلى ذلك الاستنتاج بحسب جويدوشتاينبيرغ، الذي حقق في تورط زمار في الهجمات نيابة عن الحكومة الألمانية. وقد أوضح التحقيق الألماني أن أعضاء خلية هامبورغ كانوا يشكون بأمر زمار. حيث يقول شتاينبيرغ: “لقد وجدنا أن جواز سفره مليء بالأختام السورية. أعضاء خلية هامبورغ لم يثقوا به، كان هناك كلامٌ يفيد بأنه ربما يعمل من أجل السوريين”. كما لم يتوصل المحققون الأمريكيون إلى استنتاج قاطع بتورط زمار في الهجمات. وبحسب عليصوفان, عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي, فإن هؤلاء الأشخاص الذين يتحدثونكثيراً عادةً ما لا يحصلون على معلومات مسبقة، كما أنه من المحتمل أنه كان على علم مسبق بالهجمات. في حين رفضت وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي والجيش الأمريكي ووزارة العدل الأمريكية التعليق على قضيته.

ويشير التقرير إلى أن هجمات 11 سبتمبر سلطت الضوء لبعض الوقت على زمار، فقد استجوبته السلطات الألمانية، وكان الصحفيون يتبعونه لإجراء مقابلات معه. وقد غاب عن الأنظار بعد ثلاثة أشهر من الهجمات. وخلال زيارته للمغربألقت الشرطة المغربية القبض عليه ورحّلته إلى سوريا. وأفادت وكالة المخابرات المركزية في ذلك الوقت أنها لعبت دوراً في إلقاء القبض عليه وترحيله، إلا أن زمار يؤكد عدم تذكره حصول أي لقاء مع الأمريكان خلال تلك العملية. وقضى زمار السنوات الاثنتي عشر التالية في سجن صيدنايا خارج دمشق، تعرض خلالها للتعذيب والاحتجاز في السجن الانفرادي لعدة أشهر. وفي عام 2008 حكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً ليس بسبب ارتباطه بتنظيم القاعدة، إنما بسبب انتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين والتي يعودتاريخها إلى محاولته الالتحاق بأحداث عام 1982. وفي عام 2013 أطلق سراحه إلى جانب ستة إسلاميين آخرين في عملية تبادل لأسرى ضباط الجيش السوري، حيث تم التفاوض بشأنه من قبل صديقه القديم أبو خالد السوري الذي انتقل إلى سوريا ليصبح شخصية قيادية في جماعة أحرار الشام السلفية المعارضة، ليلقى حتفه بعد عامٍ في تفجير يشتبه أن تنظيم داعش يقف وراءه.

وانضم زمار فور إطلاق سراحه إلى تنظيم الدولة الإسلامية المشكلة حديثاً. فقد كان التقى العديد من قادة التنظيم في السجن، والذين أفرجت عنهم الحكومة السورية في عمليات تبادل سابقة للسجناء. إلا أنه ينفي قيامه بأي دورٍبارز في التنظيم, مشيراً إلى أن هؤلاء الأصدقاء ساعدوه في الحصول على وظائف بسيطة في إدارات الدولة الإسلامية تراوحت بين توفير الطعام للحشود وتسوية الخلافات والنزاعات المحلية والإشراف على تنظيف المرافق. ومع استمرار عمليات التحالف ضد الدولة الإسلامية في المناطق الواسعة التي كانت تسيطر عليها في سوريا والعراق،تحرّك زمار مع المقاتلين متفادياً الغارات الجوية الأمريكية. وعندما كان خارج قرية درنج في ريف محافظة دير الزور مع زوجته، قرر الاستسلام لقوات سوريا الديمقراطية القريبة.

وتختم الواشنطن بوست بالإشارة إلى رغبة زمار في العودة إلى ألمانيا ليجتمع بزوجته الأولى التي لم يرها منذ عام 2001. لكن الحكومة الألمانية لم تبدي أي اهتمام باستعادة أي من المقاتلين الألمان الذين انضموا للقتال إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية والمحتجزين اليوم لدى قسد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.