جدل حول تعديلات قانون الأحوال الشخصيّة… هل أنصفت المرأة السورية بالفعل؟

جدل حول تعديلات قانون الأحوال الشخصيّة… هل أنصفت المرأة السورية بالفعل؟

(الحل) – حقوق المرأة في القوانين السورية لا تزال محط كثير من النقد في كونها تمييزية ولا تواكب مثيلاتها في كثير من دول العالم المتحضر، ولا حتى المستجدات الحاصلة في الوضع السوري والأدوار الجديدة التي لعبتها المرأة السورية خاصة في زمن الحرب.

وتأتي التعديلات الحاصلة على قانون الأحوال الشخصية وفقًا للقانون الرئاسي رقم 4 لعام 2019، الذي أُصدر في العاشر من شباط الحالي، لتفتح الباب مجددًا أمام النقاش حول نظرة القانون السوري للمرأة وحقوقها.

ورغم أن التعديلات طالت عددًا كبيرًا من المواد التي تتعلق بقضايا المرأة والطفل، إلا أن اختلافًا كبيرًا بين مؤيد لها ومدافع عنها ساد المشهد السوري.

فبينما رآها البعض نقطة بداية للتغير في طريق حصول المرأة على حقوقها ومساواتها بالرجل، رآها آخرون غير كافية لإنصاف المرأة والطفل مطالبين بتعديلات جذرية على القانون الحالي.

تباين في ردود الفعل
الناشطة المعارضة والكاتبة ريما فليحان، اعتبرت في تعليق لها على صفحتها في موقع “فيس بوك” أن التعديلات التي تمت في قانون الأحوال الشخصية خطوة إيجابية صغيرة لكنها غير كافية، مشيرة إلى أن المطلوب هنا هو قانون أسرة مدني عصري يساوي بين المواطنين والمواطنات.
وبيّنت أن هناك قوانين يجب أن ترافق مثل تلك التعديلات خاصة فيما يتعلق بالعنف الأسري، وقانون العقوبات وأصول المحاكمات، بهدف تحقيق المساواة بين الجنسين والتوافق مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان دون تحفظات.

https://www.facebook.com/rima.flihan/posts/10218853551309055

المحامي عارف الشعال انتقد من جانبه السرعة التي أُقرّ بها تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يُعد واحدًا من أهم القوانين المرتبطة مباشرة بحياة الناس، وتساءل الشعال كيف ناقش مجلس الشعب بجلسة واحدة لا تتجاوز ساعتين أو ثلاثًا سبعون مادة وهو ما يمثل حوالي ثلث مواد القانون؟ كما انتقد عدم فسح المجال أمام الناس والقوى المجتمعية لمناقشة أهم قانون يتناول حياتهم الخاصة والشخصية وإبداء رأيهم فيه.

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2118170281599313&id=100002190846476

الباحث حسان عباس اعتبر أن القانون الجديد يحتاج إلى دراسة قانونية تفصيلية بعقلية مواطنية، لأن الكثير من تعديلاته تكرّس اللامساواة وتؤكد انتقاص المواطنة، بحسب تعبيره.

https://www.facebook.com/hassan.abbas.988/posts/2076332879113087

الصحفي بلال سليطن عبر عن خيبة أمله تجاه التعديلات التي لم تتعدَّ برأيه إضافة بعض الكلمات، معتبرًا أنه وبعد 65 عامًا من وضع قانون الأحوال الشخصية بات القانون يتطلب تغييرًا جذريًا.

https://www.facebook.com/belal.slyten.5/posts/2016723481728315

علي طراف مسؤول المكتب الإعلامي في “بصمة شباب سوريا” اعتبر أن التعديلات تصب في مصلحة المرأة وأنها خطوة إيجابية لتحصين الزواج وبناء الأسرة والمجتمع، على أمل أن يصل سن الزواج إلى 20 سنة وأن يُقر الزواج المدني.

https://www.facebook.com/Ali.tarraf7777/posts/2258266950871723

معالجة التمييز ضد المرأة
وتروّج الحكومة السورية إلى أن التعديلات جاءت لتعالج التمييز ضد المرأة ولإعطائها مساحة أوسع في بعض الجوانب، وهو ما صرح به رئيس قسم الأحوال الشخصية في كلية الشريعة بدمشق، محمد حسان عوض، لصحيفة “الوطن” بعد الانتهاء من صياغة التعديل، في الثاني من شهر شباط الحالي.

إذ أعلن أن من بين القضايا التي تم العمل عليها معالجة التمييز ضد المرأة الموجود في القانون الحالي، والسبب الرئيسي للزواج العرفي.

وبيّن عوض أن مشروع القانون الحالي أعطى الولاية للمرأة بعد انتهاء العصبات من الذكور على القاصر، وفي حال عدم وجود الأم تنتقل الولاية للقاضي، وذلك بعد أن كانت الولاية تنتقل للقاضي وهو من يعطي الوصاية للأم قبل تعديل القانون، وبذلك تكون الأم ولية بحكم القانون والولاية أقوى من الوصاية.

وأشار إلى أنه تمت إضافة عدة أحكام شرعية لمشروع القانون الجديد، والتي تنصف المرأة لتصبح نصوص قانونية، بعد أن كانت تطبق باجتهادات محكمة النقض دون أن يكون منصوص عليها في القانون.

ولفت إلى أن التعديلات تتضمن بعض الجوانب الإجرائية تبعًا لمتطلبات القضاة فيما يخص تسهيل عمليات الزواج والطلاق وبعض دعاوى التفريق وجوانب مختلفة أخرى.

واعتبر عوض أن هذه التعديلات جاءت استجابة للأصوات والنداءات التي أطلقتها مؤسسات مدنية وهيئات اجتماعية في سوريا.
انتقادات كثيرة

لكن حقوقيين وجهات مدافعة عن حقوق النساء عبروا عن خيبة أملهم من التعديلات التي وصفوها بأنها “غير منصفة” للمرأة والطفل، خاصة فيما يتعلق بموضوع الأهلية للزواج والطلاق وحضانة الأولاد والنفقة والوصاية والإرث، إلى جانب استمرار القانون في تغاضيه عن ذكر المرأة العاملة، وتناقضه مع الدستور والقانون المدني في مسألة اعتبار المرأة مواطنًا كامل الأهلية.

الناشطة السياسية والنسوية، ومؤسسة ومديرة منظمة “مساواة/مركز دراسات المرأة”، مية الرحبي، اعتبرت أن التعديلات غير منصفة إطلاقًا للمرأة ولم تغير أي شيء في جوهر قانون الأحوال الشخصية القائم على قوامة الرجل، والذي يعتبر المرأة مواطنًا غير كامل الأهلية ولا يتمتع بكافة حقوقه وواجباته.

وأشارت في حديثها للحل أن هذه التعديلات لا تتناسب مع دور المرأة إطلاقًا لأن المرأة نصف المجتمع وهي بحكم المادة 33 من الدستور مواطن متساوٍ في الحقوق والواجبات مع جميع المواطنين في الدولة السورية، أما في قانون الأحوال الشخصية فهي لا تعتبر مواطِنة مواطَنة كاملة لأنها لا تملك بعد سن 18 ـ كما يُقر الدستورـ كل حقوق المواطنة الكاملة في حرية الزواج والسفر والإرث وغيرها من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها جميع المواطنين على قدم المساواة.

وترى الرحبي أن جميع مواد قانون الأحوال الشخصية تعتبر مجحفة بحق المرأة، سواء منها المتعلقة بمرحلة ما قبل الزواج، أو سن الزواج، أو حقوق الزوجة داخل المؤسسة الزوجية، أو في حال انفصال عرى المؤسسة الزوجية بما في ذلك مسألة الحضانة والولاية والوصاية.

كما أن الأهم من ذلك أن حقوق الأطفال ـ داخل المؤسسة الزوجية أو في حال الطلاق أو في حال وفاة الزوج ـ هي أيضًا غير مصانة على الإطلاق، إذ أن القانون لا يعير اهتمامًا لا لحقوق المرأة ولا لحقوق الطفل، ولا لحقوق الرجل في بعض الأحيان والذي يكلفه بنفقات المؤسسة الزوجية ككل ويحق للمرأة طلب الطلاق بعد ثلاثة أشهر إذا توقف عن الإنفاق على المنزل الزوجي.
تعديلات لا تتناسب مع العصر

وترى الرحبي أن مفهوم الحياة الزوجية بالنسبة للمشرع لم يتغير قبل التعديل وبعده،
فهو يعتبر أن المرأة سلعة يشتريها الرجل بالمهر ومن واجبها طاعته ومن واجبه الإنفاق، وحدود فهم الحياة المشتركة لديه يقتصر على أن مهمة المرأة فقط هي متعة الرجل وإنجاب الأولاد، وليس لها سوى الطاعة والرجل عليه الإنفاق، لافتة إلى أن هذا الفهم يتطابق مع قانون مجلة الأحوال الشخصية التي أصدرتها الإدارة العثمانية عام 1917، وهو لا يتناسب مع العصر، ولا مع مكانة المرأة الحالية، كما أنه لا ينسجم مع اتفاقيات حقوق الإنسان، واتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” والتي وقعت عليها الدولة السورية.

الاستفادة من تجارب دول أخرى
وعن مدى تقبل المجتمع السوري لجرأة أكبر في التعديلات بما يعطي حقوقًا أكبر للمرأة، تعتبر الرحبي أن المجتمع لا يتقبل كله أي تغيير نحو التطوير والحداثة، ولكن تشير تجارب دول أخرى كتونس وتركيا، إلى أن التغييرات القانونية تسرّع في التغييرات الاجتماعية، ولذلك لا يجب أن ننتظر المجتمع حتى يتقبل أي تطوير أو تحديث، إنما يمكننا من خلال القوانين تسريع هذا التطوير.

ولو كانت تتمتع سوريا بالديمقراطية ويتمتع مواطنوها بحقوقهم، لأتاح هذا الوضع عندئذ لمؤسسات المجتمع المدني أن تعمل على توعية جميع الشرائح الاجتماعية بأهمية تغيير القوانين، والمساواة الجندرية، وحصول المرأة على حقوقها.

وتطرح الرحبي مثالًا على ذلك التجربة التونسية خلال فترة إعداد الدستور، إذ عملت حينها ممثلات عن الحركة النسوية، وممثلون عن منظمات حقوق الإنسان على تعديل الدستور بما يتناسب مع حقوق المرأة.

حيث نزلت المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان إلى الشوارع وعملت على توعية جميع الشرائح الاجتماعية بأهمية تغيير القانون لصالح النساء من أجل النهوض بالمجتمع، وهو ما يمكن العمل عليه في سوريا عندما نصل إلى مرحلة بناء الدولة المنشودة، بحسب تعبيرها.
صياغة التعديلات جاءت إيجابية

الباحثة وعضو رابطة النساء السوريات صباح حلاق، اعتبرت في معرض حديثها للحل أن بعض التعديلات جاءت منصفة للمرأة، ومنها على سبيل المثال مسألة موافقتها وموافقة الزوج في مسألة سفر الأولاد “فلا يسافر الأب أو الأم إلا بإذن الآخر حفاظاً على مصلحة الطفل”، ومنها أنها تستطيع أخذ الولاية في حال انقرض كل الرجال من عصبة الزوج لأن العصبة عادة تكون للرجال، كما أنه في حال انفصال الزوجين يحسب المهر وفق سعر الذهب أو ما هي قيمته في الوقت الحالي، وذلك إلى جانب اللغة التي صيغت فيها التعديلات والتي أصبحت أفضل، إذ استبدل مصطلح “عقد النكاح” بـ “عقد الزواج”، وتغيرت جملة “تحل له” في الصيغة الشرعية الخاصة بالزواج إلى “يحلان لبعضهما”.

الزواج العرفي وزواج القاصرات في التعديلات
أما فيما يخص معالجة السبب الرئيسي للزواج العرفي وإن كان إلغاء الضريبة على المهر سيحل مشكلة هذا الزواج، اعتبرت حلاق أن القانون يُشرّع الزواج العرفي ويُشجع عليه لأنه يُلزم في حال حصول حمل أو إنجاب أطفال أن يتم تثبيت الزواج، وبالتالي فإن الضريبة على المهر لم تكن هي العائق أبدًا.

كما اعتبرت حلاق أن رفع سن الزواج حتى الـ 18، وسن الإذن بالزواج حتى الـ 15 غير كاف للحد من مشكلة زواج القاصرات في سوريا، بل على العكس من ذلك فالقانون يشرع زواج الأطفال وزواج القاصرات.

شروط المرأة في عقد الزواج
وعن التعديل المتعلق بحق المرأة في وضع الشروط التي تناسبها في عقد الزواج وحقها في الفسخ في حال مخالفة هذه الشروط، أشارت حلاق إلى أن القانون في الأصل يتيح للمرأة أن تضع شروطها، لافتة إلى أنه في عام 2005 عملت “رابطة النساء السوريات” على توضيح الشروط التي يُمكن للنساء أن تضعها، ومنها حقها في العمل وفي إكمال تعليمها وفي ملكيتها الخاصة والتصرف بأموالها، فكل هذه المسائل لها حق فيها وتستطيع اشتراطها، ولا تزال المادة تقول إنه في حال مخالفة الشرط لمواد القانون يُعتبر لاغيًا، وحتى أن هذه الشروط لم تلغِ مسألة تعدد الزوجات ففي حالة الزواج الثاني واشتراط المرأة أن لا يتم الجمع بين زوجتين من الممكن أن يتم التفريق والطلاق بينهما، فالشروط هي نفسها كانت موجودة قبل التعديل لكن النقطة الإيجابية الآن أن الناس أصبحوا يعرفون أنه من حق المرأة أن تضع هذه الشروط.
تناقض فيما يخص حقوق الطفل

وإضافة لما سبق تعتبر حلاق أن مسألة حضانة الأطفال لا تزال شائكة، وما زالت النظرة إليها ليست لمصلحة الطفل الفضلى.
إذ ُيفترض أن تتواجد لجنة من اختصاصيين نفسيين وقانونيين واجتماعيين واقتصاديين، تنظر في مصلحة الأطفال إن هي أن يبقوا مع الأم أم مع الأب.

وذلك وفق ما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل والتي صادقت عليها الحكومة السورية ـ وليس لديها تحفظ سوى على جملة خيار الدين ـ ويعتبر كل من هم تحت سن الـ 18 أطفال.

ولفتت حلاق إلى أن التناقض في هذا القانون أصبح أنه في سن الـ 15 ينتقل الطفل إلى الأب مباشرة وليس لهؤلاء الأطفال الخيار، بينما يُقر قانون آخر بأنه يجوز للقاضي تزويج الأطفال في عمر الـ 15 سنة.

فكيف يمكن أن نزوج الأطفال في هذا السن ليبنوا أسرة ولا نعطيهم الحق في الاختيار بين الأم والأب.

حق المرأة في الميراث
وبيّنت حلاق أن التعديل الذي أفضى إلى مساواة أبناء البنت مع أبناء الابن في منحها الوصية الواجبة يعتبر خطوة جيدة، لكن لازال قانون الميراث قائم على مبدأ أنه “للذكر مثل حظ الانثيين”، والأحرى في زمن النزاعات التي شهدتها سوريا على مدار الثمان سنوات الماضية، أن يتم الترويج لمسألة تعويض النساء ـ وخاصة المعيلات منهنّ والأرامل واللاجئات والنازحات ـ في مسكن بغض النظر عن النص القانوني أو النص الشرعي، وهي من الحقوق التي يجب العمل عليها.

الاستفادة من فتح باب الاجتهاد
وسلطت حلاق الضوء على تعديل هام لم يأخذ حقه وهو فتح باب الاجتهاد، إذ كان المرجع الأساسي لقانون الأحوال الشخصية هو المرجع الحنفي ليصبح بعد التعديل المذاهب الأخرى.

(اعتمد قانون الأحوال الشخصية، بصيغته السابقة، على الأحكام الفقهية الواردة في المذاهب الإسلامية، ونص صراحةً على أن “كل ما لم يرد عليه نص في هذا القانون يرجع فيه إلى القول الأرجح في المذهب الحنفي الإسلامي”، مع الإشارة إلى وجود أحكام خاصة تطبق على الموحدين الدروز وعلى أتباع الديانات الأخرى، تكون مستمدة من مذاهبهم المختلفة).

ولفتت حلاق إلى أن مرجعية قانوني الأسرة التونسي والمغربي دينية ولكنها من كل المذاهب، فقد أخذوا أفضل الاجتهادات المقاربة للمساواة، وهو ما علينا الاستفادة منه بعمل مقاربة مع القانونين التونسي والمغربي لتعديل قانون الأحوال الشخصية من المذاهب في مختلف الاجتهادات، ليصبح أقرب إلى المساواة.

وتقترح حلاق أن يتواجد في سوريا قانون مدني للزواج مبني على الشراكة بين المرأة والرجل لبناء أسرة، يكون اختياريًا إلى جانب القوانين التي تحمل مرجعية دينية، إذ أن القوانين التي تكون أسسها مستمدة من الأديان والشرائع والدستور لا تملك المرونة الكافية لإحداث تغييرات جذرية.

إعداد نينار خليفة – تحرير سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.