(الحل) – هذه العبارة المكتوبة على أحد جدران مدينة #درعا، ما هي إلا صورة بسيطة من صور الإجرام الذي يمارسه النظام السوري بحق المعارضين السوريين في المناطق التي تحت سيطرة المعارضة. أنها لا تحمل صيغة المبالغة أو التشبيه بل هي تمثيل حرفي لما يقوم به رجال النظام في الأفرع الأمنية في سوريا.

«مع بدايات الثورة عام 2012، اغتصبني ضابطان في فرع أمن حماة، لم أكن وحدي، كانت هناك امرأة أخرى إلى جانبي. عشرة أيام متتالية من الاغتصاب. في أحدى المرات ربطوا أمامنا رَجلين عراة مقيدي الأيدي والأرجل، ليشاهدوا ما يفعلانه بنا»، تضيف هذه المعتقلة أنها لم تجرؤ على النظر إلى المحتجزَين ولا للحظة من شدة الألم والخزي.

في الفرع الأمني ذاته، أُجبرت النساء على الرقص أو تقديم المشروبات للضباط وهنّ عاريات. في عام 2014، أجبر الحراس المعتقلين الرجال في أحد زنازين فرع الأمن السياسي في دمشق على النظر إلى محتجزة عارية تم جلبها إلى الزنزانة، وطلبوا منهم اغتصابها، ثم شرع الحراس في اغتصاب الفتاة ذاتها على مرأى من كل الحاضرين.

لم ينجُ الرجال أيضاً من هذه الممارسات الوحشية إذ أن أكثر أشكال العنف الجنسي شيوعاً ضد الرجال هو الاغتصاب بواسطة الهراوات والعصي الخشبية والأنابيب والزجاجات، وقد تم تسجيل العديد من هذه الحوادث في فرع المخابرات الجوية في دمشق. وقد تم توثيق حالات أخرى عدّة اغتصب فيها الضباط المعتقلين بأنفسهم، على سبيل المثال لا الحصر ما حدث في أغسطس/ آب 2012 في الفرع 215، إذ تعرض فتى يبلغ من العمر 18 عاماً من درعا للضرب المبرح، ثم تم اغتصابه على يد خمسة ضباط. ولم يتوقفوا حتى نزف الشاب الكثير من الدماء. تعرّض هذا الشاب بعد الحادثة للاغتصاب خمس مرات أخرى خلال شهر واحد، قبل أن يتم نقله إلى فرع أمني آخر.

 

العنف الجنسي… سلاح في الحرب السورية

«اقتحم رجال الميليشيات الموالية للحكومة منزلنا، وقتلوا خمسة رجال من عائلتي» يروي أحد أهالي حي باب عمرو في مدينة حمص «لم يكتفوا بذلك بل أجبروني على مشاهدتهم يغتصبون زوجتي وطفلتيّ، ثم قاموا باغتصابي أمامهن».

وفقًا لتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، ما يزال العنف الجنسي حتى اليوم يستخدم كسلاح حرب في المعتقلات ومناطق المعارضة السورية. معظم الحالات الموثقة تخص المعتقلات النساء لدى النظام، وتشير إلى وجود الكثير من حالات العنف الجنسي ضد الرجال والأطفال أيضاً، إذ تراوحت أعمال العنف بين التحرش الجنسي، تجريد الملابس القسري، التعذيب الجنسي، والاغتصاب.

لا توجد حتى اليوم أرقام واضحة لعدد النساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي في سوريا، وخاصة في المعتقلات، ولكن كل التقارير تؤكد أن العدد بالآلاف، وأن الاغتصاب بشكل خاص قد يتكرر مرات عدّة وقد يكون جماعياً. يستخدم عناصر الأمن السوري العنف الجنسي ضد المعارضين لإجبارهم على الاعتراف يما يوجهونه إليهم من تهم، لانتزاع المعلومات منهم، لمعاقبتهم وإذلالهم، وأخيراً لترويعهم والضغط عليهم.

 

ماذا يعني العنف الجنسي؟

بحسب «البروتوكول الدولي بشأن توثيق العنف الجنسي في الصراع والتحقيق به»، يمكن أن يتخذ العنف الجنسي أشكالاً مختلفة، ولا يقتصر على الاغتصاب، بل يشمل أيّ فعل ذي طبيعة جنسية يرتكب باستخدام القوة؛ أو في ظل ظروف قسرية، ويستهدف الأعضاء؛ أو الوظائف الجنسية لدى الضحية. بمعنى آخر، يشمل العنف الجنسي: ممارسة الجنس قسرياً عن طريق الفم، التهديد بالاغتصاب، التعذيب الجنسي بما في ذلك صعق الأعضاء التناسلية؛ أو قطع الأثداء والإخصاء، أو إجبار الضحايا على مشاهدة أشخاص آخرين يتعرضون للإيذاء الجنسي. كما يعد التعري بشكل قسري أحد أشكال العنف الجنسي أيضاً.

 

جريمة دولية عقوبتها تطال القيادات العليا

تعتبر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي العنف الجنسي جريمة دولية إذا حصل خلال النزاعات المسلحة، وتضعه تحت بند: جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم التعذيب (في بعض الحالات). أيّ أن النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب؛ أو لأيّ شكل من أشكال العنف الجنسي في المعتقلات السورية، يستطعنّ إلى جانب محاسبة المغتصب المباشر في المحاكم الوطنية، أن يرفعنّ الدعاوى على مستوى دولي ضد القيادات العليا المسؤولة عن هؤلاء المغتصبين، ومنهم بشار الأسد ذاته، لمحاسبتهم أيضاَ على هذه الجريمة.

لهذا السبب تهتم العديد من المنظمات الإنسانية بتوثيق شهادات الضحايا لاستخدامها مستقبلاً لإقامة العدل ومعاقبة مرتكبي هذه الأفعال ومن أعطاهم الأوامر؛ أو سهل لهم ارتكابها. بمعنى آخر، ليس من الضروري في جميع الحالات إثبات هوية الشخص الذي قام بهذه الأفعال شخصياً لمعاقبة القيادة المسؤولة عن إعطاء الأوامر.

«من الممارسات الشائعة لكبار الضباط أن يأمروا أتباعهم بالاعتداء الجنسي على النساء والفتيات» يصف أحد الهاربين من فرع الاستخبارات الجوية في حمص ما شاهده هناك عام 2012 «جاء العميد بضابطٍ لديه كان قد أعرب عن اهتمامه بإحدى المعتقلات، قائلاً له: خذها وافعل بها ما تريد».

 

توثيق هذه الجرائم في سوريا ليس أمراً جديداً

قبل بداية الثورة في سوريا، كانت هناك محاولات محدودة عدّة لتوثيق حالات الاغتصاب في السجون السورية، وخاصة سجينات الرأي، على سبيل المثال كتاب «نيغاتيف» للكاتبة السورية «روزا ياسين حسن» والذي تروي من خلاله شهادات المعتقلات السياسيات في السجون السورية، وما تعرضنّ له من تعذيب وعنف جنسي وإهانات. ولكن لا يخفى على أحد أن عدد هذه الحالات أصبح بمئات أو آلاف الأضعاف منذ بداية الثورة وحتى اليوم. ومع ازدياد هذا العدد تزداد أعمال التوثيق، وهنا يجب أن نطرح مجموعة من الأسئلة المهمة، بما أن الهدف من التوثيق استخدامها في المستقبل لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم: هل يتم التوثيق ضمن الشروط والمعايير القانونية الدولية اللازمة؟ هل يتم التعامل مع هؤلاء الضحايا بطريقة تضمن سلامتهم النفسية والجسدية؟ هل يتم أخذ وحفظ الشهادات المقدمة من قبلهم بشكل قانوني سليم؟ أن الإجابة على هذه الأسئلة هي ما سيحدد موثوقية ومصير هذه الشهادات.

 

الخصوصية المستفزة… «وصمة العار»

هناك عوامل عدّة تجعل ضحايا العنف الجنسي بحاجة لاهتمام خاص، خاصة عند وجود نيّة لأخذ شهاداتهن بخصوص ما تعرضن له.

غالباً ما يعتبر المجتمع النساء اللواتي عانين من العنف الجنسي «ضحايا عاجزات» لا حول لهنّ ولا قوة، ويشار إليهن بـ«النساء المغتصبات» كما لو كان ذلك المسمى هو هويتهنّ الأساسية. حتى الأشخاص الذين يعتزمون مساعدة هؤلاء النساء، يلعبون دوراً في المساهمة في وصمهنّ بسبب التركيز فقط على تجربتهنّ مع الاغتصاب؛ أو بسبب تجاهل رغبتهن في الخصوصية أو الحاجة إلى خدمات معينة لا علاقة لها بالعنف الجنسي الذي تعرضن له.

تحدثت الكثير من النساء عن تعرضهنّ بعد الخروج من المعتقلات للطلاق والطرد، أما الفتيات اللواتي لم يسبق لهنّ الزواج فقد فقدنّ الرغبة والأمل بالزواج في المستقبل.

أما في المناطق الأكثر محافظة في سوريا كانت جرائم الشرف هي السائدة. إذ ازدادت نسبة هذه الجرائم بعد عام 2011 لتصل إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه «تبعاً لرئيس غرفة الجنايات في محكمة النقض في دمشق 2016».

في الوقت ذاته، يجب ألا ننسى أن العواقب النفسية للعنف الجنسي حقيقية للغاية. تتعرض الضحايا في كثير من الأحيان ليس فقط لصدمة الاغتصاب، بل أيضاً لصدمة أخرى يسببها الإقصاء من جانب مجتمعاتهم؛ أو أفراد أسرهم.

هناك بعض الحالات التي وصلت للانتحار كما حدث مع (م. ر) التي أقدمت على رمي نفسها أمام أحد القطارات بعد وصولها إلى أوروبا، بسبب استمرار زوجها بإهانتها لما تعرضت له في السجن في سوريا، وإخباره هذه القصة لابنهما ذو العشرة أعوام، والذي قام بتقليد والده بدوره موجهاً الإهانات لأمه.

أما من الناحية الجسدية، فقد تصبح هذه الضحية حاملاً أو قد تتعرض لاغتصاب جماعي يؤدي إلى جروح خطيرة، كما يمكن أن يسبب الاغتصاب الإصابة بأمراض جنسية كالإيدز وغيره.

لكل تلك الأسباب من المهم جداً معاملة هذه النساء بشكل خاص، وتقديم كل الدعم النفسي والصحي لهنّ، دون المساهمة في جعلهن يشعرنّ بالضعف، والعجز أو الخجل.

 

السوريات المعنفات… شجاعة في التوثيق

الكثير من المنظمات الإنسانية تعنى اليوم، بتوثيق حالات العنف الجنسي ضد المرأة في سوريا، على العاملين في هذا المجال معرفة كيفية التعامل مع المعنفات جنسياً كي لا يساهموا دون قصد منهم بزيادة أثر التعنيف. إذ من المهم أولاً التأكد من قدرة الموثق على جعل الضحية تشعر بالراحة الكافية للحديث عما حدث معها، كما يجب التأكد أنها تعرف تماماً كيف سيتم استخدام شهادتها، وما هي حدود الخصوصية التي تتمتع بها.

لقد أظهرت الكثير من السوريات المعنفات شجاعة لا تصدق في التقدم بقصصهنّ للتوثيق، ولكن للأسف تم في بعض الأحيان استغلال هذه القصص بشكل أكبر من السلطات والإعلام؛ أو غيرهم ممن يرغبون في استخدام معاناتهنّ لتحقيق هدف سياسي. وقصص الاغتصاب في سوريا أصبحت في بعض الأحيان أدوات للدعاية، حتى أن بعض الصحفيين دخلوا إلى مخيمات اللاجئين وطلبوا مقابلة «النساء السوريات المغتصبات» متناسين مدى تأثير هذا اللقب عليهنّ اجتماعياً ونفسياً.

على الرغم من كل ذلك، لا ينبغي افتراض أن الضحايا لا يردنّ سرد قصتهنّ، بل ترغب الكثيرات في التحدث عما حدث، ولعب دور في تقديم الجناة إلى العدالة. أما أولئك اللواتي يفضلنّ الصمت فهذا ليس دليلاً على عجزهن؛ أو عدم اهتمامهنّ بل هن فقط خائفات من الانتقام أو من المجتمع، ويفضلن الحفاظ على خصوصيتهن. لذلك ولتشجيع النساء على تقديم شهاداتهنّ، يجب على العاملين والعاملات بالتوثيق أن يتأكدوا أن المعلومات والشهادات التي يتم جمعها تحفظ بسرية، ووفقاً للمعايير الدولية المطلوبة لاستخدامها على مستوى قضائي دولي.

 

المستقبل وهدم جدار الصمت

أخيراً، يجب أن تركز المنظمات الإنسانية والحقوقية على تثقيف النساء السوريات حول حقوقهنّ. من خلال تغيير القوالب النمطية في المجتمعات، كي تتمكن النساء من هدم جدار الصمت وتتخلصنّ من وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بضحايا العنف الجنسي.

فقط في بلدان العالم الثالث، عندما يتم احتجاز أحد الأبناء يقول الجميع لوالديه كم عليهما الافتخار به  «الحبس للرجال»، أما إذا كانت المعتقلة امرأة يبدأ الهمس حولها- وحول أهلها- رغم كونها الضحية لا الجاني. نحن بحاجة إلى تغيير الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى هؤلاء النساء، وهذا لن يتم إلا بتشجيعهنّ على الإدلاء بشهاداتهن دون خوف، وفتح الباب لهنّ للمشاركة بتجريم الفاعل ومعاقبته. حينها فقط ستتحول المرأة من عنصر صامت مستقبِل إلى كيان فاعل منتج مؤثر.

التجربة النسائية بين صفوف المعارضة السياسية، وفي المعتقلات السورية، تجربة فريدة يجب أن توثق، ليس فقط لأسباب حقوقية؛ أو قضائية، بل أيضاً لأسباب إنسانية، فمن حق الأجيال القادمة أن تعرف ما عانته المرأة السورية على يد النظام المجرم، وكيف استطاعت رغم الألم النفسي والجسدي ورغم الضغط الاجتماعي أن تروي حكايتها وتساهم في إنزال العقوبة الملائمة لهؤلاء الجناة.

 

إعداد: حنين اليوسف – تحرير: معتصم الطويل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.