الرقة (الحل) – الفقر والحاجة دفعا «إسماعيل» إلى امتهان العديد من المهن، بل أنه قد انتسب في وقت سابق إلى تنظيم الدولة الإسلامية، للسبب ذاته بالإضافة إلى الخوف من الخلاص منه واعتقاله في حال لم ينضم لهم كما الآلاف من شباب الرقة الذين لم تسنح لهم الفرصة بالهجرة والهروب، والآن وبعد مرور سنة من القضاء على التنظيم في المدينة، تركهم، وانضم لصفوف قوات سوريا الديمقراطية، بعد مراجعة للأعمال التي قام بها وهو في صفوف التنظيم.

هذه حال إسماعيل الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، والذي تحدث لموقع «الحل» عن حياته ووضعه المعيشي: «لقد كنت أعمل في إحدى ورش البلاط قبل سبع سنوات، وكانت هذه مهنتي التي أكسب من خلالها لقمة عيشي، وفي بداية سيطرة الجيش الحر على الرقة أصبح معظم من اعرفهم ينتسبون لفصائل الجيش الحر والتي تجاوزت فصائلها العشرات».

الشباب بين التخبط والحيرة

يتابع الشاب الذي يجد نفسه أحد ضحايا هذه الحرب، أن «الكثير من معارفي ممن هم ينتسبون لهذا الفصيل؛ أو ذاك أغروني بالانضمام إليهم سواء بالسلطة للفصيل في المدينة أو الراتب أو السيارة …إلخ من تلك الإغراءات التي كانت تجذب أيّ شب في عمري». مضيفاً «ولكنني على الرغم من ذلك أبيت الانضمام لهم كون عملي ما زال مستمراً، وإن كان بشكل ضعيف جدا، كذلك ملبياً رغبة والدي بعدم الانخراط في هذه الفصائل».

بعد سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» على مدينة الرقة 2014، وتصفية جميع الفصائل الموجودة أما بالانضمام للتنظيم أو الانحلال والخروج من المدينة، لم يعد هناك من مفرّ، يتابع إسماعيل حديثه: «بعد سيطرة التنظيم على الرقة، قررت الانضمام له رغبة مني في السلطة التي كانت تعطى لعناصر التنظيم، وكذلك طمعا بالراتب المادي الذي أصبحت بأمس الحاجة له، كما أنني تعمقت في أفكار التنظيم الدينية، وتدرجت إلى أن تطوعت في «دار الحسبة» في منطقة الحمرات في الرقة.

كانت الحسبة تتمتع بسلطة كبيرة على عوام الشعب، فقد كان الناس بمجرد رؤية «فان الحسبة» تتخبط حتى خطواتهم وخاصة النساء خوفاً من اعتقالهم ومعاقبتهم لأبسط سبب، وكنت أتقاضى راتبا يقارب 250 دولاراً في الشهر مع سلطة نافذة في المنطقة.

الانسحاب الضروري

ولكن، وبعد اندحار الدولة الإسلامية «داعش» من الرقة، كنت قبلها بفترة من الوقت قد هربت إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، مع اشتداد المعارك وفرار العديد من العناصر بعدها سجنت لمدة 20 يوماً تقريباً بعد تقرير من أحد الأشخاص الذين كانوا يعرفونني أيام «الحسبة» السوداء.

أثناء ذلك قررت الخروج مع عائلتي من الرقة واستقرينا في مخيم عين عيسى، ومع طول الحالة قررت الانضمام إلى قوات سوريا الديمقراطية، وقد تطوعت تحت راية «قسد» وكان قد فعل ذلك المئات من الشبان، والذين كانوا منتسبين سابقاً لتنظيم الدولة رغماً عنهم، والغريب في الأمر أن هذا الانتساب يتم بيسر وسهولة ودون تعقيدات فقط بإجراءات بسيطة، ولعلّ السبب لأن الجميع يعرفون بعضهم.

في بداية الأمر كان وظيفته الوقوف على أحد الحواجز في شمال المدينة، يعترف «إسماعيل» هنا قائلاً: «للمفارقة كان يمر على الحواجز العديد من الأشخاص الذين كنت أنا من جرهم إلى (فان الحسبة) وأحيانا لأسباب بسيطة جداً، ومع ذلك لم أتعرض للمضايقة أو الإهانة من أحد».

الخوف من الانتقام شعور دائم

بعد تحرير منطقة الحمرات عاد مع أسرته إلى قريته، إلا أنه ولشدة المضايقات من أهالي المنطقة أجبرته على الخروج، وطلب نقله إلى المدينة خوفاً من أهالي المنطقة الذين أكثروا عليه الوعيد والتهديد بسبب الأفعال التي ارتكبها أيام «الحسبة» وبأوامر من الأخوة في تنظيم «داعش».

يقول «إسماعيل» في ذلك: «إنني لا ألوم هؤلاء الناس، لأننا أذقناهم الكثير من الخوف، لقد سجنا الكثير منهم لأسباب بسيطة بل أن بعض الأشخاص كانوا يهينون شخصا إرضاءً لغاية في نفسه أو ربما تصفية حساب قديم بينهما».

التلون مع كل مرحلة 

أما «حمود» الذي يبلغ من العمر 47 عاماً، والذي انتسب لفصيل  «أحرار الشام» الذي كان فصيلاً له ثقله في المدينة، كان هدفه في ذلك طمعاً في كسب الأموال، والسيطرة على أراض وممتلكات تركها أهلها، وخرجوا من المدينة وخاصة من الموالين للنظام.

هو نفسه الذي كان يعمل فلاحاً لقطعة أرض صغيرة، وأملاكا للدولة في الأصل. وبعد سيطرة الدولة الإسلامية «داعش» انتسب ابنه الأكبر «محمد» للتنظيم لكي يبقى له نفوذه المزعوم ليتسلط على الفقراء ممن لا حول لهم ولا قوة؛ بل أنه قد زوج ابنته لأحد «الأخوة المهاجرين» كي يقوى نفوذه، ألا أنه وبعد مرور أشهر عدّة قتل زوج ابنته بضربة لطيران التحالف على المدينة فخسر بذلك داعمه الرئيس.

الفراغ يخلق كل غريب ومريب

شكلت هذه الفترات والفصائل التي مرت على مدينة الرقة، شتاتا لأهلها وغياباً للضوابط والعادات والقيم التي تربى عليها هذا المجتمع الرقاوي ريفاً ومدينة،  كما أن الفراغ الذي يعاني منه أهالي المدينة وخاصة الشباب، شكّل هوّة كبيرة وجرّت الكثير نحو الأسوأ، وما تزال هذه القصص والمآسي في ذاكرة الجميع، وهم يحاولون العودة بمدينتهم كما كانت لتعيد لها الحياة والفرح، ويعود أبنائها لمقاعد العلم والعمل والدراسة بدلاً عن العسكرة والسلاح، وقتل هذا الفراغ المريب الذي نال منهم.

 

إعداد: خالد أمين – تحرير: معتصم الطويل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.