زياد أحمد علي- أربيل

اتخذت الحكومة العراقية بعض الإجراءات لاحتواء ردود أفعال الجماهير إثر حادثة العبّارة التي راح ضحيتها أكثر من 120 شخصاً، أغلبهم من النساء والأطفال، وقد نعت بعضهم تلك الإجراءات بأنها إسعافية لكنها غيرُ كافية لإيجاد حلٍّ حاسم لمشكلات تلك المحافظة، وهي مشكلات تأخذ أبعاداً سياسية أكثر من أية أبعاد أُخرى، بحسب التعبير الساري بين معظم سكانها.

تمثلت تلك الإجراءات في إقالة محافظ نينوى نوفل العاكوب ونائبيه، إثر تصويت مجلس النواب العراقي بالأغلبية على ذلك القرار، إضافة إلى الأمر الذي أصدره رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي، القاضي بتعيين مزاحم الخياط بصفةِ حاكم مدني للمحافظة، يترأس خلية الأزمة لمتابعة المستجدات وتسيير شؤون المحافظة إلى حينِ تنصيب محافظ جديد ونائبين له، لتنتهي مهمة تلك الخليَّة وتُحلَّ عقبَ ذلك مباشرة.

وتخلل تلك الإجراءات أيضاً مبادرة زيارة رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي لمدينة الموصل، كذلك متابعة ملف التحقيقات الخاصة بالعبّارة التي غرقت، وإثارة موضوع فتح “ملفات مكافحة الفساد والفاسدين”.

غزوان داوودي عضو مجلس محافظة نينوى والممثل عن أقلية الشَّبَك- أرشيفية

لكن تطورات الأحداث كشفت أن الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لم تخفف من حدة حالة الاحتقان التي لا تزال متواصلة، ولم يقتصر الأمر على الاحتجاج فحسب، بل تجاوز ذلك إلى المطالبة بـ”إعادة إعمار الموصل”، كما أن تلك الإجراءات لم تكن مقبولة عند بعض الأطراف السياسية والإدارية.

في هذا المجال لم تكتفِ بعض الأطراف السياسية والإدارية ومن بينها أعضاء من مجلس النواب بموقف التأييد لتلك الإجراءات والقرارات، بل دعا بعض تلك الأطراف إلى استجواب المحافظ المُقال “بتهمة هدر المال العام” على النحو الذي تمثل في بيانٍ صدر يوم السبت الماضي، ونُسب إلى رئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم الذي أكد أيضاً على “محاسبة المقصرين بشدة” في ما يتعلق بموضوع العبّارة التي غرقت، إضافة إلى تفعيل الدور الرقابي للجنة النيابية الخاصة بالتحقيق في مختلف الموضوعات المتعلقة بهذه المحافظة، ومنها “محاربة الفساد والفاسدين”.

في السياق ذاته، ورداً على تلك الأطراف،  قال عضو مجلس محافظة نينوى والممثل عن أقلية الشَّبَك، غزوان داوودي، لـ (الحلّ العراق) إن “قرار إقالة محافظ نينوى كان قد صدر عن مجلس المحافظة منذ عام، وأن فتح هذه الملفات جاء عقب حادثة العبّارة بيوم واحد، وقبل ذلك كان المحافظ قد عاد إلى منصبه بقرار إداري من بغداد دون الأخذ بعين الاعتبار ما كان قد صدر عن مجلس المحافظة حينها”.

داوودي أضاف “إن نائبي المحافظ لم يكن لهما أي ذنب بل كانا ضحية القرار القاضي بإقالتهما أيضاً”.

موضحاً أن النائبين “لم يكن لديهما أية صلاحيات يمكن أن تنجم عنها مثل هذا القرار” الذي وسمه داوودي بأنه “مسيّس وأن هناك أجندات لدى جهات ضمن مجلس النواب كانت تهدف إلى إبعادهما كما تهدف إلى حلّ مجلس المحافظة لخلق حالة من الفراغ تسنح لهم فرصة مناسبة لتنصيب محافظ جديد موالٍ لتلك الجهات التي ترغب في العودة إلى حكم الموصل” مشيراً بالاسم إلى بعض تلك الجهات والاشخاص.

أكّد ممثل (الشبك) في مجلس محافظة نينوى أن “الغاية من هذه العملية كلها هي العودة إلى المربع الأول، بحجة المظاهرات وما ينجم عنها وعن الأوضاع الأخيرة من تبعات”.

لافتاً أنه “إذا استمعت الحكومة المركزية إلى أعضاء مجلس النواب بهذه الطريقة، فإن الأمور قد تتجه نحو التأزم بصورة أكبر، مما ينعكس سلباً على عمل مجلس المحافظة أو الوصول بهذا المجلس إلى أن يُحلَّ”.

مبيناً أنْ “لا فائدة من حلّ مجلس المحافظة” في إشارة إلى استغلال الأوضاع الراهنة في محافظة نينوى “لتمرير أجندات تخدم سياسات ومصالح تلك الجهات المستفيدة من حلّ مجلس المحافظة”.

وتشير التطورات الميدانية والمواقف المختلفة والمتضاربة في هذه المحافظة إلى أن الإجراءات الإسعافية التي اتخذتها الحكومة العراقية لم تنجح في حسم المشكلات التي لا تزال عالقة، بل يسعى كلُّ طرفٍ سياسي إلى الاستفادة من الفرص المناسبة لتحقيق مكاسب إدارية وسياسية ترى شريحة من المواطنين أنها، بجميع الأحوال، لا تدخل في إطار خدمة قضاياهم المصيرية في هذه المحافظة التي لم تلبث أن التقطت بعض أنفاسها بعد الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش، حتى وجد سكانها أنفسهم أمام كمٍّ هائل من المصاعب والمشكلات التي تمثلت إحداها في حادثة العبّارة، فضلاً عن المخاوف من احتمال حدوث كارثة جديدة بانهيار جسر السويس في تلك المحافظة.

في ظلّ هذه التراكمات من المشكلات المتأزمة والقضايا، يرى المتابعون لأوضاع محافظة نينوى ممن لهم صلة مباشرة مع الناس هناك، واطّلاع ميداني على أحوالهم، أن ثَمّةَ شبكةً متداخلةً من الموضوعات والمِلفّات الاقتصادية، الاجتماعية، المعيشية، التربوية والتعليمية العالقة التي يَنتظر المواطنون فتحها ومعالجة مضامينها بصورة جادّة بما يتوافق مع متطلبات العيش والتعايش السلمي الآمن.

وفي الطرف الآخر، تنتظر الأطرافُ السياسية ما يمكن أن تجنيَها من وراء تلك المِلفات من مكاسب تخدم أجنداتٍ قد تلامس بعض قضايا الناس أو تبقى محصورة في إطار مصالح تلك الأطراف فحسب، دون أخذ تلك القضايا بعين الاعتبار، بحسب تعبير بعضهم.


الصورة الرئيسة أرشيفية

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.