«اسود وجهنا، سن اليأس، شاوي، حرمة»… لنُعد النظر بلغتنا المحكية

«اسود وجهنا، سن اليأس، شاوي، حرمة»… لنُعد النظر بلغتنا المحكية

تم إعداد هذا التقرير من قبل فريق «الحل السوري» الذي ينحدر أعضاؤه من خلفيات ومناطق مختلفة في سوريا:

«اسود وجهنا، حرمة، سن اليأس، معاق…»، يستخدم السوريون على اختلاف مناطقهم هذه التعابير وغيرها في حياتهم اليومية، ويتعامل معها المتلفظ بها والمتلقي بشكل طبيعي، دون التفكير بدلالاتها المسيئة لفئات معينة من الناس.

ومع تنامي الوعي العام ودور المناصرين للمساواة، شهدت السنوات الأخيرة في الأوساط العربية عموما، وفي مجال الإعلام خاصة، مراجعة لبعض التعابير وبحث في دلالاتها للحد من استخدامها، سعيا للوصول للغة خطاب صحيحة تحترم جميع الأفراد على اختلاف أعراقهم وأجناسهم ودياناتهم وخلفياتهم.

«وجهك أسود، عبد، سرلنكية …»
عادة ما يعبر الكثيرون عن موقف يتعلق بالخجل أو الفخر بكلمات مثل «اسودّ وجهنا أو ابيضّ وجهنا»، ولكثرة تداولها، أصبحت مفهومة للجميع ومستخدمة من قبل الأغلبية، ولكن بتدقيق بسيط للمعنى التي تحمله هذه التعابير، يتضح أنها تقلل من شأن ذوي البشرة السوداء وتستخدم عرقهم لوصف مواقف غير مرضية أو مخجلة.

حتى في وصف شخص ذو بشرة سوداء غالبا ما يطلق عليه وصف «عبد»، وفي الحقيقة إن كان العرق الأسود تعرض لاضطهاد على مر العصور بسبب لون البشرة، فهذا لايعني أن صفة «عبد» هي المفردة الصحيحة التي تمثلهم، بل على العكس تماما، هذا الوصف من شأنه أن يري مدى عنصرية الشعوب التي اضطهدتهم ومارست عليهم سلطة قمعية، فقط لكونهم مغايرين لهم باللون، ضاربين بعرض الحائط عراقة هؤلاء وتاريخهم المليء بالإنجازات والمبدعين حالهم كحال أي مجموعة تعيش على هذا الكوكب.

ولا تتوقف المصطلحات العنصرية والطبقية عند أسود وأبيض بل تتعداها لتشمل تمييز شخص على أساس مهنته «فلبينية، سرلنكية» وربطها بالعمالة المنزلية النسائية حصرا.
ونعت عامل النظافة بـ «زبّال»، وصاحب أي ذوق مخالف للطبقات الاجتماعية الأوفر حظاً «ذوقه فلاحي»، وغيرها الكثير.

 

«حرمة، ضلع قاصر، بنت بيت، سن اليأس، يستر عليها…»

إضافة لكل أنواع التمييز التي تتعرض له النساء في سوريا والعالم العربي، تأتي ألفاظ ذات دلالات مسيئة، خالية من أي نوع من الاحترام، لتبرز هذا التمييز وتقلل من شأن المرأة.
فعلى سبيل المثال وصف «حرمة»، يستخدمه البعض بدل كلمة امرأة، وأصل كلمة «حرمة» حسب معاجم اللغة العربية يأتي من حرمة الشيء وتبعيته لشخص معين، ألا وهو الذكر، وهذا بحد ذاته وصف مهين يفترض أن كل امرأة هي حتما ملكية خاصة لرجل (أخ، أب، زوج…).

«سن اليأس»، مصطلح تطلقه الأغلبية على المرحلة العمرية التي تنقطع فيها الدورة الشهرية عن النساء، وهي أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات، ويرى المطلعون على اللغة والمهتمون بأصول الخطاب أن تعبير »سن يأس» يقلل من شأن المرأة ويربط دورها في الحياة بالإنجاب فقط، مع أن الكثير من النساء تبدأ دورة عطائهن الحقيقية واستمتاعهن بالحياة بعد سن الأربعين والأمثلة على ذلك كثيرة.

الأمثلة على التعابير المهينة بحق النساء كثيرة جدا، مثل «يسترعليها»، أي علّها تحظى بزوج. وربط سمعة الفتاة وقيمتها بالمجتمع، بارتباطها برجل حصرا، إضافة لتحويل كلمة نساء «نسوان»، إلى صفة بحد ذاتها، يتم إطلاقها على أي شخص يتصرف بنعومة أو يعبر عن مشاعره بالدموع «شبك متل النسوان»، مع العلم أن البكاء ليس حكراً على جنس بعينه، وكل البشر وحتى بعض الحيوانات تعبر عن مشاعرها بالبكاء الذي هو استجابة طبيعية لمشاعر معينة فرح، حزن، خوف… وليس مقتصرا بأي شكل على جنس بعينه، إلا أن المجتمع بطبيعته الذكورية طالب الذكور بالظهور بمظهر صلب ومتحجر، حتى أنه منعهم من التعبير عن مشاعرهم بأريحية، وهذا فيه إجحاف بحق الرجال أنفسهم ومصادرة لمشاعرهم.

«امرأة بألف رجل» وأحياناً «أخت رجال»، عادة ما يمتدحون المرأة القوية والمعتمدة على نفسها بهذا الوصف، وفي الحقيقة هذا أيضا انتقاص من شأن المرأة وهويتها، فلماذا علينا مقارنة النساء القويات برجال؟ لماذا لا نثني على قوة واستقلالية أي امرأة، بالنظر إليها ككائن منفصل عن أي تبعية جندرية (الجندر: يعني النوع الاجتماعي، أنثى، ذكر، مغاير…).

«حسن صبي، طنط»

في تسعينيات القرن الماضي وبدايات عام 2000، كانت الفتيات اللواتي يقصصن شعرهن قصيرا، يطلق عليهن اسم «حسن صبي» دلالة على أن الشعر القصير هو تشبه بالذكور، ويبقى هذا اللطف أخف وطأة من «مسترجلة»، وهذا ما يطلق على الفتيات اللواتي يتصرفن ببعض من الشقاوة والطيش، وبطبيعة الحال مجتمعاتنا لاتعير أي احترام لخصوصية كل شخص وحقه بالظهور بالطريقة التي يحب.

أما كلمة «طنط» فهي لاتزال ليومنا هذا سلاحاً يشهر بوجع أي شاب يتصرف بقليل من اللطف والليونة، أو اي ذكر لا يفضل الدخول في عراكات جسدية مع أقرانه، أو حتى من يهتم بمظهره ويحب التزين على سبيل المثال.

وفي مجتمعاتنا العربية، الغالبية ترفض الإقرار بوجود أشخاص من ميول جنسية مختلفة، كالمثليين، والمتحولين جنسياً وغيرهم، ولا يتوقف الموضوع عند نكران وجودهم ورفض التعامل معهم بل يتعداه لوصفهم بـ «المرضى» أو «الشواذ»، والتعرض لهم وإيذائهم وحتى قتلهم في بعض الحالات.

ناهيك عن ألقاب ساخرة يتم إطلاقها على الأفراد اعتماداً على شكلهم الخارجي: لطوال القامة «عصاية طقي، عصاية المكنسة»، قصار القامة «شبر ونص، نص دكة»، أصحاب الأجساد الممتلئة «بقرة، بطا بف»، أصحاب الأجساد النحيلة «جاي من مجاعة، جلدة على عظمة».

تقييمات للجمال «بشع، قبيح»، حتى أن البعض يعاير بالتقدم بالعمر «بعد الكبرة جبة حمرة، ختيار الجن، متصابية»، إلى ما هنالك من أوصاف تطال المحجبات أو غير المحجبات، وكل ذلك يصب في خانة التدخل في الأمور الشخصية والتعدي على الحريات.

«مجنون، معاق، عاجز»
لايزال البعض يصف من يعاني من أي اضطراب نفسي أو عقلي بالـ «مجنون»، حتى يطلقون على المشافي الخاصة بهؤلاء «مشفى المجانين».
هذه النظرة الاجتماعية السائدة تتسبب بالكثير من المشاكل النفسية لبعض الأشخاص الذين يعانون من مثل هذه الاضطرابات، حيث يحاصر المجتمع هؤلاء ويحرمهم من التواصل مع طبيب مختص خوفا من نظرة المجتمع، فكما يعلم الجميع أن زيارة الطبيب النفسي لاتزال أمراً محرجا يتكتم الأفراد عن البوح به وأحيانا يمتنعون عن طلب الاستشارة تجنباً لـلسمعة السيئة.

«معاق وعاجز»، نعوت يستخدمها الكثيرون للدلالة على ذوي الاحتياجات الخاصة، ولاشك أن البعض لايقصد الإساءة حين يستخدم تلك الأوصاف، حيث تربت أجيال كاملة على استخدام هذه الكلمات، حتى في المناهج المدرسية لم يكن هناك مراعاة للمصطلحات المستخدمة، فأصبحت لغة مشتركة بين الجميع لايشعر بسوئها ووقعها المؤذي إلا الشخص المستهدف من الوصف.

«دار العجزة»، هذه أيضاً من التسميات المسيئة والتي ببساطة يمكن استبدالها بـ «دار المسنين»، فوصف عجوز مرده لعاجز وليس من اللائق أن نفترض أن شخصا ما عاجزاً لكونه تقدم في السن.

«شاوي، قرباطي، استكراد»
نسب صفات معينة لأهالي مناطق بأكملها واستخدامها للتقليل من شأن الآخرين أيضا ملحوظ في المجتمعات السورية، حيث يتم إطلاق وصف »شوايا» على أشخاص من منطقة معينة وهم بالفعل يدعون «شوايا» نسبة للمناطق التي يسكنون فيها، لكن باتت هذه الصفة تستخدم لوصف شخص بدونية أو لكونه من طبقة اجتماعية متدنية، حالها كحال «قرباطي».

أما استغلال شخص والاحتيال عليه بسهوله فيطلق عليه «استكراد» أي أن «الكردي» من السهل استغلاله.

حتى أوصاف متل «عبدة العجل، قرود الجبل، عبدة الفرج، عبدة النار، لعنطالله، أكلة الخنزير..» كلها تستخدم في بعض الأحيان للنيل من أشخاص والإساءة لهم اعتماداً على دياناتهم ومللهم. والمفارقة في هذا المثال أن الكل يسخر من الكل، وماهذه الألفاظ إلا أدوات معيبة لا تمت لحقائق ولا لوقائع بصلة.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن معظم من التعابير الفوقية تتوجه من أهل المدينة لأهل الريف، حيث ينظر في بعض المجتمعات لأهالي المناطق الريفية بنظرة دونية مردها لطبيعة الحياة البسيطة التي يعيشها هؤلاء ومن الأمثلة على ذلك «جاي من ورا البقر»، هذا الوصف الذي لا يحمل أي إهانة في الحقيقة إلا للمتلفظ به كونه دليل ملموس على محدودية تفكيره وضيق أفقه.

هذه عينة بسيطة من التعابير التي توصلنا إليها خلال بحثنا في هذا الموضوع، حيث يسعى فريق «الحل» من خلال تسليط الضوء على مثل هذه المواضيع، للمساهمة بخلق بيئة سورية متوازنة، لا يتم فيها تمييز الأشخاص على اسس عرقية أو دينية أو جندرية أو طبقية أو مناطقية، ولاشك أن اللغة وأصول التخاطب بين الناس، من العوامل الأساسية التي تظهر مدى تحضر وانفتاح وثقافة الشعوب.

إعداد: فريق موقع الحل السوري – تحرير: رجا سليم

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.