هذا ما يرتكز عليه الخطاب “العنصري” بحق اللاجئين السوريين في لبنان

هذا ما يرتكز عليه الخطاب “العنصري” بحق اللاجئين السوريين في لبنان

لبنان (الحل) – مع تجدد موجة خطاب الكراهية بحق اللاجئين السوريين في لبنان، يمكن للمتابع ملاحظة انسجام ما -بدرجات متفاوتة- بين خطاب السياسيين الشعبويين وفي مقدمتهم رئيس التيار الوطني الحر صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل من جهة، وخطاب الشارع والعامة من جهة أخرى، ويلاحظ في هذا الإطار أن الجمهور المتجاوب مع خطاب الكراهية “الباسيلي” لا ينحصر فقط في جمهور تياره السياسي من مناصري وأتباع التيار الوطني الحر، بس يتعداه إلى جماهير أحزاب وتيارات سياسية أخرى، غالباً ما كانت تصنف على أنها في مواجهة التيار الوطني الحر، كبعض جمهور القوات اللبنانية والكتائب على سبيل المثال لا الحصر.

يذكر شاب جامعي منتم للقوات اللبنانية، وناشط في حركتها الجامعية أنه في هذا الإطار، أثبت خطاب القوات اللبنانية “المناصر” للثورة السورية والمتجنب للخطاب الشعبوي بحق اللاجئين السوريين، أنه في محطات عدة لم يستطع الوصول إلى قلوب مناصري القوات الذين مع التزامهم الحزبي كانو يضمورون أو يعلنون رأياً آخر.
وحتى خارج التيارات السياسية المسيحية المذكورة أعلاه، التي عرفت منذ عقود بـ “حساسيتها” تجاه الغرباء، الفلسطينيون مثالاً، يبدو أن بعض مناصر تيار المستقبل، وحزب الله وحركة أمل، قد لمسهم هذا الخطاب الباسيلي، مما يلفت إلى أن حصر هذا الخطاب بجمهور مطلقه غير دقيق ولا منصف.

تتضمن محاولات تفسير الخطاب السياسي الشعبوي الصادر عن مسؤوليين وقادة سياسيين تفسيرات من نوع ابتزاز المجتمع الدولي لجلب مساعدات جديدة يدخل قسم منها جيوب السياسيين أنفسهم، وتركيزهم على مخاوف الجمهور وأفكاره النمطية تجاه اللاجئ، لإثارة العواطف والغرائز واستغلالها في زيادة شعبية السياسي.
في المقابل يمكن تفسير الخطاب الشعبي العنصري الصادر عن الجمهور بأنه يرتكز إلى عوامل عنصرية قديمة، وإلى “كراهية الغريب”، ولكن هذه العوامل المغذية للخطاب الشعبي العنصري تحتاج إلى ما تستند عليه لتبرير وتغذية العنصرية، وهنا تأتي الحوادث والمشاهدات الشخصية، كمثل أن يخسر لبناني وظيفته جراء رغبة رب العمل بتوظيف سوري مكانه يتقاضى أجر أقل، أو أن يرتفع إيجار البيوت في بعض المناطق الفقيرة والمتوسطة بسبب إقبال السوريين على سكناها.

بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ عبر التواصل اليومي ومواقع التواصل الاجتماعي أن مجموعة من الأفكار المغلوطة منتشرة بين كثير من اللبنانيين تجاه السوريين، تعزز وتدعم خطاب الكراهية بشأنهم، وفي ما يلي، عرض لبعض أهم هذه الأفكار وتفنيدها:

في سوريا مناطق آمنة كثيرة، فليترك اللاجئون المعيشة الصعبة هنا ويرجعوا إلى المناطق الآمنة في بلدهم، بلدهم أحق بهم.
الملفت بداية في هذا الطرح هو تجاهل طبيعة النظام السوري الذي عانى منه اللبنانيون سنوات طويلة خلال فترات تواجد الجيش السوري في لبنان منذ سنة 1975 إلى سنة 2005، وسيطرة المخابرات السورية على مجريات الحياة السياسية اللبنانية، وتنكيلها بالمعارضين لها من سياسيين وناشطين.
في الحقيقة، وجود مناطق آمنة، بمعنى أن لا عمليات عسكرية فيها صحيح، ولكن هذا لا يجعلها آمنة للعيش، فكثير من المناطق التي تخلو من العمليات العسكرية، لا يسمح لسكانها الأصليين النازحين داخلياً أو اللاجئين خارجياً بالعودة إليها للسكن أو محاولات ترميم ما يمكن ترميمه للسكن، مثل مخيم اليرموك، وبعض مناطق القلمون، وريف حمص الغربي، ومناطق مجاورة لمدينة دمشق.
يضاف إلى ذلك، أمر الخدمة العسكرية الإلزامية التي تجبر في الظروف الراهنة المجند على أن يكون قاتلاً أو مقتولاً، وفي حال لم تشمل الخدمة الإلزامية اللاجئ العائد، قد تشمله الملاحقات الأمنية بسبب تشابه أسماء، أو نشاط سابق في مطلع الثورة، أو بسبب انتامئه إلى منطقة معينة سبق لها وأن قاومت النظام.
الأمن الاقتصادي غير متوفر أيضاً فقدرة رب العائلة على تأمين الاحتياجات الأساسية لعائلته في ظل ارتفاع الأسعار وندرة فرص العمل في السوق المحلية، تجعل من غير الممكن تأمين القوت الأساسي للأسرة مع الفجوة الكبيرة بين الدخل وأبواب الإنفاق. وتقول دراسات معهد “عصام فارس” في الجامعة الأمريكية في بيروت أن 6.5 مليون إنسان لا يتمتعون بالأمن الغذائي، أي أنهم غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الغذائية اليومية.

المساعدات تنهال على اللاجئين، إذ تدفع عنهم إيجارات السكن، وتقدم لهم الأموال والمساعدات الغذائية والطبية. كيف سيشجعهم ذلك على العودة؟
يتناقض هذا الكلام مع حقيقة أن ربع الأطفال السوريين في لبنان مصابين بفقر الدم بحسب معهد “عصام فارس”، وهو دليل مباشر على انعدام الأمن الغذائي للاجئين، وبحسب المصدر نفسه، خلال العام 2016 حصل 829 ألف لاجئ على مساعدات غذائية بمعدل 27 دولار شهرياً للفرد الواحد. أي 108 دولار لعائلة من 4 أفراد، وهو المبلغ الذي لا يكاد يكفي طعام هذه الأسرة مدة أسبوع في لبنان، بالإضافة إلى أن قيمة المساعدة وعدد المستفيدين منها قد شهد تراجعات متعددة منذ سنة 2016 بسبب تراجع التمويل المخصص لذلك.
ففي العام 2017، تم جمع أقل من نصف التمويل المحدد لتغطية دعم اللاجئين غذائياً.

وجود اللاجئين في لبنان هو خطر وضغط اقتصادي على وطننا.
بحسب المصدر نفسه، أنفق سوريون خلال سنة 2016 وحدها ما مجموعه أكثر من 78 مليون دولار في شراء العقارات، هذا الإنفاق الذي أقبل عليه الميسورون من السوريين، دعم قطاع البناء المتراجع في لبنان.
أما على صعيد اللاجئين غير الميسوريين، فقد دفعوا خلال العام نفسه 378 مليون دولار كبدلات إيجار للسكن، منها ما هو عن أماكن غير معدة للسكن أصلاً كالمراءب والمستودعات والمحلات التجارية، موفرين إيرادات جديدة غير متوقعة لسوق العقارات اللبناني.

على صعيد الإنفاق الغذائي، وفي الفترة بين سنة 2012 وأواخر سنة 2017، ضخ برنامج الغذاء العالمي مبلغ 965.5 مليون دولار في الاقتصاد اللبناني على نحو مباشر، أي أن هذه الأموال أنفقت في الأسواق اللبنانية، فرفعت إيرادات التجار والموردين وأصحاب المحلات والمستودعات، وأمنت فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.
وفي الفترة بين سنة 2011 وسنة 2014، تبين أن 84% من الشركات التجارية التي افتتحت قرب تجمعات ومخيمات اللاجئين السوريين وبسببهم، كانت مملوكة من قبل لبنانيين، الأمر الذي يعني أن وجود اللاجئين أمن بطبيعة الحال فرصة عمل وتجارة للبنانيين، خاصة في مناطق كانت تعاني من إهمال الدولة للتنمية الاقتصادية فيها.
على الصعيد البلدي، وخلال سنة 2016 تم استثمار 73 مليون دولار في 240 بلدية في كل أنحاء لبنان، كاستمثار في البنى التحتية وإعادة تأخيل الأماكن العامة والمستشفيات والمدارس العامة، وتأمين فرص لعمل لقاربة 100 موظف بلدي لبناني.

ولكن، هل تصمد هذه المعطيات العلمية الصادرة عن معهد مشهود له بالمصداقية، أمام الأرقام الكاذبة والعشوائية التي يطرحها السياسيون أصحاب خطاب الكراهية ومستشاريهم؟

رجا أمين

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.