(الحل) يبدو السؤال صعباً للغاية، وتشوبه آلاف الكلمات والذكريات والصور، وتختلطُ فيه المشاعر بين الماضي والحاضر والحب والكره والظلم والتشرد والأهل والصيحات وأيام لا يمكن حصرها في سطور.

مع ذلك، كانت محاولة من موقع «الحل» لمعرفة آخر ما علق بذاكرة أولئك الذين غادروا المدينة خلال السنوات الأخيرة… فما آخر ما يتذكروه في دمشق؟

تكسي «السابا»

تكتسي سيارات الأجرة السورية اللون الأصفر، وغالباً ما تكون قديمة و«مهرتكة»، وعلى الأكثر فإن العداد الأحمر يكون غالباً في مكان مخفي قرب السائق، ولا يشغله في كثير من الأحيان.

إلا أن الأشهر من ذلك في سوريا، هو نوع سيارات الأجرة، والتي بمعظمها هي من ماركة «سابا»، الشركة الإيرانية التي ضخت آلاف السيارات في الأسواق السورية بين العام 2000 و 2010، وباتت مفضلة لسائقي التكاسي لرخص ثمنها وسهولة إصلاحها مقارنة مع السيارات الأخرى.

يربطُ أحمد المقيم حالياً في برلين، والذي هاجر عبر البحر إلى أوروبا في العام 2013، بين السيارات وبين دمشق، ويقول لموقع «الحل»: عندما أشاهد «سيارة سابا فهي تذكرني بدمشق، وكذلك السيارات السوزوكي، أو التي كانت تسمى في منطقتنا بالطرطيرة».

ينحدرُ أحمد من حي ركن الدين في دمشق، وبقي هناك حتى أصبح عمره 22 سنة، وطلب للخدمة الإلزامية، ففضل الفرار والاستقرار في أوروبا حتى إشعار آخر!.

مسلسل الفصول الأربعة

لا تجد «راما» أفضل من المسلسلات السورية لتعيد ارتباطها بالمكان الذي نشأت فيه، وهو حي الشعلان وسط دمشق، وتميلُ كثيراً لتشغيل هذه المسلسلات أثناء عملها وسماع اللهجة السورية والأحاديث الشامية.

خرجت «راما» ببعثة طبية إلى فرنسا في العام 2015، ثم قررت البقاء في باريس والانتقال لاحقاً إلى ليون لتقديم أوراق لجوئها هناك، وحصلت عليه أخيراً.

رغم مضي أكثر من أربع سنوات على خروجها من منزلها في دمشق باتجاه العالم الآخر تقول راما: «شاهدت مسلسل الفصول الأربعة خلال هذه السنوات أكثر من عشر مرات، يُذكرني بعائلتي وأصدقائي ومنزلي والكثير من التفاصيل في هذا المسلسل تنتمي لزمان جميل عشته وكنت في أول شبابي… أتمنى أن يعود الزمن يوما ما وأعود إلى منزلي كما كان».

عصير أبو شاكر

يبدو الحال مختلفاً لدى (علاء وإباء)، الشقيقين التوأم اللذين فرّا إلى لبنان هرباً من عناصر المخابرات التي بقيت تلاحقهما طيلة سنة كاملة، وتمكنوا أخيراً من الفرار عبر طرق التهريب إلى لبنان، والاستقرار في إحدى قرى بعلبك.

يعمل الشقيقان في الزراعة وحصد البطاطا مع رجل إقطاعي لبناني يشغل العمال السوريين بشكل غير شرعي مقابل مبالغ زهيدة.

نسأل «علاء» عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي عن ذكرياته في دمشق فيقول ابن حي العمارة: «دمشق بالنسبة لي هي سندويشة الشاورما من عند الصحي وبعدها كاسة العصير من عند أبو شاكر».

يعدّد الشاب الثلاثيني جميع محلات الطعام في دمشق، من بوظة بكداش إلى شاورما أبو العبد وفروج الزين وفلافل أبو ناصيف وغيرها من الأكلات الشعبية، لكن الصدارة تبقى لسلطة الفواكه عند أبو شاكر.

النوفرة والشام القديمة

تشعرُ «إيمان» بالغصة كلما تحدثت عن دمشق القديمة، حيث كان بيت جدها، وتستذكر الحارات التي كانت تؤدي إلى حي القيمرية وتقول: «الشام القديمة هي روح الشام، وهناك كل ذكرياتي وطفولتي، من الجامع الأموي إلى قهوة النوفرة، كانت المساحة الأجمل في حياتي».

تلاحظ «إيمان» أن الشام القديمة تغيرت كثيراً خلال السنوات الأخيرة، وترصد عبر الصور التي تصلها كمية التعديات التي أصبحت على الجدران، وانتشار صور كثيرة شوهت المكان التراثي بالإضافة إلى كمية الأوساخ الكبيرة المنتشرة في الشوارع.

سيران الربوة

أما لدى «منذر» ذكريات مختلفة، وتتعلق كلها بيوم الجمعة، ويقول الشاب الثلاثيني «يوم الجمعة بالنسبة لي كان مقدسا، كنت أبدأ نهاري بالغسل والاستحمام ثم التوجه مباشرة إلى جامع «الحسن» في الميدان، وبعد ذلك نتوجه إلى الربوة أو الغوطة لتمضية السيران مع الأهل والعائلة، لكن ذلك تغير في العام 2011، وبات يوم الجمعة بالنسبة لي هو يوم للتظاهر والتمرد، أما ما أذكره من دمشق اليوم هو الهروب من عصي وبنادق رجال الأمن التي كانت تلاحقنا كل جمعة لتفريقنا ومنعنا من التظاهر».

 

إعداد: رحاب عنجوري – تحرير: سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.