نشرت مجلة تابليت الأمريكية تقريراً عن “نير روزن”، الشخصية التي اعتبرها بعض أقوى المسؤولين في دمشق وأكثرهم وحشية “أداةً مفيدة”. روزن الذي كان مستشاراً للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وللرئيس السوري بشار الأسد، كان له تأثيراً على مجريات الأحداث في الحرب السورية. إلا أن المجلة تتساءل لماذا ومن اجل من كان روزن يستحق هذه الصفة؟
كان عنوان خطاب نير روزن بعنوان “الحرب في سوريا لم تنتهِ بعد”، لكنه كان أشبه بخطاب توديعي. ففي حديثٍ دام حوالي عشرين دقيقة سرد صحفي الحرب، والدبلوماسي الغامض الذي يعتبر من كبار المستشارين لدى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والدكتاتور السوري بشار الأسد، مجريات الحرب الأهلية السورية والصراع القاتل والأكثر فتكاً في القرن الحادي والعشرين. ومن وجهة نظره، لم يكن أحداً قد فهم هذه الحرب بالشكل الصحيح مثله.

ففي منتدى فالداي للحوار في العاصمة الروسية موسكو وفي شهر شباط من العام الجاري، حمّل روزن كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ودول أخرى مسؤولية الانهيار الاجتماعي الجديد في سورية من خلال مواصلتهم فرض عقوبات على نظام الأسد وعزله. كما أخبر جمهوره بأنه من المحتمل أن يستعيد الأسد سيطرته على مزيد من المناطق في دولته المدمّرة. وجاء في النسخة المنشورة من خطابه: “إن البلدان التي ادّعت اهتمامها بالشعب السوري وتحدثت نيابةً عنه هي ذاتها التي دعمت المتمردين وحاولت الإطاحة بالحكومة وتحاول الآن تجويع السوريين”. وأضاف: “إن تصرف النظام السوري المقيت لا يبرر التدخل الدولي الذي تلى تلك التصرفات، وفي الحقيقة فإن هذا التدخل ساعد في التسبب بتلك الجرائم”. فدوافع الغرب لهذه الجرائم المستمرة في الشرق الأوسط غامضة جداً بحيث يمكن وصفها من الناحية النظرية فقط. “ألرأسمالية لا تعمل بنفس الأسلوب في كل مكان”، يوضح روزن قائلاً في خطابه ويضيف: “إن قيمة الشرق الأوسط تكمن في رأس المال المتراكم من خلال الحرب”.

وتبين المجلة بأن خطاب روزن يمكن أن ينسي المتلقي أنه يتحدث عن النظام الذي قتل عشرات الآلاف من المدنيين في سجون التعذيب السرية وطوابير المنتظرين أمام الأفران والمستشفيات، بالإضافة إلى قصف بلدات بأكملها بالسلاح الكيميائي. فبالنسبة له يستحق الدكتاتور السوري ومؤيديه الشكر لدفاعهم عن النظام العالمي ضد جحافل الجهاديين بتكلفةٍ بشرية باهظة. “العالم مدين لروسيا وإيران بالامتنان لمنعهما انهيار الدولة السورية”، قال روزن أمام جمهور تضمّن مسئولين رفيعي المستوى في السياسة الخارجية من الإيرانيين والروس إضافةً إلى روبرت مالي، مدير مجلس الأمن القومي في الشرق الأوسط خلال معظم فترة ولاية أوباما الثانية.

وقد برز روزن في العام 2000 كأحد أكثر الصحفيين الأمريكيين حنكةً في الشرق الأوسط، حيث احتكّ بالمعارضة العراقية وحزب الله وطالبان ونشر روايات مفصّلة عن عملياتهم. ويتميز عمل روزن بتعزيز اعتقاده بأن التدخل الغربي في الشرق الأوسط كان خطأ بطبيعته، وهي وجهة النظر التي تشكلت جزئياً لدى روزن خلال رحلته إلى إسرائيل في مطلع العقد الحالي، البلد الذي قضى بعضاً من طفولته فيه حيث ما يزال معظم أقاربه يعيشون هناك.
وقد كان روزن في زيارة إلى إسرائيل في ذروة الهجوم الفلسطيني ضد الأهداف المدنية الإسرائيلية. وحيث كانت محلات البيتزا والملاهي الليلية والحانات تتعرض للهجوم بشكلٍ روتيني، أدرك روزن أن تصوره العام عن الشخص الطيب والشخص السيئ والضحية والجاني كان متخلفاً. فقد وجد روزن التعصب والتواطؤ من أفراد عائلته المقربين، وما أفزعه هو أن والده وجميع الإسرائيليين المعتدلين أصبحوا متطرفين. فوجد آنذاك صدعاً غير قابل للترميم يتوسع بينه وبين عائلته التي لا يتواصل معها حول هذا الأمر إلا من خلال الصراخ، بحسب تعبيره.

وفي نهاية العام 2000، كان روزن قد نشر كتابين ناقش خلالهما السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ومع ذلك فقد ترك روزن الصحافة ابتداءً من العام 2012 وبدأ بالعمل في مركز الحوار الإنساني، وهو منظمة غير حكومية تتخذ من جنيف مقراً لها والتي تعمل على بناء التواصل بشكلٍ منفصل وسري بين الأطراف المتصارعة في مناطق الحرب لمنع أو إنهاء الصراعات المسلحة. وكان دور روزن تبني إقامة السلام على الأرض في سوريا، لكنه أيضاً تنقّل بين دمشق وبيروت وواشنطن وجنيف ودول أوربية مختلفة والتقى بعثات الأمم المتحدة إلى سوريا. وقد كان لعمله القليل من القواسم المشتركة مع النشاطات اليومية لأي من الصحفيين أو الخبراء أو موظفي المنظمات الغير حكومية الذين تنقلوا عبر سوريا على مدار سبعة سنوات من الحرب.
وبالرغم من أصوله، إلا أن روزن تمكن من تحقيق مستوى الوصول في دمشق لم يتمكن أي من المواطنين الأمريكيين الوصول إليه. ويرى البعض في تقرّب روزن من نظام يديره القاتل الأسوأ سمعة على الكوكب ليس إلا دليلاً على سوء نيته، حيث تمكنت المقايضات الأخلاقية والمادية الخطيرة فقط أن تحظى بثقة نظام الأسد من السفاحين والمعادين للسامية. أما بالنسبة للبعض الآخر، فإن روزن يشكل رقماً صعباً بين الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم وسمعتهم لمحاولة إنهاء أخر الصراعات في العالم.

وقد وصف ستيفن سايمون، المدير السابق لدائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي وأحد الأشخاص الذين كانوا ودودين مع روزن منذ مطلع القرن الحالي، روزن بقوله: “إن روزن غير مرتبط بعقلية واشنطن أو أفكارها المسبقة التي تميل إلى تنظيم التحليلات السياسية وحتى في بعض الأحيان إلى التحليلات الإستخباراتية.. إنه شخص واقعي، يتكلم اللغة ويسافر على نطاق واسع ويتمتع بشكلٍ غريب بحصانة ضد المخاوف على سلامته الشخصية.. ليس صعباً عليه التفكير خارج الصندوق لأنه في الواقع خارج الصندوق”. في حين يرى البعض الآخر أن روزن كان جيداً في جمع المعلومات ومن ثم حبكها ووصياغتها على طريقته. فيقول أحد رفاق روزن: “نير قاصّ كبير. نير لا يركز حول التفاصيل، أو فلنقل الحقيقة”. كما وصفه احد الشخصيات المعارضة السورية التي قابلها روزن بنفس الطريقة، حيث قال: “إنه هادئ، يتحدث بصوت منخفض جداً، ولا ينفعل أبداً”. أحد المصادر التي لا تحب روزن أقرت بقدراته أيضاً، فتقول: “إنه يجلس ويضع عينيه في عينيك. عندما تتكلم ينظر إليك مركزاً.. هل تكذب؟ إنه يفكر، لديه عينان سوداوان يجلس بكل ثقة وعندما تسرد له قصة ما يقوم بتقييمها خلال ثانية”.
ولكن، كيف لشخص له خلفية روزن الشخصية والمهنية أن يجد نفسه مع كبار مسؤولي الأمن والمخابرات من أجل أحد أكثر الحكومات عزلة ووحشية في العالم؟ هل من دلالات القوة أن تجد مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية فائدة في استخدام شخص بمواهب روزن، أم أنها دليل على أن أي شخص يقدم مثل تلك العلاقات والروابط كان يمكن أن يعتبر مفيداً؟
تشير هذه التساؤلات إلى طريقة ثالثة لفهم روزن، حيث لا يتم ربطه بصفة البطل ولا مقرّب من بشار الأسد، وإنما شخص تجذبه أنانيته نحو أي شخص يمكن أن يضخّم من أهميته. وبالاستناد إلى هذا التفسير، فإن الخط الساخن إلى دمشق منح روزن ما يجذبه وربما أي صحفي آخر نحو القصص الدولية والسياسية الكبيرة بشكلٍ سرّي: فرصة للتأثير على مجريات الأحداث بدلاً من تسجيلها وتحليلها.

وأيّ كانت دوافع روزن، فإن مسيرته في سوريا تظهر عمل السياسات الخارجية في القرن الحادي والعشرين. فصناع الأحداث العالمية غالباً ليسوا من حاملي الحقائب الرسمية، وإنما يعملون من خلال قنوات لا يمكن أن يراها أو يفهمها من هم ضمن الحكومة. فالمدخلات السياسية لا تأتي من خلال مخططات معروفة، وإنما هي نتاج مفاوضات مخفية بشأن الوصول إلى معالمها الحقيقية وهي غير معروفة للجميع باستثناء قلة قليلة مطلوبة.

وفي ذلك الظهور النادر في موسكو، انتقد روزن نظام الأسد عندما نعته بـ “العدواني” و “غير كفء”. وعندما بدأ بانتقاد الأسد بسبب افتقاره إلى إستراتيجية إعادة الإعمار بعد انتهاء النزاع وخرجت بثينة شعبان من المحادثات في حالة من الفزع، لم يبدو على روزن أي اضطراب بحسب الحاضرين.
وتقول رندة سليم، مديرة حل النزاعات في معهد الشرق الأوسط والتي حضرت المحادثات: “انظروا، إن الأشخاص الذين تفاعلوا مع نير أعلى شأناً ممن تعاطفوا مع بثينة”. وتضيف: “بثينة شخصية سياسية وحضارية بالنسبة للنظام السوري، والناس الذين يهتم بهم نير هم من أبشع الرجال، إنهم رجال الأمن والمخابرات”.
وعلى ما يبدو، فإن بعض المسئولين الأكثر قوة ووحشية في دمشق وجدوا في نير روزن أداة مفيدة. لكن السؤال هو لماذا؟ ومن اجل من؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.