لطالما وصف فصل الشتاء بأنه فصل الخير والبركة، من حيث الخير الذي تحمله حبات المطر في طياتها وما يرافقه من خصوصية تقترن بالظروف الجوية المتقلبة، حيث كان الاستعداد له في محافظة ديرالزور محكوماً بطقوس كثيرة أهمها تجهيز مواد المؤونة والإكثار منها، إلا أن ظروف الحرب التي تشهدها سوريا وعموم المنطقة، أثرت بشكل كبير على حياة الأهالي ومنها تلك الطقوس.

تقول السيدة صبحية النويصر (من أحياء مدينة ديرالزور المدمرة) لموقع «الحل نت»، “كان لتجهيز فصل الشتاء قبيل اندلاع الحرب، طقوساً لا تنسى، إذ يتطلب من جميع أفراد العائلة التعاون على تلك التجهيزات ، فكان زوجي يقوم مع بداية الفصل بصيانة لتمديدات الكهرباء بداخل المنزل وخارحه، وتبديل ما هو تالف منها ومعرى، تجنباً للماس الكهربائي الذي قد يحدث نتيجة الأمطار التي كانت تأتي بشكل غزير، بينما في وقتنا الحالي لم يعد بحاجة لعمل أي صيانة لأن الكهرباء مقطوعة منذ أكثر من أربعة أعوام”، وأشارت إلى دورها آنذاك “فقد كانت تقوم بإخراج الملابس الشتوية لأفراد العائلة وتضع بدلاً منها الملابس الصيفية، وكذلك تقوم بفرد الأغطية والسجاد الشتوي”.

توقف إعداد مؤن الشتاء
تتابع “النويصر” حديثها قائلة «كان تحضير مؤونة الشتاء أهم طقوس التجهيز للشتاء، إلا أنه في الوقت الحاضر هدف الأسرة هو تأمين ما يلزم ليوم واحد أو ربما لوجبة واحدة فقط ويكون ذلك الأمر غاية في الصعوبة لعدد كبير من العوائل، لارتفاع أسعار المواد الأساسية والغذائية وأسعار الخضار والفاكهة أيضاً، فقديماً كانت الفائدة من بعض الأصناف التي تزرع في ريف المحافظة وخاصة من الخضار، لاستثمارها في إعداد كميات كبيرة من المؤونة، لأنها تكون بأسعار رخيصة، إلا أن الريف ليس بأفضل حال من المدينة الآن، إذ كان له نصيب من الحرب التي لم تفرق بين بشر أو حجر»، وفق تعبيرها.

بدورها تحدثت سناء السلطان (من مدينة الميادين) لموقع لموقع «الحل نت»، قائلة، إن «فقدان الكهرباء المتواصل في المنطقة على مدى السنوات الأخيرة إلى جانب ظروف الحرب، كانت كفيلة بالتوقف عن تجهيز المؤونة، فغالبية المواد التي يتم تجهيزها تعتمد على حفظها في الثلاجة، لذلك عمدت بعض الأسر عن تجهيز بعض المؤونة التي لا تحتاج لتخزين ضمن الثلاجة»، وأضافت ساخرة أن «النسبة الكبيرة من أسر المحافظة تناست موضوع تجهيز مؤونة الشتاء وهو الطقس الذي تتمناه جميع الأسر، لأنه يمثل حالة اجتماعية قبل أن تكون أسرية وعائلية»، على حد قولها.

تمايز الشتاء بين الماضي والحاضر
أما السيدة ام وليد من (ريف مدينة البوكمال) قالت، بإنه «تمايز الشتاء بين اليوم والماضي ، فقديماً كان استعدادنا له مختلفا تماماً عن وقتنا الحالي، فكنا نحضر العديد من المواد تحسبا له، بدءاً من المواد التموينية إلى المواد الأخرى كالشموع وغيرها من مواد التدفئة، أما اليوم فالشتاء بات من أقسى وأصعب الفصول مع تغير أحوال الناس والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها، والتي أجبرت غالبية الأسر عن التخلي عن تجهيزاته والتي يعدونها جزءاً من عادات وتقاليد محافظتهم»، وفق تعبيرها.

ارتفاع الأسعار المستمر عائق لتجهيز المؤونة
وعبر صالح العلي (صاحب بقالية بريف ديرالزور الشرقي) – عن شجونه وهو يرى اعتكاف الأهالي والأسر عن طلبات مؤونة فصل الشتاء، قائلاً: «في السنوات القديمة البعيدة، قبل أن يحل فصل الشتاء وبحكم العادة كانت عشرات النسوة يطلبن مواد وأصنافاً كثيرة ومختلفة خاصة بتجهيز مؤونة الشتاء، إلا أن نسبتهن خفت بشكل كبير جداً بعد سنوات الحرب التي عاشتها المنطقة، وتقتصر طلباتهن على صنف واحد أو اثنين فقط، ويعود ذلك إلى الارتفاع الكبير في أسعار المواد».

موضحاً السبب الرئيسي لارتفاعها، وهو ارتفاع تكلفة نقل المواد، فسائق الحافلة الذي يجلب الخضار والفاكهة من باقي المحافظات تصل أجرته اليوم إلى أكثر من 300 ألف ليرة سورية، بعد ان كانت أجرته لا تتجاوز 30 ألف ليرة سورية ، تلك الزيادة يدفعها المواطن من جيبه الخاص، لأنها توزع على أسعار المواد، إضافة إلى ذلك هناك تكاليف أخرى يضيفها أصحاب المحال عوضاً عن ارتفاع سعر الأكياس المستخدمة لتعبئة الخضار والفواكه، وأجرة العمّال، وكل تلك الزيادات ضحيتها المواطن العادي، ما أجبره على السعي لتأمين قوته اليومي والاستغناء عن بقية الطقوس الأخرى» يختتم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.