نشرت مجلة “WIRED” الأمريكية تقريراً تناولت فيه حال إعلام تنظيم «داعش» بعد حذف حسابات أعضائه وإغلاق غرفهم ومجموعاتهم من موقع التلغرام، وبذلك لم يعد هناك للجماعة الجهادية منبر رئيسي على شبكة الإنترنت.

وربما يبدو للوهلة الأولى أن تقفي آثار تنظيم «داعش» أصبح أكثر صعوبة على الشبكة العنكبوتية، إلا أن ذلك ليس واقعياً حقاً، فقد بات نشاط أعضاء التنظيم ومحاولتهم إعادة توحيد صفوفهم أو تجنيد عناصر جدد، أشبه بالمستحيل.

تلغرام يلفظ داعش خارجاً
وأطلقت شركة تلغرام ماسنجر الشهر الماضي حملةً لإلغاء حسابات ضد قاعدة مستخدميه الأكثر شهرة، مناصري تنظيم «داعش». وقد وجدت مبادرة الشركة هذه فاعلية بشكلٍ واسع، حيث أدت إلى بعثرة عدد كبير من أعضاء تنظيم «داعش» بين منصات الإنترنت المختلفة.

ويبين التقرير أن يوروبول (الشرطة الأوروبية) كانت قد أعلنت أنه كان لها دوراً في عمليات إزالة الحسابات في يومي الواحد والعشرين والثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وذلك بالرغم من أن المجلة كانت قد لاحظت أن الحسابات تمت إزالتها منذ الخامس عشر من الشهر ذاته. كما أنه لم تكن الخوارزمية التي عملت التلغرام من خلالها على إزالة الحسابات، على وجه الخصوص، واضحة، إلا أنها كانت موجهة أكثر بكثير من أي شيء آخر عملت الشركة عليه من قبل.

وكانت حملات تلغرام السابقة مركزة على مجموعات الدردشة والقنوات التي يستخدمها أعضاء التنظيم، والتي استعادها فيما بعد منذ فترة طويلة. إلا أن المنبر اليوم اتخذ خطة «الأرض المحروقة» سبيلاً له. فبالإضافة إلى قنوات تنظيم «داعش»، حذف الموقع حسابات منشئي القنوات ومستخدميهم، بدءاً من المعجبين والداعمين للقنوات إلى كبار العاملين في وسائل الإعلام.

كما تمت إزالة العديد من الحسابات الاحتياطية. وعندما قام أعضاء التنظيم بإنشاء حسابات جديدة، عملت التلغرام على إزالة تلك الحسابات أيضاً بسرعة كبيرة. كما تم طرد العديد من الصحفيين والأكاديميين والباحثين في مجال الإرهاب من المنبر، ومن ضمنهم العديد من موظفي “SITE”، ولم يتمكنوا من إنشاء حسابات جديدة.

الحملة فاجأت التنظيم، حيث فقد أعضاؤه وسيلة التواصل فيما بينهم، في حين كانت البنية التحتية الإعلامية للتنظيم بأكملها معتمدة على مجموعات مثل (ناشر نيوز وفرسان الرفا وInvasion و Brigades) والتي صمم كلّ منها على وجه التحديد للتعامل مع توزيع الوسائط وتحميلها ونشرها بالإضافة إلى مهام أخرى، والتي تم تحطيمها بسرعة كبيرة.

وأصبح وجود تنظيم «داعش» على التلغرام أشبه بكومة من الحجارة التي لا يمن تجميعها مجدداً سويةً. وبالتالي بات التنظيم يكافح عبر الإنترنت لإيجاد مأوى جديد له.

خياران أمام داعش كلاهما يعني نهايته
وقال خبير أمن المعلومات (دلشاد عثمان)، لموقع الحل نت، إن «الشركات الخاصة أصبحت تشعر بالمسؤولية تجاه اتخاذ إجراءات لمنع تنظيمات إرهابية مثل داعش من استخدام منصاتها. غالبية الشركات تطمح لأن تكون منصاتها خالية من اي نشاطات خطرة و بالذات الإرهابية منها. كما أن هنالك مسؤولية قانونية على تلك الشركات بألا تقدم خدمات لتنظيمات إرهابية».

وتابع عثمان «التقييد هذا سيؤدي إلى نتيجتين، تفكيك نشاط التنظيم إلكترونياً عبر منع إعادة التجمع، أو دفع التنظيم للعودة إلى المنصات التقليدية من أجل إعادة التنظيم، وتلك العودة حتى ولو بهدف إعادة التجميع على منصات أخرى، كافية بأن تكشف مكان وهوية أعضاء التنظيم».

وختم الخبير الأمني تصريحه باللغة العامية بالتوضيح «يعني إذا بكرا طلع تطبيق اسمه عباس شات، و كان آمن كتير، كيف راح يعرفوا أنو التنظيم صار هنيك؟ إجباري يخبروا بعض وإذا خبروا بعض عالإيميل، تلفون، أو اي وسيلة تقليدية، فراح يكون هالشي كافي لتتبعهم أو كشفهم».

محاولات للبحث عن بدائل
ومن بين كل منصات المسنجر البديلة لدى التنظيم، كان “RIOT” الأسهل للانضمام إليه. فكل ما يحتاجه المستخدم للانضمام هو اسم مستخدم وكلمة مرور. فلا حاجة لعنوان بريد إلكتروني ولا رقم هاتف. لذا ما الذي يمنع أعضاء تنظيم «داعش» من الانضمام مجدداً إلى منصة سهلة الاستخدام وتسمح لهم بإنشاء عدد لا محدود من القنوات؟

كما يمكن للمستخدمين الانضمام إلى مجموعات الدردشة بدون رابط أو حتى دعوة، ما يجعله أسهل بكثير للوصول من التلغرام في هذا الصدد. وفي أي وقت من الأوقات، كان كل جزء من شبكة التنظيم ومجموعاته الإعلامية الرسمية وأعضاءه ومؤيديه في جميع أنحاء العالم يتبعون غرف الدردشة على “RIOT”.

وقد تم حذف حسابات تنظيم «داعش» على “RIOT” بعد أيام من بدء تلغرام حملة تطهيره. وبينما استمرت الجماعات المرتبطة بالتنظيم بالإعلان عن إنشاءها غرفاً جديدة خلال الأسابيع التي لحقت الحملة، استمرت كذلك عمليات حذف الحسابات.

وقد أصيبت المجموعات الإعلامية وداعمو التنظيم بحالة من الهلع والفزع إثر الحملة الضخمة التي قام بها “RIOT” لحذف حساباتهم. وبالرغم من أنه ما يزال بالإمكان إيجاد العديد من الغرف على الموقع، إلا أن شبكة «داعش» بالمجمل بحثت عن مكان آخر تلجأ إليه كبديل وسرعان ما وجدته في “Tam Tam”، وهو منبر يشبه تلغرام، بما في ذلك أنه يتطلب وجود رقم هاتف لإتمام عملية التسجيل. إلا أن النظام الأساسي لهذا المنبر يستوعب عدد أقل بكثير من تلغرام، ولا يسمح بأرشفة قنوات المجموعة. كما أن عمليات حفظ مقاطع الفيديو عليه أصعب.

وعلى غرار “RIOT”، حاول تنظيم «داعش» الاستفادة من “Tam Tam” في ربيع العام 2018، ولكن بدون جدوى. إلا أن الاستثمار الأخير على هذه المنصة كان واضحاً بشكل خاص عندما أصدر تنظيم «داعش» أولى دعواته لتنفيذ عملية الطعن على جسر لندن في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عبر هذه المنصة.

وبحلول الأول من شهر كانون الأول/ديسمبر الحالي، كانت المئات من قنوات تنظيم «داعش» الخاصة والعامة والمجموعات والحسابات قد انتشرت على “Tam Tam”، بما في ذلك تلك الكيانات الإعلامية الخاصة المرتبطة بالتنظيم مثل (مترجم وهلُمُّ).

ولكن كما كان الحال مع بقية المنابر الأساسية الأخرى، سرعان ما تم حذف حسابات التنظيم. فبحلول صباح اليوم التالي كانت نصف حسابات “Tam Tam” التابعة لتنظيم «داعش» قد اختفت. مما دفع بمنفذ (قريش ميديا) التابع لـ «داعش» إلى إصدار تحذير كان قد أصدره في بداية الحملة التي شنتها تلغرام أعرب من خلاله عن حالة الاضطراب حيث جاء في التحذير: “عمليات الحذف على Tam Tam تؤثر على عدد من حسابات المؤيدين”.

تدافع يائس بين المنابر
وانطلاقاً من هذا المبدأ، فإن تنظيم «داعش» سوف يتلقى المعاملة ذاتها عبر المنصات المختلفة، بما في ذلك تلك التي لم يسمع بها أحد مثل “Hoop Messenger” الذي يتخذ من كندا مقراً له، والتي بدأت بإزالة الحسابات والقنوات بشكل مباشر بمجرد أن يتبين أن التنظيم قام بإنشائها عبرهم.

وقد حاول التنظيم أيضاً إنشاء تجمعات خاصة به عبر منابر إعلامية أقل شهرة مثل “MeWe” التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها و “Mastadon” التي تم تأسيسها في ألمانيا كبديل مفتوح المصدر لتويتر، ولكن بدون تحقيق أي نجاحات تذكر.

وبالرغم من ذلك، لا يزال تنظيم «داعش» يحاول تمرير مواده الإعلامية عبر القنوات القليلة المتبقية على تلغرام من خلال اللجوء إلى حيل مثل إنشاء قنوات لا تحمل شعار التنظيم واستخدام أسماء مستخدمين لا تدل على انتماء أصحابها إلى التنظيم.

وعلى ما يبدو فإنه من المحتمل أن يستمر هذا التدافع غير المنتظم بين المنابر، إلا أنه ليس بالأمر السهل. وقد كانت الملاجئ الأساسية للتنظيم على الإنترنت عبر المنابر المستخدمة على نطاق واسع أحد أهم المتغيرات التي أثرت في نمو التنظيم ودعمه. فوجود مثل هذه المحاور يمنح التنظيم استقراراً سواء في توفير منبع موثوق للدعاية الموجهة لمؤيدي التنظيم، أو وضع دعاية وهمية ومزيفة باسمه، أو حتى منح المجندين المحتملين سبيلاً واضحاً للوصول إلى التنظيم.

وفي بدايات ظهوره، كان تنظيم «داعش» يعتمد على منابر مثل تويتر لتجنيد الأعضاء الجدد بشكلٍ علني. لكن ونظراً لأن موقع تويتر أصبح من الصعب الاعتماد عليه فيما بعد لدى التنظيم، فقد اتجهت الجماعة الجهادية إلى تلغرام في العام 2015، حيث استفادت من مجموعة من الأدوات الجديدة التي يوفرها المنبر، مثل مجموعات الدردشة والقنوات وإمكانية أرشفة الوسائط والتشفير من البداية حتى النهاية.

وفي الوقت الذي كان فيه تويتر مكاناً لاصطياد المجندين الجدد وسحبهم إلى النقاشات على المنابر الأخرى، فإن تلغرام منح تنظيم «داعش» محطة واحدة للقيام بكل شيء. وبالرغم من أن التقنيات في بعض المواقع غير المعروفة غالباً ما تعتبر مناسبة لاحتياجات التنظيم الأمنية، إلا أنها تعتبر كذلك غير مفيدة إلى حدّ كبير في تحقيق أهداف التواصل فيما بين أعضائه. حيث من الضروري أن يتواجد تنظيم «داعش» في المنابر التي تضم أكبر عدد من المستخدمين، وإلا فإن التنظيم سوف يكون وكأنه يتحدث إلى نفسه في غرفة فارغة.

ملاحقة أنصار «داعش» تزداد سهولة
وتختم المجلة تقريرها بالتأكيد على أن مهمة الباحثين عن الإرهاب وغيرهم من الباحثين الذين يعملون في مجال مكافحة الإرهاب أصبحت مختلفة اليوم، وذلك لأن تنظيم «داعش» يتنقل بين المنابر، إلا أنها أصبحت متكافئة أيضاً بأشكال عدّة: فالمهمة الصعبة هي إيجاد أماكن وملاجئ الإرهاب، وأماكن تواجد المجندين المحتملين.

وللمرة الأولى منذ أن اعتمد تنظيم «داعش» على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو أن إشارات قوية ظهرت لتدل على وجود تعاون بين القطاع الحكومي والقطاع التكنولوجي والذي لطالما دعا إليه باحثين وخبراء مختصون بالإرهاب. فتنظيم «داعش» لم يختف، ولن يختفي لوقتٍ طويل، إلا أن محوراً أساسياً من المحاور الداعمة لوجوده قد كسر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.