عبر “الترفيه” و”السياحة”: هل تنجح إيران بتغيير الهوية التاريخية والثقافية لدمشق؟

عبر “الترفيه” و”السياحة”: هل تنجح إيران بتغيير الهوية التاريخية والثقافية لدمشق؟

على الرغم من معاناة أكثر من اثني عشر مليون شخص في سوريا، أي حوالي 60% من السكان، من انعدام الأمن الغذائي، في أسوأ حالة معيشية شهدتها البلاد على الإطلاق، إلا أن #إيران، حليف #الحكومة_السورية الأساسي، لا تتحرك للمساهمة في تحسين الأوضاع المعيشية، أو انقاذ البلاد من الإفلاس، بل ينصبّ اهتمامها على ضمان نفوذها العسكري من جهة، والتغلغل الثقافي والديني في البلاد من جهة أخرى.

وتنال العاصمة #دمشق جانباً كبيراً من اهتمام الإيرانيين، لدرجة يتحدث فيها مراقبون عن محاولة لتغيير هوية المدينة، عن طريق عدد كبير من المراكز، التي أنشأتها إيران فيها، لنشر التشيّع والثقافة الفارسية.

 

مركز تكنولوجي لنشر المحتوى الديني

افتتحت #طهران، خلال شهر شباط/فبراير من العام الماضي، مكتباً تقنياً، لتبثّ عبره محتوىً دينياً إيرانياً، موجّهاً للسوريين، يكون بوابة لها على العالم العربي، بحسب ما صرّح به “سعيد مشهدي”، الرئيس التنفيذي لـ”اتحاد إنتاج ونشر المحتوى في الفضاء الإلكتروني”.

تدشين المركز تم خلال زيارة “سورنا ساتاري”، نائب رئيس الاتحاد  للعمليات والتكنولوجيا، ، بالتنسيق مع فريق تابع لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية، وذلك لإعداد إنتاج المحتوى للشعب السوري، بمساعدة من منصات إيرانية بارزة.

مصادر في وزارة الثقافة السورية كشفت لموقع «الحل نت» أن «هدف الاتحاد تصدير التقنيات الإيرانية إلى سوريا، لتصبح المركز الأساسي لنشر التشيّع والثقافة الإيرانية في العالم العربي، كما حدث في #لبنان سابقاً».

 

استهداف أساتذة جامعة دمشق

إيران، التي زادت من تحركاتها الهادفة الى التغلغل في المؤسسات الثقافية والتعليمية، لم تكتف بالمركز التكنولوجي، إنما تحرّكت نحو الجامعات الحكومية السورية، في خطوة اعتبرها بعض الطلبة الجامعيين «محاولة للتشجيع على اعتناق المذهب الشيعي، بشكل شبيه بما كان يحدث سابقاً، عندما فُرض على الطلاب الانتماء لحزب البعث».

وبعد أيام قليلة من افتتاح المركز التكنولوجي أكد “سفيان محمد”، الموظف في مكتب شؤون الطلبة في جامعة دمشق، لموقع «الحل نت» أن «جامعة “أهل البيت الإيرانية الدولية” وقّعت مع جامعة دمشق اتفاقية لتطوير وتعزيز علاقات التعاون العلمي والأكاديمي المشترك».

الاتفاقية، التي وصفها “سفيان” بأنها «قضم إيراني لكوادر جامعة دمشق»، نصّت على تقديم خمسين منحة دراسية لطلبة الدراسات العليا من مختلف الاختصاصات، وتركّز على إرسال الكوادر التعليمية في الجامعة إلى إيران.

“محمد المصطفى”، المختص في الشأن الإيراني، يؤكد، خلال حديثه لموقع «الحل نت»، خطورة الاتفاقية، معتبراً إياها «جانباً من سعي إيران الحثيث للتوغل في المنظومة التعليمية العليا في سوريا، إضافة إلى جعل نشاط الجامعات السورية متسقاً مع الجامعات التي أسستها في البلاد، مثل جامعة “آزاد إسلامي” و”الفارابي” و”المصطفى الدولية”، وهي سياسة متوازية مع السياسة العسكرية، التي انتهجتها إيران في الساحة السورية»، حسب تعبيره.

 

مجمّع ترفيهي رغم الأزمة

وبالرغم من تفشي وباء #كورونا في البلاد، وعدم قدرتها على تحصيل اللقاح المضاد، تستمر إيران في وضع بصماتها على الساحة السورية، مستهدفةً المجتمع المحلي الفقير جنوبي دمشق، عبر الإعلان عن إنشاء مجمّع ترفيهي.

ففي بلدة “الحجيرة” بريف دمشق، التي تعجّ بالمواطنين المفتقدين لأدنى سبل المعيشة، بادرت مؤسسة “جهاد للبناء” الإيرانية بالإعلان عن إتمامها مجمّعاً ترفيهياً، يحمل اسم “الشهيد العقيد هيثم سليمان”، الذي كان قائداً للفرقة 17، التابعة للقوات النظامية في #الرقة، وقتل إبان سيطرة تنظيم #داعش على مقر الفرقة، في عام 2014.

ويذكر “أبو عماد الدمشقي”، عضو المجلس المحلي السابق في بلدة “ببيلا”، لموقع «الحل نت» أن «المجمّع يبعد كيلومتراً واحداً عن منطقة السيّدة زينب، المعقل الرئيسي للميلشيات الإيرانية، في الجهة الشمالية الغربية من بلدة “حجيرة”، وعلى التماس مباشرة مع الحدود الإدارية لـ”ببيلا”، ويضم حديقة كبيرة، إضافة إلى ثلاثة ملاعب كرة قدم، وملعباً لكرة سلة وكرة المضرب، وموقفاً للسيارات».

ويواصل “الدمشقي” وصف المجمّع بالقول: «البناء محاط بسور، جزء منه مزروع بالأشجار، ورُفعت عليه أعلام ملونة، قريبة من أعلام الميلشيات الإيرانية، إضافةً إلى العلم السوري، ولوحة رخامية، موضوعة في غرفة واسعة قبالة السور، ثُبّت عليها صورة كبيرة، تجمع بشار الأسد والمرشد الإيراني علي #خامنئي وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس».

 

عودة السياحة الدينية

قامت لجنة الإشراف على مقام السيدة زينب بإغلاق المقام، إضافة لمقام السيدة رقية، في آذار/مارس الماضي، «نتيجة الظروف الصحية، وتماشياً مع توجيهات وتعليمات وزارتي الأوقاف والصحة السوريتين والجهات المعنية، وحرصاً على سلامة الزوار والعاملين في المقامين، في ظل هذه الظروف»، حسب إعلان اللجنة.

ولكن يبدو أن الإغلاق المستمر قد أثّر على خزينة الحكومة السورية، التي تعتمد بشكل كبير على السياحة الدينية، بعد توقف كل أشكال السياحة الأخرى. و«تُقدّر مداخيل هذا النمط من السياحة بحوالي 442 مليون ليرة سورية»، وفق “فايز منصور”، مدير “الشركة السورية للسياحة والنقل”، إذ «توجد خمس وسبعون شركة عراقية، تعمل على التنسيق مع منشآت سياحية سورية، من أجل تنظيم رحلات السياحة الدينية».

وقد وافقت وزارة الداخلية في الحكومة السورية مؤخراً على دخول مجموعات سياحية دينية، لزيارة المراقد المقدّسة في دمشق، على أن يكون أفرادها من الجنسية العراقية حصراً، وعن طريق مركز هجرة مطار دمشق الدولي فقط، بموجب قوائم اسمية، مقدّمة من قبل “الشركة السورية للنقل والسياحة”.

«إن حملات السياحة الدينية إلى دمشق وريفها كانت من أهم أسباب اندلاع الثورة السورية»، كما يقول المهندس “ستار سليك”، عضو مجلس محافظة دمشق في الحكومة المؤقتة، التابعة للمعارضة السورية، والذي يضيف، في حديثه لموقع «الحل نت»: «الحكومة السورية فتحت المجال للميلشيات الإيرانية للتدخّل والقتال معها، بحجة حماية المُقدسات، ما زاد التغلغل الثقافي الإيراني في البلاد، وهو ما يشي بتحول سوريا عامة، ودمشق خاصة، إلى حوزة إيرانية شيعية»، حسب تعبيره.

يُذكر أن إيران تعتمد على التعاون اقتصادي طويل الأمد مع الحكومة السورية في مختلف المجالات، بعد توقيع الطرفين اتفاقية اقتصادية في كانون الأول/ديسمبر 2019، تشمل قطاع المصارف والمالية والبناء وإعادة الإعمار، ومذكرة تفاهم أخرى، في الخامس عشر من الشهر ذاته، تضمّنت بناء ثلاثين ألف وحدة سكنية، في كثير من المدن السورية.

ولتسهيل مشاركة إيران في مشاريع اقتصادية سورية تنتظر الاستثمار، تم تأسيس “اللجنة السورية – الإيرانية العليا المشتركة”، التي باشرت أعمالها مطلع عام 2019، و”المصرف السوري- الإيراني المشترك”، الذي ساهمت فيه إيران بنسبة 60%.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.