الاتّفاقُ الصّيني الإيراني: مناورة أم استراتيجيّة مواجهة؟

الاتّفاقُ الصّيني الإيراني: مناورة أم استراتيجيّة مواجهة؟

لايزالُ الإبهامُ والتَّكتّم يلفُّ الاتّفاق الصيني- الإيراني الذي وُقِّعَ في ٢٧ مارس آذار خلال زيارةٍ لوزير الخارجية الصيني إلى طهران، وبحسب تسريبات الصحافة الدولية، فإن للاتفاق «أهمية كبرى في قطاعات السلاح والاقتصاد والأمن»، ويشار إلى ما قيمته ٤٠٠ مليار دولار تستثمره الصين خلال ٢٥ عاماً، مقابل حصولها على النفط الإيراني بأسعارٍ شديدة التخفيض، ما يعني إقدام إيران على تنازلاتٍ كبيرة جراء العقوبات الغربية المفروضة عليها.

ويُعدُّ هذا التطور مهماً بالنسبة لإيران، في وقتٍ باتت فيه بأمس الحاجة لوصاية دولةٍ عظمى، خصوصاً مع ما تعرضت له من ضغوطاتٍ غربية أدت إلى عزلها سياسياً وأنهكت اقتصادها مع بداية تسلّم إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مقاليد السياسة الأميركية.

يضاف إلى ذلك، ما انتشر حول خصومةٍ روسيّة- إيرانيّة بعد الاجتماع الأمني الثلاثي الشهير الذي عُقِد في تل أبيب بين الروس والأميركيين في ٢٥ يونيو حزيران ٢٠١٩ وكان من أبرز نتائجه؛ ضمان حرية الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد التواجد الإيراني في سوريا، الأمر الذي رأت فيه إيران أنه سياسة روسية في التخلي عن الحلفاء.

ورغم الصعوبات التي تواجه إيران، فإن مُضيّها للاتفاق مع دولةٍ بحجم الصين؛ لن يكون هدفه الوحيد تحقيق الحماية لأمنها وسلامتها الإقليميين أو لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة عمل عسكري محتمل يستهدف كيانها أو يهدد حدودها فحسب؛ وإنما يهدف (أي الاتفاق) لإيجاد مساهمين لديهم الاقتدار والشهية لحماية ما حققته طهران من بسط نفوذها على جغرافيا واسعة في الشرق الأوسط من خلال أتباعٍ وميليشياتٍ ولائية منتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إلى جانب امتلاكها تأثيراً كبيراً على حركة حماس، الأمر الذي يشكل ركيزة هامة ومجدية في إطار صراعٍ جيوسياسي يمكن للصين أن تتخذه قاعدة للتنافس مع الولايات المتحدة الأميركية.

لا يمكن قراءة التقارب الصيني مع إيران بمعزل عن الإعلان الصيني في مارس آذار الماضي عن مبادرة لرعاية المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتأييدها لحل الدولتين، وأنها ستحرك هذا الملف في مجلس الأمن خلال رئاستها القادمة لجلساته، كما أنها أبدت اهتمامها بحلِّ الخلاف الخليجي بين إيران والسعودية.

ويُفهم من ذلك، أن الصين لديها رؤية ومشروع قادم في المنطقة، وتنوي منافسة الدول الغربية على زمام المبادرة، واقتصادها الفائض بات يُحفّزها للبحث عن أسواقٍ عالمية مستقرة، في وقتٍ يشكل فيه استمرار الصراع في الشرق الأوسط عقبة رئيسة أمام هذا الاستقرار.

لكن اختيار الصين لإيران كبوابةٍ ومدخلٍ لمنطقة الشرق الأوسط؛ يثير الكثير من التساؤلات،  فإيران مصدر قلق كبير لمحيطها الإقليمي والدولي، ومحاولة الصين جعل إيران وكيلاً لها؛ سيعزز التجاذبات الدولية في المنطقة، وقد يدفع بالكثير من القوى المترددة إلى حسم خياراتها والذهاب إلى أبعد ما يمكن تحت عباءة الغرب.

وتعلم الصين جيداً أن إسرائيل تُفضّل الراعي الأميركي للمفاوضات مع الفلسطينيين، وبالتالي فإن ترحيب الفلسطينيين بالمبادرة الصينية؛ لن يُمثّل سوى أحد مظاهر تكريس الصراع الدولي في هذه الجغرافيا المشتعلة بالصراعات، ودخول الصين كلاعب إلى مسرح الشرق الأوسط بعد عقدٍ من الصراعات التي أشعلتها “ثورات الربيع العربي” والحديث عن استجرار ٥٠٠٠ عسكري صيني إلى إيران، يعني بوضوح أن الصين قد قررت دخول النزاع على الشرق الأوسط ولن يكون من السهل التكهّن بالنتائج المترتبة على هذه الخطوة، وما إن كانت ستساهم في إنهاء الصراع وإحلال السلام أم أنها ستنقل جغرافيا الشرق الأوسط لمرحلةٍ جديدة من الصراع بين الكبار.

ليس من السهل معرفة ماهية هذا التطور وما إن كان خياراً استراتيجياً للصين ستمضي بالعمل على تحقيقه وتحمّل نتائج المواجهة مع الغرب، أو كونه مناورة دفاعية تسعى من وراءه دفع الولايات المتحدة لتخفيف الضغوط السياسية عليها، خصوصاً بعد انتشار وباء كورونا وتحميل بكين المسؤولية المباشرة عنه.

إضافة إلى استمرار الولايات المتحدة الأميركية في سياساتها التي ترمي إلى بثِّ رسائل مباشرة للداخل الصيني المحتقن بأزماتٍ داخلية، أشارت إليه بوضوح وثيقة التوجه الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأميركي، حيث قررت الوثيقة الصادرة في بداية مارس آذار الماضي أن الولايات المتحدة «ينبغي أن تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، بما في ذلك في هونغ كونغ وشينجيانغ (موطن الإيغور) والتبت».

وبات ممكناً مع هذه التطورات، تفسير دوافع الولايات المتحدة التي أسقطت في نوفمبر ٢٠٢٠ صفة الإرهاب عن الحزب الإسلامي التركستاني الصيني في خطوة أثارت الاستغراب، وإذا ما لاحظنا بأن العلاقات الصينية الروسية أيضاً يعتريها الكثير من القلق في قضايا جيوسياسية عديدة، وخشية الصين بشكلٍ أساسي من الطبقة السياسية المتنامية حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والموالية للغرب، عندها ندرك أن رحلة الصين نحو إيران ستكونُ رحلةً شاقة، وأن أيّة مواجهة عسكرية محتملة قد تخوضها الصين خارجياً؛ ربما تلهم عدة أقاليم داخل حدودها للتحرك والمطالبة بمزيد من الحريات والاستقلال الذاتي.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.