في أواخر عام 2017 أقدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على اعتقال العشرات، غالبيتهم من أهم وأغنى رجال المملكة العربية السعودية، وأبرزهم الأمير الوليد بن طلال، واحتجازهم في فندق “الريتز كارلتون” بالرياض، كما أوعز للسلطات في المملكة للتحقيق معهم بملفات “كسب غير مشروع”، وأخرى تتعلق بفسادٍ مالي وإداري.

وقتها كلّف بن سلمان لجنة عليا للتحقيق بقضايا الفساد، وكانت برئاسته شخصياً، إلى أن أنهت هذه اللجنة عملها في يناير 2019، وأُفرِج عن مجمل المعتقلين، وخرجوا جميعهم باسمين، معتبرين اعتقالهم جزء من سياسة فرض القانون، حتى ولو كانوا من أقرباء الملك وحاشيته.

أسفر هذا الاعتقال، عن استرداد «أموال للخزينة العامة للدولة تجاوزت في مجموعها 400 مليار ريال سعودي (أكثر من 100 مليار دولار) متمثلة في عدة أصول من عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد وغير ذلك»، بحسب بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي، الذي اطلع عليه الملك سلمان بن عبد العزيز بنفسه.

كما ذكر البيان «اللجنة أنجزت المهام المنوطة بها وفق الأمر الملكي وحققت الغاية المرجوة من تشكيلها». وجاءت هذه العملية ضمن حملة مكافحة الفساد التي أعلنت عنها السعودية في نوفمبر 2017.

في العراق، تبدو الجهود الحكومية برئاسة مصطفى الكاظمي تسير على هذا النهج، رغم عدم وجود “الريتز كارلتون”، هي طريقة تخدم الجميع، بما فيهم الساسة المتهمين بالفساد والاختلاس الذين عادة ما تنتهي فترة اعتقالهم بإعلان براءتهم من التهم الموجهة إليهم. هنا يضرب الكاظمي مجموعة عصافير بحجرٍ واحد.

حيث تُطالب قوى “تشرين”، سواءً من المحتجين أو الناشطين الذين يستعدون لخوض تجربة الانتخابات والتوغل بالعمل السياسي، الكاظمي بضرب الفاسدين، ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي يُحقق هذا الطموح عبر الجنرال البارز أحمد أبو رغيف، الذي حقق شهرة في فترة قليلة سحقت شهرة الجنرال عبدالوهاب الساعدي.

وأقدمت الحكومة العراقية في ديسمبر الماضي، على اعتقال طيف من القادة والسياسيين والمسؤولين السابقين الكبار، لكن تقطعت أخبارهم فيما بعد، ولم يُعرف عنهم إن كانوا قد خرجوا من المعتقلات أم لا يزالون فيها.

وتحرك الكاظمي، أخيراً، باتجاه محافظ بابل حسن منديل، أحد أبرز وجوه الفساد في منطقة “الفرات الأوسط”، وأخيراً هجم “أبو رغيف” على “الكرابلة”، حيث لم يدع منهم متهم بالفساد إلا واعتقله، ابتداءً من جمال الكربولي رئيس حزب “الحل”، ومحمد ولؤي الكربولي، وفقاً لمذكرات قضائية تفيد بأنهم متورطون بقضايا فساد بعقود مرتبطة بوزارة الكهرباء وأخرى في مشاريع بناء واستثمار.

معظم الذين اعتُقِلوا بشبهات فساد في زمن الكاظمي، لا يُعرف مكان اعتقالهم، ولكن مصادر سياسية عادة ما تتسرب إلى الصحافة العربية والأجنبية، تقول إنهم في واحدٍ من أبنية “المنطقة الخضراء”، وأنهم في غرف مكيفة ونظيفة، ويصلهم كل ما يحتاجونه من مأكولات ومشروبات، كما أن لديهم الحق في إجراء لقاءاتٍ مع محامين ومسؤولين، لكن بشرط عدم الخروج من مكان الاحتجاز، حتى تُحل ملفاتهم.

كما تتسرب أيضاً عن أن بعضهم أُفرِج عنه، بعد أن أرجع ما هو يُمكن استرجاعه من الأموال التي نُهِبت من خزينة الدولة، وبكل تأكيد ليست كل المبالغ التي سُرِقت، لكن يمكن القول إنها تصل إلى ثلثها، وبذلك نجح الكاظمي بضرب العصافير، عبر حجر الاعتقال، فقد أقنع القليل من قوى “تشرين” بإمكانياته بمحاربة الفساد، وساعد بتمويل خزينة الدولة، وأسهم بتبرئة الحلفاء من السياسيين والأصدقاء القدامى من التُّهم.

فكرة “الريتز كارلتون” قد تأتي بثمارٍ مؤقتة، لا سيما وأن الاحتيال على العراقيين ما يزال ممكناً، لكن “الانتقائية” في اختيار “الفاسدين”، قد تقتل هذه الفكرة، خصوصاً، أن الكاظمي لم يعتقل لحد الآن سوى القادة والسياسيين الذين لا يمتلكون أجنحة مسلحة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.