رغم فشل جولات عديدة من المفاوضات بين لجنة أهالي درعا، واللجنة الأمنية التابعة لحكومة دمشق، خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن استمرار مسار التفاوض بين الجانبين يدفع للقول أن جميع الاحتمالات قائمة في درعا، سواء تلك التي تذهب إلى تصعيد عسكري واسع ينطلق من درعا البلد وصولاً إلى ريف المحافظة الغربي، أو حتى التوصل إلى اتفاق ينهي حصار أحياء منطقة درعا البلد، وضبط الاستقرار لفترة غير محددة.

ولعل أكثر ما يثير التساؤل في مسار التفاوض بدرعا، هو الدور الروسي فيه، وأهداف روسيا الحقيقية من الوقوف بين الجانبين وقيامها بدور الوسيط، مع مسك العصا من المنتصف دون اتجاهها لدعم القوات الحكومية عبر طيرانها الحربي خلال فترة تصعيده أواخر شهر تموز/يوليو الفائت.

تسعى روسيا لتلميع صورتها أمام أهالي درعا، من خلال إظهار موقفها الضامن لمنع أي تصعيد عسكري، إلا أنها في حقيقة الأمر تذهب لتحقيق عدة أهداف من مصالحها الاستراتيجية في الجنوب هناك وصولا إلى عموم سوريا.

فالروس يرغبون بتوسيع مناطق نفوذهم وتثبيته وإقامة قواعد عسكرية جديدة سواء في الشمال الشرقي من سوريا ودأبها إثارة التوتر هناك من أجل الدخول إلى المنطقة، أو حتى في الجنوب.

ولعل وجود عناصر النفوذ الإيراني في درعا ومحيطها يقلق روسيا بشدة، ويدفعها لمنع أي تصعيد، غير أنها لا تستطيع في الوقت ذاته من استفزاز إيران بشكل كبير، فموسكو ما زالت بحاجة الإيرانيين في سوريا.

إلى جانب تلبية روسيا للمطالب الغربية بمنع التواجد الإيراني في سوريا وبشكل محدد في الجنوب، فإن الروس الذين يسعون للوصول إلى مناطق جديدة بسوريا، لن يسمحوا لإيران بأي تصعيد عسكري تقوده عناصر نفوذها في درعا، من هذه المسألة تنطلق المعادلة الروسية في حسابات إدارة ملف الجنوب السوري.

وكان بيان لأهالي درعا البلد، طالب ممثلي المعارضة السورية في مسارات التفاوض الدولية، تعليق نشاطاتهم والانسحاب، إذا لم يُرفع الحصار عن درعا خلال مدة أقصاها 48 يوما.

كما طالب المعارضة بالضغط على الدول الراعية لهذه المسارات، «كي تحترم ما ضمنته من اتفاقيات».

روسيا تريد النجاح في عدة تحديات بالجنوب السوري، والخروج من مأزق التصعيد في درعا، طمعا في خدمة مصالحها السياسية أيضاً.

فهي من ناحية تريد توجيه الرسالة إلى الولايات المتحدة، بأنها قادرة على ضبط مجريات أي ملف في سوريا لا سيما الذي يتداخل فيه الإيرانيون، سعيا من موسكو للانتقال إلى مراحل يمكن منها الاستفادة المالية البحتة من خلال المشاريع والاستثمارات التي تصب في خانة إعادة الإعمار ضمن المخطط الروسي.

كذلك هي لن تريد إحداث أزمة نزوح في درعا ما قد يؤدي بالنتيجة إلى إحداث ضغوط على الأردن من خلال موجة لجوء جديدة، فالأردن بات أحد الأطراف الذي تنظر إليه روسيا بإيجابية كونه تقدم مؤخرا بمبادرة لتعويم حكومة دمشق سياسياً واقتصادياً مع محيطها الإقليمي، وهو ما يصب أيضاً في مصلحة روسيا، خدمة مشاريعها الخاصة.

وشهدت أحياء درعا البلد المحاصرة حركة نزوح بين المدنيين، بالتزامن مع الحديث عن نيّة القوات الحكومية اجتياح المنطقة في حال فشل المفاوضات المعقودة بين ممثلين عن القوات الحكومية وممثلين عن سكان درعا البلد.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.