أثر طالبان على سوريا كان أكبر مما تصوّر كثير من المتابعين للشأن السوري. فبعد سيطرة الحركة على أفغانستان أبدت الجماعات الإسلامية المتشددة في سوريا ترحيبها وفرحها بنمط الحكم الإسلامي، الذي فرضته الحركة في البلد الواقع وسط آسيا. ولم تدّخر هيئة تحرير الشام، أكبر جماعة إسلامية في سوريا بعد هزيمة تنظيم داعش، أية مناسبة لتهنئة مقاتلي طالبان على  انتصارهم.

إلا أن أثر طالبان على سوريا لم يقتصر على إسلاميي وجهاديي المعارضة المسلّحة. فعلى الطرف المقابل، أي بين مقاتلي الميلشيات الموالية للحكومة السورية، بدأت التساؤلات تتصاعد عن مصير مئات من المقاتلين الأفغان، الذين ساندوا حكم الرئيس السوري بشار الأسد. هل سيؤدي انتصار طالبان في أفغانستان إلى عودتهم إلى بلادهم. ليواجهوا سلطاتها الجديدة؟ أم أن مزيداً منهم سيتدفق إلى سوريا، هرباً من الاضطهاد الطائفي والإثني الذي يتسم به حكم الجماعة الأفغانية السنية المتشددة؟  

دروس طالبان لجهاديي سوريا

وصول حركة طالبان إلى السلطة أدى لحالة من الفرح لدى الجهاديين في إدلب. فنشر مقاتلو هيئة تحرير الشام رسائل تهنئة لعتاصر الحركة. بعد تقدمهم للسيطرة على العاصمة الأفغانية كابل. ووصف أحد قياديي الهيئة ما حصل بـ«النصر الكبير للمسلمين».

رسائل التهنئة بين الطرفين بدأت بعد توقيع حركة طالبان اتفاق سلام مع الولايات المتحدة الأميركية في العاصمة القطرية الدوحة.  فأصدر “عبد الرحيم عطون”، رئيس المجلس الشرعي لهيئة تحرير الشام، الملقب بـ«أبي عبد الله الشامي»، بياناً تحت عنوان «هنيئاً لطالبان». كانت الجملة البارزة فيه أنّ «قيادة طالبان لم تخلط بين المسارين السياسي والعسكري. بل جعلتهما يخدمان بعضهما». وهنا يبرز أثر طالبان على سوريا وجماعاتها الجهادية من الناحية السياسية. إذ أن هيئة تحرير الشام تسعى بدورها إلى فتح مسار سياسي مع الدول الغربية. على أساس إعلان انفصالها عن تنظيم القاعدة. والسيطرة على تحركات الجهاديين الأكثر تطرفاً في الشمال السوري. والحفاظ في الوقت نفسه على طابعها الإسلامي المتشدد.

وفي لقاء مع صحيفة «LETEMPS» السويسرية الناطقة بالفرنسية دعا “أبو عبد الله الشامي” إلى «تطبيع العلاقات مع الدول الأجنبية»، في إشارة إلى أنّ الهيئة ورجالها باتوا ينتهجون مساراً شبيهاً بمسار طالبان السياسي. ضمن محاولتهم اقتناص اعترافٍ دولي في شمال غربي سوريا.

شرعي في “تحرير الشام”: «أثر طالبان لا يقتصر على تبادل التهاني»

وعن أثر طالبان على سوريا يقول “أبو محمد الدمشقي”، الشرعي في تحرير الشام، إنّ «التواصل بين عناصر الهيئة وطالبان لم ينقطع حتى مع إعلان الهيئة انسلاخها عن تنظيم القاعدة، الذي تدعمه طالبان. ولا سيما أن كثيراً من الشرعيين السوريين في تحرير الشام كانوا سابقاً يقاتلون في أفغانستان».

ويشير “الدمشقي”، في إفادته لـ«الحل نت»، إلى أنّ «قراراً ضمنياً اتخذ داخل أركان الهيئة. بعد اجتماع جرى مع قائدها “أبي محمد الجولاني”، في كانون الثاني/يناير 2021. بضرورة إعادة تفعيل قنوات التواصل مع حركة طالبان».

وكانت صفحة  «War Noir»، وهي حساب بحثي على موقع “تويتر”، يهتم بشؤون الجماعات المسلحة، قد نشر صوراً قال إنها رسائل تحمل تحيات من مقاتلي حركة طالبان إلى مقاتلي هيئة تحرير الشام. ما يشير إلى تصاعد أثر طالبان في سوريا على المستوى الأيديولوجي والسياسي.

وفيما يبدو أنه رد على تلك الرسائل، خرج مقاتلو هيئة تحرير الشام، في الجمعة التي تلت إعلان طالبان دخولها العاصمة الأفغانية كابل، بمسيرات داخل مدينة إدلب، التي تخضع لسيطرتهم. وجاءت هذه المسيرات بعد تعميم من “حكومة الإنقاذ”، الذراع المدني للهيئة، بحصر خطبة الجمعة في المدينة حول انتصار طالبان. فيما سبق تلك المسيرات بأيام توزيع الحلوى من قبل المقاتلين على المارة في الشوارع. تعبيراً منهم عن فرحهم بتمكن الحركة من السيطرة على كابل.

الدور التركي بين تحرير الشام وطالبان

“عمر رحمون”، المتحدث باسم “هيئة المصالحة السورية”، أكد، خلال حديثه لصحيفة «اندبندنت»، أثر طالبان على سوريا بالقول: «الرسائل المتبادلة بين طالبان وهيئة تحرير الشام هي إيحاء من الأخيرة لطالبان بإشغال الجانب الشرقي من إيران عسكرياً وسياسياً. لتخفيف الوجود الإيراني في سوريا». مرجحاً «عدم طلب الهيئة الدعم المادي من طالبان».

وبالفعل، كشف “أبو محمد الدمشقي”، لـ«لحل نت»، أنّ «محادثات جرت بين الهيئة وطالبان. طلبت فيه الأولى من طالبان دعمها سياساً.  واستغلال التقارب التركي مع الحركة الأفغانية في تفعيل قنوات التواصل مع تحرير الشام. وفرضها على المجتمع الدولي من البوابة التركية. في المقابل تعهدت الهيئة بمساندة تركيا في حربها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)».

وأوضح الشرعي في تحرير الشام أنّ «وفداً من الهيئة تحرّك إلى أفغانستان في تشرين الأول/أكتوبر, عبر مطار “هاتاي” لتركي. لمقابلة قيادات في طالبان. والمباركة لهم بالسيطرة على البلاد. وطرح خطة شاملة عن تطوير العلاقات بين الحركة والهيئة. وشرح عمل تحرير الشام السياسي. عبر “حكومة الإنقاذ”، ذراعها المدني. و”بنك الشام”، ذراعها الاقتصادي والمالي. فضلاً عن إعطاء لمحة عن خططها العسكرية».

وبرّر الوفد لقيادة طالبان، بحسب “الدمشقي”، «سبب قيام الهيئة بالهجوم على تنظيمات إسلامية أكثر تشدداً. مثل حراس الدين. والمجموعات العسكرية الأجنبية في مناطق تواجد تحرير الشام. كما طلب وفد الهيئة من قيادة الحركة. ومن ضمنها  “ذبيح الله مجاهد”، المتحدث الرسمي باسم طالبان، إرسال وفد سياسي وعسكري إلى مناطق تحرير الشام. للاطلاع على الأوضاع في شمال غربي سوريا». ما يؤشر إلى إمكانية تصاعد أثر طالبان في سوريا.

وطبقاً لحديث “الدمشقي” فإنّ «الهيئة رأت متنفساً لها، وجسراً لعبور طلباتها إلى المجتمع الدولي، عبر طالبان. التي باتت أغلب الدول تعترف بحكمها ولو بشكلٍ غير رسمي».

ما مصير الميلشيات الأفغانية بعد سيطرة طالبان؟

وعلى الضفة المقابلة، في مناطق سيطرة حكومة دمشق، لم يكن أثر طالبان على سوريا أقل حضوراً. خاصة مع اعتماد القوات النظامية السورية بشكل كبير على ميلشيا موالية لإيران، أغلب مقاتليها أفغان. وهي لواء” فاطميون”.

وكان “علي رضا توسلي” (المعروف بـ”أبي حامد”)، قد أنشأ لواء “فاطميون”. قبل مقتله في محافظة درعا جنوبي سوريا عام 2015. ومن المعروف أن  «توسلي» انتقل من أفغانستان إلى إيران في الثمانينيات.  وانضم إلى لواء «أبي ذر». أحد الفصائل العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني. والذي ينحدر غالبية عناصره من الشيعة الأفغان.

“فيليب سميث”، الباحث في معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، قسّم المقاتلين في اللواء الأفغاني إلى ثلاثة أقسام «الأول: هم لاجئون من أقلية “الهزارة” الشيعية. يقيمون منذ عصر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في منطقة السيدة زينب جنوبي العاصمة دمشق. والقسم الآخر لاجئون أفغان كانوا يعيشون في إيران. أما القسم الأخير فهم مقاتلون أتوا مباشرة من أفغانستان إلى سوريا».

ويحظى اللواء الأفغاني بدعم إيراني كبير، حتى من المرشد الإيراني الأعلى “آية الله علي خامنئي”، الذي أشاد بدوره في سوريا. في حين يقرّ الحرس الثوري الإيراني بأن المقاتلين الأفغان متواجدون في سوريا لأسباب دينية وطائفية. ومنها الدفاع عن المقدسات الشيعية في البلاد، نافياً وجودهم بوصفهم مرتزقة. أو إجبار اللاجئين الأفغان على القتال في سوريا.

إلا أن أثر طالبان على سوريا يصبح شديد الحضور فيما يتعلّق بإمكانية جعل الأراضي السورية ملجأً للأقليات الأفغانية الفارة من حكم الحركة.  “عدي الكاكوني”،موظف مديرية النفوس في مدينة درعا، يقول  لـ«الحل نت»، إنّ «التسويات الجديدة في درعا تزامنت مع سيطرة طالبان على أفغانستان. وبات من الملحوظ بعدها وصول عدد كبير من مقاتلي لواء “فاطميون” إلى درعا. وتحديداً بلدة المزيريب. التي يقطنها عدد من العائلات الشيعية. وخصوصاً عوائل المقاتلين، الذي شاركوا في معارك سابقة داخل أرياف درعا».

 وأكد “الكاكوني” أن «قادة الميلشيات الشيعية في درعا، المقربين من الأجهزة الأمنية، بدأوا باستخراج هويات مدنية لبعض عناصر ميلشيا “فاطميون” وعائلاتهم».

هل سيجد “الفاطميون” ملجأً من طالبان؟

من جهته يؤكد العقيد الطيار “عبد الرحمن الحلاق”، المحلل العسكري والاستراتيجي، في حديثه لـ«الحل نت»، أنّ «أثر طالبان في سوريا يتبدى بوضوح باستفادة الحكومة السورية من تدفق اللاجئين الأفغان عبر إيران إلى سوريا. إذ يمكن تجنيد عديد من المقاتلين من بين أولئك اللاجئين. وبما أنّ الرئيس السابق حافظ الأسد كانت له أسبقية في توطين اللاجئين الأفغان من أقلية “الهزارة” في البلاد. فمن غير المستبعد تجنيس العائلات اللاجئة الأفغانية. المقيمة حالياً في ضواحي دمشق».

في حين تؤكد دراسة لـ”أحمد جمال”، الباحث في معهد «الولايات المتحدة للسلام»، عنوانها “جيش الفاطميون: إعادة الاندماج في المجتمع الأفغاني”، أنّه «لا توجد بدائل لدى المتطوعين في لواء “فاطميون” عن سوريا. فقد عرض بعضهم خبراته العسكرية على مليشيات أخرى تقاتل على الأراضي السورية. من أجل كسب المال وعدم المجازفة بالعودة إلى بلادهم. بعد سقوطها تحت حكم طالبان».

ناشطون من مدينة درعا يؤكدون لموقع «الحل نت» أنّ «إصرار الحكومة السورية على السيطرة على مدينة درعا. وفرضها بند تهجير الرافضين لشروطها. هو من أحد أهم فصول أثر طالبان على سوريا. فالسلطات السورية تفكر جدياً على ما يبدو في توطين مقاتلي اللواء الأفغاني وعائلاتهم في جنوب سوريا. لا سيما وأنّ محافظة درعا كانت تقطنها أقلية شيعية قبل بداية الاحتجاجات السورية. ولا يزال بعض أبناء تلك الأقلية يعيشون في أحياء مدينة درعا».

من جهته يقول “أبو محمد الدمشقي” إن «قيادة هيئة تحرير الشام طلبت رسمياً من حركة طالبان عدم قبول عودة مقاتلي “فاطميون” من سوريا إلى أفغانستان. وطردهم إلى إيران». دون أن يوضح كيف ستضمن الهيئة بقاء مقاتلي “فاطميون” على الأراضي الإيرانية. وعدم استغلالهم من جانب طهران، لتصديرهم مجدداً إلى الأراضي السورية.

بكل الأحوال يبدو أن أثر طالبان على سوريا يتجاوز التضامن التقليدي بين الجماعات الجهادية. أو حتى العداء الطائفي بين المكونات الأفغانية. إذ قد يترك آثاراً سياسية واجتماعية وديمغرافية عميقة في الداخل السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.