أصدر الرئيس السوري بشار الأسد القانون رقم 30 لعام 2021 والذي قضى بإعفاء المواد الأولية المستوردة كمدخلات للصناعة المحلية من الرسوم الجمركية.

القانون الذي نشرته وكالة “سانا” المحلية، في العاشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، نص على إعفاء المواد الأولية المستوردة كمدخلات للصناعة المحلية والخاضعة لرسم جمركي واحد بالمئة من الرسوم المحددة في جدول التعرفة الجمركية الصادرة بالمرسوم رقم 377 لعام 2014. كما تعفى من الضرائب والرسوم الأخرى كافة المفروضة على الاستيراد.

الإعلام التابع لحكومة دمشق، برر صدور القانون بأنه يهدف إلى دعم الصناعة الوطنية وإعادة دوران عجلة الإنتاج الصناعي.
القانون ليس الأول من نوعه فقد سبقه مراسيم كثيرة بدأت بتغيير التعرفة الجمركية بالمرسوم رقم 377 لعام 2014، وهو الذي يعتبر الأساس للمراسيم التي تلته حول الاعفاءات الجمركية والذي منه يمكن فهم المرسوم الحالي، حيث عمل المرسوم رقم 377 على تعديل نسب الرسوم الجمركية المنصوص عليها في جدول التعريفة الجمركية المتناسقة الصادرة بالمرسوم /265/ تاريخ 9/5/2001 وتعديلاته، وقد اعتبرت تلك التعديلات التي أدخلت انجازاً بعمل الجمارك من خلال تخفيف شرائح التعرفة واختصارها إلى شرائح خمس 1 بالمئة، و5 بالمئة، و10 بالمئة، و20 بالمئة، و 30 بالمئة، بدلا من شرائح الرسوم التي كانت تصل إلى 50 بالمئة و80 بالمئة وبعضها إلى 150 بالمئة، والتي كانت تشمل السيارات والألبسة إضافة إلى التبغ ومستحضرات التجميل من شامبو ومكياجات وكذلك الأحذية.

انعكاس تخفيض الرسوم الجمركية على الخزينة العامة للدولة

قالت مصادر في مديرية الجمارك العامة إن هذا التخفيض كان له انعكاس إيجابي، حيث اعتبرته محفزاً قوياً للمستورد من خلال التصريح عن القيم الحقيقية للمواد التي استوردها، ويبتعد عن محاولات التهريب والتلاعب بقيم المواد المستوردة بعد أن أصبحت القيم الفعلية للمستوردات أكثر ملائمة للمستورد، فلم يعد بحاجة عندما يستوردها سلع رسومها 80 بالمئة، أن يحاول تصنيفها ضمن مواد لا يتجاوز رسم بندها الجمركي 20 بالمئة، حتى لا يضطر إلى دفع رسم عال أي مسألة التحصيل الرسوم الجمركية كانت قضية تصنيف وهو ما يلقي الضوء على كيفية التهرب من دفع الرسوم، لكن على أرض الواقع وبعد مرسوم تخفيض الرسوم الجمركية شجع ذلك أمراء الحرب أن يستفيدوا من المرسوم باحتكار استيراد سلع معينة مع السيطرة على التهريب من ذات السلعة.

على سبيل المثال إعفاء المستوردات من الأبقار بقصد التربية من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم لمدة عامين، واستيراد الملح الذي هو حكر للدولة وغيرها والتي تتم بشكل غير معلن، بحيث يستفيد تجار معينين من هذه الإعفاءات، و بالتالي تحقيق أرباح كبيرة واحتكار السوق.

المرسوم 30 لعام 2021 للمستوردات

نص المرسوم إعفاء المستوردات من الرسم الجمركي 1 بالمئة، والذي يعني ضمناً إعفاءات تعتبر كبيرة وليست 1 بالمئة فقط من حيث النص ظاهريا، حيث تضاف إليها الرسوم الأخرى لكل المواد اللازمة للإنتاج الصناعي والتي تتراوح بين 7 الى 10 بالمئة.
فهل سوف يحقق هذا المرسوم أهدافه من حيث دوران عجلة الإنتاج وتعزيز قدرة المصانع السورية على المنافسة، وتخفيض أسعار السلع المنتجة محلياً؟

عند متابعة آثار المرسوم 10 لعام 2020 المطابق للمرسوم 30 لعام 2021 نجد أن الآثار غير مشجعة، ويعود السبب إلى أن غالبية المواد التي يشملها المرسوم هي خيوط مستوردة، والتي يسيطر عليها الآن على أمراء الحرب من آل القاطرجي عبر شركة “الأغا المحدودة المسؤولية”، كما يشمل القانون المرسوم صناعة السكر الخام و البذور الداخلة بصناعة الزيوت، والتي يسيطر عليها حالياً سامر الفوز؛ عبر الاستحواذ على شركات طريف الأخرس “فلورينا”، وعصام أنبوبا عبر شركة “بروتينا” ورجل الأعمال محمود فرزات عبر شركة “فرزات”، إضافة إلى شركة “الأهلية حماة”، حيث تقدر أرباحهم بـ 1000 مليار ليرة سوريّة (أكثر من 300 مليون دولار أمريكي)، و رغم الإعفاءات المتكررة إلا أن أسعار الزيوت النباتي استمرت بالارتفاع إلى 13 ألف ليرة (3 دولار) لليتر بعدما كان 2900 ليرة، رغم أن الاستيراد كان يتوقع منه أن يُخفّض الأسعار 60 بالمئة أي كان من المفترض أن يصل السعر إلى 1200 ليرة لليتر الواحد.

أما بخصوص السكر فالحكومة السورية قد رفعت أسعار السكر المدعوم بنسبة 100 بالمئة، وهو ما انعكس على أسعار التجار إلى 800 ليرة بدلا من 350 ليرة للكغ، و الحر (خارج البطاقة الذكية) إلى 2200 ليرة بـ “المؤسسة السورية للتجارة”، مع تحديد كميات ب 3-4 كغ شهريا وبالسوق السوداء وصل السعر بين 2500-3000 ليرة للكغ، ورغم أنه يمثل فرصة للربح حيث سعر الكغ لا يتجاوز 40 سنت عند سعر الدولار 2512 وهو سعر الدولار الذي يموله البنك المركزي. للعلم معدل الاستهلاك السنوي السوري؛ بحسب إحصاءات وزارة الزراعة السورية هي 35 كيلوغرام.

ورغم أن المرسوم جاء بلفظ عام لجميع من يحتاج استيراد المواد الأولية من أجل تسيير أمور صناعته يستطيع الحصول على الإعفاء، إلا أن الصناعي يواجه كثير من العقبات بحسب لوائح قانون المرسوم 10 لعام 2020؛ المشابه للمرسوم 30 منها:

1- حسب المادة الثانية من اللوائح التنفيذية لذلك المرسوم، فإنه يمكن للصناعي الراغب باستيراد حاجة منشأته الصناعية من المواد الأولية، المشمولة بالإعفاء، التقدم بطلب إلى مديرية الصناعة المعنية، والتي تقوم بدورها بعد الكشف الحسي على المنشأة الصناعية؛ بتوجيه كتاب إلى مديرية الاقتصاد والتجارة الخارجية المعنية، يتضمن اسم المواد وكمياتها لمدة عام (فترة تطبيق المرسوم التشريعي)، وفق الطاقة الانتاجية ولمرة واحدة، وعلى أن تكون المنشأة الصناعية قائمة وجاهزة للعمل والإنتاج.

أي إن هناك وقت طويل يقضيه الصناعي للاستحصال على الموافقات وأي عرقلة بأي مرحلة قد يوقف الموافقة، ما يقوده إلى خسارة الوقت والمال في سعيه لتنفيذ الطلبات التي أهمها يتمثل باجازة الاستيراد لمرة واحدة، وهذا يحتاج إلى مستودعات مع ظروف الحفظ من كهرباء وحراسة وتأمين وغيرها من شروط، وهي كلف ترفع من أسعار المنتج إضافة إلى أن عليه التأكد بأن عرض منتجه سوف يقابل الطلب ولن يكون هناك استيراد لمنتجات من خارج سوريا، كما أن الاستيراد لمرة واحدة يخسر بها المستورد عروض التخفيضات التي يمكن أن تتم خلال العام، بخاصة أن أسعار السلع، وأسعار الشحن قد ارتفعت عالمياً بما يزيد عن 20 بالمئة، والفرصة البديلة لتجميد الأموال بالمواد المستوردة.

2- نصت المادة الثالثة من التعليمات التنفيذية للمرسوم رقم 10، على أن تقوم مديرية الاقتصاد والتجارة الخارجية المعنية بمنح إجازات الاستيراد للمواد المبينة بالكتاب الصادر عن مديرية الصناعة المعنية، والتي رسمها الجمركي 1 بالمئة، بما لا يتعارض مع آلية المنح المعتمدة لدى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وذلك وفق الدليل التطبيقي المعتمد لمنح الموافقات لإجازات وموافقات الاستيراد، وُيقصد منها لوائح الاستيراد المسموح بها أي أنه قد تمنع استيراد السكر الآن، وتفتح الباب بعد عدة شهور، كما يقصد منها تمويل المستوردات، حيث حصرهم المركزي بحساب المستورد بالقطع الأجنبي، في المصارف السورية أو في مصارف خارج سوريا أو الحصول عليها من المصارف العاملة بسوريا، وهي قناة وهمية لأن الأخيرة لا تملك الدولار نتيجة مرسوم سابق من المركزي قيّد التداول الدولار في السوق السورية.

3- وجود تعميم وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السوریة تمديد إعفاء مستوردات القطاع العام الإيرانية من الرسوم الجمركية والضرائب، لمدة ستة أشهر.

وبالتالي يفقد الصناعي أي ميزة تنافسية، حيث يمكن استيراد السلع من إيران التي تملك ميزات استيراد من الصين وتركيا معفية من الضرائب، مما يجعل المستوردين متخوفين من المخاطرة بأن يتم التلاعب بالسوق من الحيتان(أمراء الحرب) المحسوبين على التيار الاقتصادي للسلطة الحاكمة في دمشق.

4- وجود العقوبات الدولية على “البنك المركزي السوري” يزيد من كلفة سداد المستوردات عبر قنوات أخرى، كما أن الحصول على القطع الأجنبي بالداخل مرتفع، ويحقق استثمار هذا القطع دخل أعلى من استثماره بالسلع التي لا يزيد أرباحها وفق التسعيرة الرسمية عن 15 بالمئة بأحسن أحوالها، في حين أن أرباح المضاربة أو الاحتفاظ بالدولار أكبر بكثير، عدى عن خسارة الفرص الضائعة للأموال عن استثمارها بشراء العقارات و المنتجات الزراعية وغيرها.

بالنهاية فلو كانت حكومة دمشق جادة بتنشيط الصناعة، وتحريك عجلة الاقتصاد كان يجب عليها إلغاء جميع الرسوم الجمركية والضريبية، بما فيها الرسم الاستهلاكي على الصناعة السورية ذات الشريحة ما دون 10 بالمئة على الأقل، سواء المنتجة محلياً أو المستوردة، وسمحت بالاستيراد دون قيود من الوزارات الثلاثة، و دون تحديد زمني للاستيراد خلال العام المرسوم.

لكن المرسوم يبدو فرصة لشرعنة أموال أمراء الحرب بإعطائهم مزيد من فرص الاستثمار والسلطة على حساب الطبقة التجارية الذين مارسوا ضغوطا كبيرة، على الصناعيين لإجبارهم على بيع معاملهم ما أدى لتهجيرهم إلى مصر والأردن وتركيا، وهو أن مناطق حكومة دمشق ستبقى مُصدّرة للاجئين والاضطرابات الاقتصادية، وأن هذه المراسيم هي لتحقيق مزيد من الأرباح لأمراء الحرب وشرعنة سلطتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.