خلال السنوات الماضية ظهرت تغييرات عديدة في أنماط الحياة السورية بفعل الحرب. فرغم الدمار الكبير الذي لحق بالاقتصاد السوري، والبنية الاقتصادية، إلا أن السوريين يسعون دائما لإيجاد بدائل تمكنهم من ممارسة أعمالهم من خلال طرق مختلفة أعطت مؤشرا واضحا على قدرتهم على التأقلم مع ما يجري.

الترويج الاقتصادي للمنتجات الاستهلاكية، الترويج للتجارة، للعقارات، للسياحة والسفر، وحتى الترويج للمساعدات التي يتلقاها السوريون، وغير ذلك بات متاحا على صفحات ومجموعات على فيسبوك، أو مجموعات عبر تطبيقات تواصل اجتماعي أخرى، مثل واتساب، وتلغرام، وغيرها. بعد أن أصبح الترويج الورقي من خلال صحف الإعلانات، أو الترويج في إعلانات الشوارع مُكلفا، وأقل تأثيراً حتى في أوقات كثيرة، وغير متاح إلا لفئة قليلة جدا من أصحاب المصالح الاقتصادية في سوريا؛ الممثلين بكبرى شركات الإنتاج.

تختلف المجموعات والصفحات الإعلانية، بين من تقدم خدمات مجانية للجمهور، وهي الأكثر انتشارا، وبين تلك التي تقدم خدمات مأجورة ولكن مشروطة بتمام العملية الاقتصادية المعلن عنها، بخاصة في مجال تجارة العقارات.

خدمات الدعاية المجانية خففت من أعباء مكلفة على السوريين

تعمل العديد من الصفحات الإعلانية، والمجموعات على نشر كل ما يهم الأهالي، وبات ذلك ضمن المحافظة الواحدة، وحتى ضمن القرية الواحدة، وخاصة فيما يتعلق بالخدمات العامة المقدمة من الدولة، أو الخدمات المتعلقة بالصحة أو التعليم، وحتى عرض منتجات، أو بضائع، أو فرش منازل للبيع، كما يعمل قسم منها على فكرة تقديم المساعدات للمتضررين من الحرب بتأمين منازل للإيجار دون أي مقابل من الناشر، وحتى تأمين فرش مجاني من متبرعين.

يقول خليل الأحمد، وهو صاحب مجموعة إعلانية في محافظة درعا جنوب سورية، لـ” الحل نت “، أنه أنشأ مجموعته لأول مرة في العام 2018، بعد توقف المعارك في المحافظة، وضم إليها عددًا بسيطًا من الأشخاص الذين يعرفهم، وسرعان ما وصل عدد الأعضاء إلى الآلاف، بعد أن وجدوا أن هناك فائدة فيما يتم نشره.

وأشار الأحمد، إلى أنه ينشر كل ما يفيد الأهالي، حيث يقوم يوميًا بنشر محطات الوقود في المحافظة التي يتواجد بها محروقات، كما ينشر عن مواعيد تسليم المساعدات في الجمعيات الخيرية، ومنتجات محلية ومنزلية يبيعها الأهالي، ومؤخرًا بدأ في النشر عن المراكز الخاصة بإعطاء اللقاح المضاد لفيروس كورونا، وحتى أماكن تواجد أسطوانات الأكسجين بعد انتشار الفيروس بشكل كبير في المحافظة.

أما أحمد وليد وهو من مدينة درعا، فقد أنشأ مجموعة تعمل بشكل أكثر تخصصا وحصرا لما يتم نشره فيها، فهي كما يقول لـ” الحل نت “، تقوم على فكرة المساعدة المجانية من الكل للكل من جهة، وعلى نشر ما يريد الأهالي بيعه بحيث تكون العلاقة عند البيع بين البائع والشاري دون وسطاء، وهذا ما يوفر على الطرفين العمولات والسمسرة في ظل أوضاع اقتصادية سيئة أصلًا.

ويوضح وليد، أن فكرة مساعدة الآخرين عبر مجموعته لاقت نجاحًا كبيرًا، فهناك العديد من الأسر التي فقدت منازلها نتيجة القصف والمعارك، واضطرت للسكن في منازل أو غرف مستأجرة، لكن دون أن تملك أي فرش لها، ومن خلال المجموعة يتم النشر عن احتياجات الأسر، وغالبًا ما يتم تأمين ما يحتاجونه وإن كان من أشخاص متفرقين، وهو السبب الرئيسي لإنشائه لمجموعته كما يؤكد.

أما عبدالله فضيلات وهو مواطن من ريف درعا، يقول لـ” الحل نت “، أنه الأسلوب الإعلاني عبر صفحات الأنترنت وفر الكثير من الجهد وحتى نفقات التنقلات في البحث عن بعض الاحتياجات، حيث تقوم هذه الصفحات بنشر معظم ما يحتاجه الناس، مع ذكر مكان تواجدها وأسعارها، وهذا ما سهل عليه وعلى آخرين الحصول عليها، في وقت أصبح التنقل فيه صعبًا بين المناطق، ويشير بقوله أن هذه الصفحات هي أفضل دليل خدمي للناس في الأوضاع الراهنة.

خدمات على الإنترنت لكن ليست مجانية

في ذات الوقت التي انتشرت فيه الصفحات والمجموعات التي تقدم خدمات مجانية، تنشر أيضًا صفحات ومجموعات متخصصة، وتعمل بمقابل مادي بعد إتمام العمليات الاقتصادية كتجارة أو غيرها، وتنشط خاصة في مجال العقارات.

أبو بسام الجنوبي، يدير مجموعة على الإنترنت لتجارة العقارات في دمشق، يقول لـ ” الحل نت “، أن الأسباب التي دفعته للعمل عن طريق الإنترنت أن العالم كله أصبح يعتمد على النشاط التجاري والأعمال بهذه الطريقة، فالمكاتب العقارية التقليدية لا تخدم إلا منطقة محددة أو حيًا محددًا، ولكن العمل عن طريق الإنترنت يخدم هذه التجارة في كل دول العالم، والتسويق بهذا الشكل أفضل من المكاتب العقارية، نافيًا في الوقت ذاته أن يكون للأوضاع في سورية من الناحية الأمنية أو غيرها أي علاقة للتوجه للعمل بهذه الطريقة.

وعن كيفية إتمام البيوع العقارية بهذه الطريقة، أوضح الجنوبي، أنه بعد أن يتم الاتفاق بين الطرفين على العقار المعلن عنه، يتم البيع وكتابة العقود الخاصة بذلك عن طريق الوسيط ” صاحب المجموعة المعلنة”، أو عند أحد المحامين، مشيرًا إلى أن هذه الخدمة ليست مجانية، حيث يتقاضى صاحب الصفحة أو المجموعة نسبة مساوية للنسبة التي يأخذها المكتب العقاري من البائع عادةً وهي 2,5 بالمائة.

كما أكد الجنوبي، أنه من الممكن أن تتم عمليات بيع للعقارات عن طريق الإنترنت بين أشخاص منهم من يعيش خارج سورية، أو جميعهم، ولكن بشرط أن يكون لهم وكلاء داخل سورية، ويحملون وكالات قانونية تخولهم إتمام عمليات البيع والشراء، وأيضًا يتم ذلك عن طريق الوسيط وبنفس الطريقة، وللوسيط نفس النسبة من ثمن المبيع، كما تنسحب هذه العملية على تأجير العقارات أيضًا.

من جهته، يقول محمد عبدالعزيز، باحث اقتصادي سوري، لـ” الحل نت”، إن العمل على الإعلانات الاقتصادية في سورية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبح رائجًا لعدة أسباب، فهو غير مكلف، أي لا يحتاج لرأس مال، كما أنه لا يخضع لأي ضرائب حكومية، وسهل الوصول للناس لانتشار استخدام الهواتف الحديثة، وتوفر الإنترنت لغالبية الناس، ومن جهة أخرى فحتى ما يكون منه بمقابل كالوساطات العقارية، أو شراء السيارات وغير ذلك من الأنواع الكثيرة لما يتم عرضه، فهو أقل كلفة بكثير من النشر بواسطة التلفزيون، أو شركات الإعلانات الطرقية كما كان الحال سابقًا، إذا ما يجري هو اكتساح التجارة الإلكترونية لكل العالم وليس في سورية فقط.

يردد الكثير من الناس أن الحاجة والظروف التي أوجدتها الحرب في سورية، دعت السوريين لإيجاد بدائل تمكنهم من التأقلم مع الواقع الحالي، وفي نفس الوقت هو استغلال ناجح للتطور التقني ووسائل التواصل الاجتماعي في نواح مفيدة، تؤكد أن السوريين يحاولون العيش كما هو حال بقية العالم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.