في الوقت الذي تشهد فيه سوريا، أوضاعا معيشية صعبة، لا سيما وأن القوة الشرائية تراجعت في ظل التدهور الاقتصادي ومداومة الليرة السورية على انخفاضها، تسجل السلع الأساسية ارتفاعا مستمرا في ظل توجه الحكومة السورية لرفع الدعم الاجتماعي عن المواد الأساسية التي يحتاجها المواطنين كالمحروقات والخبز والمواد الغذائية، فضلا عن ارتفاع أسعار الكهرباء والاتصالات.

وشملت قائمة المحرومين من هذا الدعم؛ التجار من الفئة الأولى والثانية، إضافة لكبار ومتوسطي المكلفين بالضرائب من وزارة المالية، والمحامين الذين يمارسون المهنة منذ أكثر من 10 سنوات، وكذلك الأطباء المتمرسين، والمديرين والمساهمين في المصارف الخاصة، والمساهمين في الشركات المدرجة في أسواق الأوراق المالية.

في حين تنوي الحكومة السورية، مطلع العام المقبل، رفع الضرائب على المحال التجارية بنسبة تُقدر بنحو 500 بالمئة. وهو ما يشكل أزمة خانقة لدى السوريين.

وزارة المالية رفعت التكليفات المالية لعام 2020 بنسبة 200 بالمئة عن العام 2019. في حين أن التكليف الضريبي للعام 2021 سيرتفع بنسبة تتراوح بين 300 إلى 500 بالمئة. وستشمل القرارات المحال التجارية والمصانع والمعامل.

مؤخرا أصدرت حكومة دمشق، حزمة جديدة من قرارات رفع أسعار حوامل الطاقة، حيث رفعت سعر أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم بنسبة 130 بالمئة، وتكلفة الكهرباء بنسب تتراوح ما بين 100 بالمئة و800 بالمئة، باختلاف شرائح الاستهلاك، وتكلفة الغاز الصناعي المدعوم وصولاً إلى أكثر من 300 بالمئة.

ضرائب كبيرة ومتعددة

قامت دمشق خلال السنوات الماضية بفرض ضرائب جديدة أو رفع ضرائب قديمة بشكل متقطع وبسيط، إلا أنه وفي العام الحالي سارت الأمور بشكل متسارع ومتصاعد، حيث فرضت الحكومة العديد من الضرائب الجديدة.

تمثلت هذه الضرائب بضريبة على الخادمات 100 دولار أميركي، إضافة إلى ضريبة على التراجع عن البيع 1 بالمئة، وضريبة إلغاء إعفاء العفش والأمتعة الشخصية من الضرائب وفرض ضرائب جديدة عليها. كما رفعت ضرائب المواصلات والكهرباء والماء، وفرضت ضرائب على البسطات التي يتعيش منها المواطن البسيط، وعلى المسالخ والمذابح الحكومية والخاصة.

ما يعني أنها قامت بفتح باب الضرائب على مصراعيه، وفق قول الباحث الاقتصادي رضوان الدبس، ووجدت فيه الوسيلة السهلة والبسيطة لتحصيل الأموال من المواطنين والتجار على حد سواء وبشكل سريع.

وفرضت الحكومة السورية ضريبة على عمليات بيع العقارات التي لم تتم، تحت اسم “ضريبة النكول”، أو ما يعرف ب”التراجع عن البيع”، معتبراً ذلك عملية بيع توجب دفع ضريبة بنحو 1 في المئة من القيمة الفعلية للعقار.

جاء ذلك في قرار صادر عن وزير المالية كنان ياغي الذي أكد أن القرار يأتي “تطبيقاً للقانون رقم 15 لعام 2021 الناظم للبيوع العقارية وفق القيمة الرائجة”، وذكر “أن النكول (التراجع عن بيع العقار) يُعتبر عملية بيع توجب دفع ضريبة البيوع العقارية حسب القانون المذكور، بتاريخ التصريح عن النكول”.

وردت الوزارة على الانتقادات عبر كتاب طلبت فيه من مديرياتها: “اعتبار عملية النكول عن البيع بمثابة عملية بيع واجبة التكليف بضريبة البيوع العقارية وفق القانون بتاريخ التصريح بالنكول”.

وأضاف الدبس خلال حديث لـ”الحل نت” بأن “الضرائب هنا لا تشمل الضرائب المالية المباشرة على البيع والشراء، ولكن تشمل أيضا زيادة الرسوم الجمركية على الواردات من مواد أولية ومنتجات خاصة أو عامة، فنجد أن الحكومة لم تبقي أي منفذ للتاجر والصناعي لكي يتنفس منه”.

حيث شملت زيادة الضرائب والرسوم الجمركية؛ المواد الأولية المستوردة من الخارج أو المنتجة محليا، والمشتقات النفطية اللازمة للإنتاج والضرائب على المنتجات في المعمل أو في البيع للسوق الداخلية.

تعويض العجز المالي من خلال الضرائب؟

في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، رفعت مديرية الجمارك العامة في سوريا قيمة التعرفة الجمركية للهواتف النقالة بنسبة 10 بالمئة لتصبح 30 بالمئة من قيمة الجهاز.

وأوضح آنذاك مدير مديرية الشؤون الفنية في “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” في سوريا، وائل سابا، أن التعرفة الجمركية كانت 20 بالمئة على كل جهاز، وبعد صدور مرسوم خاص بالمديرية العامة للجمارك، في 31 من تشرين الأول الماضي، ارتفعت قيمتها 10 بالمئة لتصبح 30 بالمئة.

ويرى المسؤولون في الحكومة السورية أنهم سيحصلون على أموال أكثر يمكن أن تساهم في دعم الموازنات العامة من خلال السيطرة على أموال التجار والصناعيين، عبر الضرائب. وكان الخبير الاقتصادي، أسامة قاضي أشار في حديث سابق لـ”الحل نت” أن هذه الطريقة “لم يعد يلجأ إليها أي نظام اقتصادي في العالم، لأنها تعطل محرك الاقتصاد بمصادرة رؤوس الأموال وتطفيش رجال الأعمال بمن فيهم الموالين والمقربون”.

تقوم حكومة دمشق بفرض الضرائب رغم الوضع المأساوي للسوريين بشكل عام مدفوعة بالعجز الكبير جدا في ميزان المدفوعات للميزانية الحكومية، فقد بلغ العجز ما يقارب 4 ترليون ليرة سورية من الميزانية السورية لهذا العام، بحسب الدبس.

واعتادت الحكومة السورية على التعامل مع عجز الموازنة إلى حد الإدمان. وعادة ما يبدأ ظهور العجز منذ الـ6 أشهر الأولى، وأحيانا أقل. كنتيجة مترتبة عن غياب الموارد لدى الحكومة لتمويل الموازنة.

يعتقد أسامة قاضي أن الوسائل والأدوات السابقة التي كان يستخدمها النظام في تمويل الموازنة من سندات الخزينة وبيعها للمصارف والأفراد باتت بلا فائدة، وهي تساهم في خلق نوع من التنفير المصرفي لأن ما تبقى من المصارف الخاصة يعد الخاسر الأكبر من هذه الأدوات بسبب إلزامها بشراء سندات الخزينة على الرغم من الخسائر الفادحة.

تبرر الحكومة السورية فرض الضرائب من منطلق وجود حرب في البلاد أدت إلى تدمير وسائل الإنتاج وسرقة الموارد الطبيعية أو تدميرها، وكذلك أيضاً من منطلق التهرب الضريبي الذي يقوم به التجار بشكل خاص وعموم المواطنين بشكل عام . وقدر خبراء اقتصاديون في دمشق حجم التهرب الضريبي برقم خيالي وصل إلى 2 تريليون ليرة. وعليه سعت الحكومة من خلال قوانين جائرة إلى تحصيل أكبر مبلغ من الصناعيين والتجار ومن ثم المواطنين.

الضرائب وسياسة التطفيش!

عند طرح الميزانية وبيان العجز لم تطرح الحكومة موضوع زيادة الضرائب بل طرحت إن سد العجز في الموازنة سيكون عن طريق طرح سندات خزينة للحكومة بعائد مادي ثابت على مدى عشر سنوات، وزيادة التصدير عبر المساعدة في تشجيع الإنتاج الصناعي والزراعي.

وقال الدبس حول ذلك إن ما “قامت الحكومة على عكس ما قالت بزيادة أسعار المشتقات النفطية مما رفع تكاليف الإنتاج وبالتالي زادت أسعار المنتجات بشكل كبير، كما قامت بفرض ضرائب والرسوم بشكل كبير على المواد الأولية للإنتاج الزراعي والحيواني. مما زاد الفجوة بين أسعار التكلفة وأسعار المبيع للمواد والإنتاج الحيواني والنباتي في سوريا”.

وأضاف “نلاحظ من الضرائب المفروضة أن الأغلب يمس طبقة التجار والصناعيين، فهم الأكثر ثراء والأكثر ضررا عند عدم دفع ما يتوجب عليهم، وهذا ما دفع الكثير من الصناعيين والتجار الى تحجيم عملهم بشكل كبير وتسريح قسم من العمال والموظفين”.

كما دفعت هذه القرارات والظروف التي أصبح الصناعيين تحت رحمتها البعض إلى إغلاق منشآتهم الصناعية بشكل كامل والاتجاه إلى دول أخرى لاستثمار أموالهم. هذه النتيجة خففت خسارات التجار والصناعيين من جهة، وحملتهم هم البداية من أسواق جديدة وظروف جديدة وعرضت البلد لخسارة آلاف المليارات من الليرات من عوائد الإنتاج، وعوائد تشغيل اليد العاملة الوطنية ومن مئات الملايين من الدولارات من عوائد التصدير، وبالتالي رفد خزينة الدولة بالعملات الصعبة والمحلية على حد سواء.

يذكر أن الرئيس السوري، بشار الأسد، أصدر في نهاية تشرين الأول/أكتوبر من العام 2020، مرسوما تشريعيا بتعديل قوانين متعلقة بضريبة الدخل، بحيث تم تعديل الحد الأدنى المعفى من الضريبة على دخل الرواتب.

ووفقا لبيان نشرته “الرئاسة السورية”، آنذاك، فإن التعديلات تم إدخالها على المادتين 68 و69 من قانون ضريبة الدخل (القانون رقم 24 لعام 2003).

وأصبح الحد الأدنى المعفى من ضريبة الدخل 50 ألف ليرة سورية، بدلا من 15 ألفا.

كذلك تم تعديل الشرائح الضريبية التصاعدية لتكون 30 ألف ليرة سورية لكل شريحة ضريبية، وتعديل النسبة الضريبية للشرائح لتبدأ من 4 بالمئة وصولا إلى 18 بالمئة، بدلا من 5 بالمئة إلى 22 بالمئة، ويتم الانتقال من شريحة إلى أخرى بمعدل درجتين بين كل شريحة وأخرى.

هذا وقد كانت دراسة صادرة عن مركز “جسور للدراسات” أشارت إلى غياب أي تصور دقيق لدى الحكومة السورية أثناء تحديد المبالغ اللازمة لمؤسساتها عن الكيفية التي يمكن من خلالها تغطية هذه الاحتياجات، ما يجعلها تفترض أنها في وضع ملائم لجباية الضرائب، إلا أن هذه الإيرادات لا تتحقق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.