زواج النهوة في العراق: مأساة تعاني منها النساء وتتطور لحروب عشائرية

زواج النهوة في العراق: مأساة تعاني منها النساء وتتطور لحروب عشائرية

يثير زواج النهوة في العراق عدداً من الاضطرابات الاجتماعية. ويمكن تعريفه بقيام رجل من عشيرة ما بـ”حجز” ابنة عمه لنفسه. ومنعها من الارتباط بأي ذكر آخر. وإلا فإنها ومن سترتبط به سيكونان عرضة للقتل. أي أنه عرف يُكره بموجبه الذكر الأنثى من ‏الأقارب على الزواج أو يمنعه عنها. مستنداً إلى رابطة القرابة والانتماء العشائري. ‏بداعي عدم صحة ‏زواج الإناث إلا من أقاربهن.

وعلى الرغم من أن زواج النهوة في العراق قد بدأ يتلاشى. بحسب ما صرّح به “رائد الفريجي”، رئيس عشائر البصرة، لـ«الحل نت»، وتأكيده أن «كثيراً من العشائر منعت أبناءها من ممارسته». الا ان عدداً من المدن العراقية ما تزال تشهد حتى الآن وقوع جرائم النهوة.

زواج النهوة في العراق ليست مزحة!

«ظننت أن الأمر لن يتعدى كونه أحاديث تتناقلها عوائلنا فيما بينها. ولن يصبح حقيقة أبداً. والقول إن ابنه العم محجوزة لابن عمها مجرد مزاح. سيضمحل مع نضوج الطرفين وخوضهما لتجارب حياتية متعددة. إلا أن ماحدث كان عكس ذلك تماماً».

بهذه العبارات تروي “رفل” (اسم مستعار) لموقع «الحل نت» تفاصيل تجربتها مع زواج النهوة. متابعةً: «أحاديث النساء رسّخت على ما يبدو الفكرة لدى ابن عمي. وبعد دخولي كلية الهندسة تقدّم لخطبتي شابٌ زميل لي. فما كان من ابن عمي، الذي لم يتجاوز في تعليمه المرحلة الابتدائية، إلا أن قرر ممارسة العرف العشائري بالنهوة. ومنعي من الزواج من غيره».

“رفل” اضطرت للانتظار ثماني سنوات لكي يرفع عنها ابن عمها النهوة. بعد أن تدخّلت عشائر عدة بقضيتها. وكانت معرضة دوماً للقتل، في حال خالفت سلطة ابن عمها.

توافق على زواج النهوة أو تقتل

وفي سياق قضية زواج النهوة في العراق،سجّلت وزارة الصحة العراقية حالات قتل عديدة. ارتكبها أشخاص فرضوا النهوة على بنات العم، عندما أصرّ أشخاص من عشائر أو عوائل أخرى على خطبتهن. مثلاً في محافظة ميسان، التي تعرف بطابعها العشائري، سجلت شرطة المحافظة، في آب/أغسطس الماضي، حادثة قتل مرتبطة بـ”النهوة”، وفق المنسق الإعلامي للشرطة “سعد الزبيدي”.

“الزبيدي” قال في حديثه لـ«الحل نت»: «قبل فترة اعتقلنا شخصاً قتل شخصاً آخر. لأنه تقدّم لخطبة ابنة عمه، التي “نهى” عليها. وكان قد طلب من الخاطب التراجع عن عرضه والانسحاب، لكنه رفض، فقام بقتله. وهذه جرائم تصنّف ضمن المادة الرابعة من قانون الإرهاب».

أما في محافظة ذي قار جنوبي العراق فتسببت مواجهة عشائرية مسلّحة، جرت في قضاء “النصر” شمالي المحافظة، بوقوع قتيلين وأربعة جرحى.

واندلعت المواجهة بسبب خلاف حول زواج النهوة في العراق. وتطوّرت إلى معارك بالسلاح بين عائلتين. ما لبثت أن تحوّلت إلى معارك واسعة في مختلف مناطق القضاء. استُخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

موقف الدين من زواج النهوة

«يعتبر الشرع الاسلامي الإجبار على الزواج زنى». حسب قول الشيخ “محمد خليل السنجري”، وكيل المرجعية الدينية الشيعية في بغداد.

مؤكداً، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «الدين يرى إجبار النساء على الزواج من شخص لا يرغبن به عقد زواج باطل. وكل ما يحدث بعده زنى. ولذلك فإن زواج النهوة باطل شرعاً»

وعن أهل المنهي عليها يقول الشيخ “السنجري”: «إذا كان لديهم القدرة على تغيير الأمر والحؤول دونه فيجب أن يقوموا بذلك. ويؤثم من يعرف بالأمر ويقبل به».

النهوة العشائرية في القانون العراقي

أما من الناحية القانونية فقد قرر مجلس القضاء الأعلى في العراق، في منتصف عام 2019، تشديد العقوبات ضد مرتكبي النهوة العشائرية، من خلال تطبيق عقوبات قضايا الإرهاب عليهم. الا أن هذا لا يتم إلا إذا اشتكى أحد من مورس عليهم قرار النهوة.  

الخبير القانوني “طارق حرب” يقول لـ«الحل نت»: «صحيح أن عقوبة زواج النهوة في العراق هي الحبس مده لا تزيد على ثلاث سنوات. وقد صدرت عدد من الأحكام ضد مرتكبي ذلك الفعل. ولكن العشيرة عموماً تلعب دوراً كبيراً في إمكانية ممارسة النهوة. فإذا غطت على الموضوع فلا يمكن للقانون أن يتدخّل».  

أما المحامي “حازم الكعبي”، صاحب شركة خاصة بالاستشارات القانونية، فأكد لـ«الحل نت» أن «زواج النهوة نظام اجتماعي قديم. بدأ يتلاشى في الفترات الأخيرة. وتم تجريمه منذ العام 1959، بموجب المادة 9 من قانون الاحوال الشخصية 188، التي نصت على أنه لا يحق  لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص، ذكراً كان أم أنثى، على الزواج دون رضاه. ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلاً. إذا لم يتم الدخول. كما لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار منع من كان أهلاً للزواج، بموجب أحكام هذا القانون، من الزواج. كما يعاقب من يخالف أحكام الفقرة الاولى من هذه المادة، بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة سنوات، وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين. إذا كان قريباً من الدرجة الأولى. أما إذا كان المخالف من غير هؤلاء، فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات».

مقالات قد تهمك: جرائم “الشرف”.. إلى متى؟

“الكعبي” يستدرك بالقول: «إلا أن القانون فرّق بين فرض الزواج من قبل الأب أو الأخ، وفرضه من قبل ابن العم. فاعتبر الأول جنحة والثاني جناية. ولذلك فقد تتم ممارسة زواج النهوة في العراق من خلال تواطؤ الأب أو الأخ. ما يعني أن المسألة يجب أن تتم معالجتها اجتماعياً. وليس فقط قانونياً. لأن القانون سيقف عاجزاً ما دام جانب من المجتمع متواطئاً في الجريمة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.