بعد ثلاثة سنوات من سقوط خلافتهم المزعومة، يواصل الجهاديون تنفيذ هجمات إرهابية مميتة. ففي 25 كانون الثاني/يناير الماضي، شن 200 من مقاتلي تنظيم “داعش” هجوما محضر له جيدا على أكبر سجن في شمال شرقي سوريا، لإطلاق سراح الآلاف من أنصارهم. في الوقت نفسه، على الجانب الآخر من الحدود، في العراق، تعرض موقع لقوات الأمن لهجوم في محافظة ديالى. لكن ورغم هذه العمليات الاستعراضية، فإن تنظيم “داعش” يتراجع في العراق، في الوقت الذي يواصل فيه الاستفادة من عدم الاستقرار المستمر في سوريا لتمكين نفسه.

لماذا ضعفت داعش في العراق؟

منذ منتصف عام 2020، انخفض عدد الهجمات الجهادية في جميع أنحاء العراق، فمن أكثر من 800 هجوم خلال الربع الثاني من ذلك العام، انخفض منذ ذلك الحين إلى ما متوسطه 330 هجوم كل ثلاثة أشهر. وفي الوقت نفسه، تراجع مستوى تعقيد عملياتهم. وفي حين شكلت الهجمات بالعبوات الناسفة أكثر من 60 بالمئة من الهجمات مطلع عام 2020، فقد تراجعت الهجمات بالعبوات الناسفة والعمليات ضد نقاط التفتيش التابعة لقوات الأمن والهجمات المستهدفة على الناس إلى حوالي 40 بالمئة من إجمالي النشاط الجهادي.

وأسباب هذا التراجع متعددة، فمقاتلو “داعش” معزولون بشكل متزايد عن السكان، ويجدون أنفسهم محصورين في المناطق الريفية أو الصحراوية، مع وصول محدود إلى المراكز الحضرية. السبب الآخر هو القوة المتزايدة لقوات الأمن العراقية. “عمليات القوات العراقية، بدعم من الضربات الجوية والاستخبارات التي قدمها التحالف الدولي ضد التنظيم، والذي تترأسه الولايات المتحدة التي تحتفظ بالسيطرة على سماء العراق، كانت عاملا أساسيا في تراجع تنظيم داعش”، يؤكد خبراء من أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية. كذلك أدى تصفية كبار قادة التنظيم إلى إضعافه.

وبقيت محافظة ديالى وعاصمتها بعقوبة، وهي معقل جهادي منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، المركز الحضري الوحيد الذي لا تزال داعش تشن فيه هجمات منتظمة للغاية، كما حدث في نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، عندما قتل 11 جنديا خلال الليل في ثكناتهم.

لماذا لا يزال “داعش” متماسكا في سوريا؟

عندما ينخفض ​​النشاط الجهادي في العراق، فإنه يميل إلى الزيادة في الجارة سوريا، والعكس صحيح. لقد كان هذا هو الحال بين عامي 2019 وأوائل 2020، عندما تزامنت ذروة الجهاد العراقي، التي فسرها هروب قدامى مقاتلي التنظيم خلال سقوط آخر معقل سوري لهم في الباغوز، مع انخفاض في سوريا بواقع 20 هجوما شهريا بشكل وسطي. لكنه تضاعف إلى حوالي أربعين هجوما خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2021، ثم انخفض إلى اثني عشر.

وبالنسبة للمختصين، فإن هذا الارتباط الظاهر لا يؤسس مع ذلك روابط مباشرة بين الوضعين العراقي والسوري، كون المسارح مختلفة. ففي سوريا، حيث لم تسيطر حكومة دمشق بعد على كامل البلاد، فيستغل الجهاديون مساحات الصحراء الشاسعة في وسط وغرب البلاد للتراجع والتدريب والاستعداد لهجمات جديدة.

وإذا كان لدى هؤلاء الجهاديون الآن وصول أقل إلى مخازن الأسلحة والمتفجرات ولم يعد بإمكانهم الاعتماد على تدفق المقاتلين الأجانب كما كان الحال في السنوات السابقة، فإن تنوع الجهات الفاعلة والمتنافسة فيما بينها، هو وقود يغذي النشاط الجهادي. الهجوم الأخير – الذي تم إعداده مسبقا بفضل حشد 200 مقاتل – على سجن غويران في الحسكة، حيث يتكدس أكثر من 3000 جهادي معا، هو دليل آخر على قدرة الجهاديين العملياتية، تماشيا مع عمليات سابقة من هذا النوع، كانت تهدف إلى استعادة القوى الحيوية التي يفتقر إليها التنظيم. ورغم فشل هجوم سجن غويران، فإن الولايات المتحدة، التي دعمت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لاستعادة السيطرة على الموقع، تعتقد أن هناك مخاوف من وقوع هجمات أخرى من هذا النوع.

ما هو تأثير تصفية زعيم داعش؟

حتى لو كان تصفية زعيمه ضربة جديدة للتنظيم، فإن الأخير سينجو دون أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، الذي قتل في 2 شباط/فبراير في هجوم لـ “كوماندوز” من القوات الخاصة الأمريكية في شمال سوريا على الحدود مع تركيا. وسيكون تأثير مقتله على أنشطة الجماعة الجهادية محدودا، بحيث سيسمح هيكلها اللامركزي بين مقاطعاتها المختلفة في جميع أنحاء العالم بالتخفيف من حدة الصدمة. وبحكم ذاتي كبير، لا تحتاج فروع التنظيم العسكرية في اليمن أو مصر أو أفغانستان أو غرب إفريقيا إلى الضوء الأخضر من الخليفة لتنفيذ هجماتها.

على مدى السنوات القليلة المقبلة، سيستمر نشاط “داعش” في التأرجح، اعتمادا على الأوضاع السياسية في العراق وسوريا، والتي ستظل تتسم بعدم الاستقرار. حتى الآن، منعت الضربات الشديدة التي وجهها “التحالف الدولي” المناهض لـ “داعش” وحلفاؤه المحليون التنظيم من تنفيذ هجمات على عدة مدن في العراق، ومن تنفيذ عمليات، كما في السابق، ضد أهداف خارجية. ويؤكد خبراء “ويست بوينت” بأن “مثل هذه الأعمال تتطلب توجيها مركزيا وموارد تفوق قدرات التمرد المحلي والريفي الآن”. الهجمات الوحيدة التي تطلبت مستوى معينا من المركزية كانت تلك التي استهدفت المناطق الكردية في العراق وقطاع الكهرباء العراقي في صيف عام 2021، عندما حدث تدمير أبراج الكهرباء في وقت واحد في وسط وشمال البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة