نشاط عصابات الخطف في سوريا ما يزال مستمرا بقوة على ما يبدو، ولا بوادر لتراجعه على المدى المنظور. إذ تفيد أنباء وشهادات عن قيام زعيم إحدى الميلشيات المدعومة سياسيا وأمنيا، المدعو “شجاع علي”، بتحويل قريتين من قرى ريف حمص الغربي إلى معتقل كبير، يضم عشرات الأشخاص، الذين اختطفوا أثناء محاولتهم الفرار إلى لبنان، ليتم التفاوض مع ذويهم على فدى مالية ضخمة. وما يزال عشرات منهم في الأسر، بعد عجز عائلاتهم عن الدفع.
كيف يقع الفارون من البلاد بأيدي ميلشيات الخطف في سوريا
“طريق حمص إلى لبنان بات طريقا يدر ذهبا على عصابات الخطف في سوريا”، كما يقول الناشط الإعلامي أبو تيمور من محافظة السويداء، الذي سعى لمعرفة مصير شاب من السويداء، تم خطفه على ذلك الطريق. وتوصّل بعد جهد كبير لتحريره من إحدى العصابات المسلحة.
ويقول أبو تيمور لـ”الحل نت”: “عصابة شجاع العلي، تتكون مما يزيد عن ثلاثمئة عنصر، يسيطرون على الطرق التي يسلكها السوريون، الذين لا يمكنهم السفر بطرق نظامية إلى لبنان، أو المطلوبين لجهات أمنية لسبب أو لآخر”.
متابعا: “عشرات من أبناء السويداء اختاروا السفر إلى لبنان عن طريق حمص، لأن كثيرين منهم مطلوبون أمنيا بتقارير كيدية، أو عليهم ادعاء قضائي. ووجدوا أن الهروب من البلد هو الحل الوحيد، ولم يكن أمامهم سوى هذا الطريق”.
ويشير الناشط الإعلامي إلى أنه “ليس من الجديد وقوع شبان السويداء في براثن عصابات الخطف في سوريا. خاصة أن السائقين العاملين على الخطوط غير النظامية يروجون، عن حسن نية، لطريق الهرب من السويداء إلى لبنان عبر حمص. ومنهم من دخل في لعبة بيع زبائنه لعصابات الخطف. كما جرى مع عدد من شبان المحافظة، الذين اتفقوا مع شخص يحمل الجنسية اللبنانية لتسهيل دخولهم إلى لبنان عن طريق حمص، فوجههم للتواصل مع سائق حافلة صغيرة ينحدر من محافظة الرقة، والأخير سلمهم إلى حاجز عصابة شجاع العلي”.
ويؤكد أبو تيمور أن “عشرات الشبان دخلوا لبنان دون أن يعترضهم أحد. لكن بالمقابل هناك كثير من المخطوفين، قد يصل عددهم إلى ثلاثة أشخاص يوميا”.
ميلشيات الخطف تحول قرى بأكملها إلى سجون
معضاد حسون، شقيق أحد المخطوفين في حمص، قال لـ”الحل نت” أن “شقيقه، وشخصا آخر ينحدر من قرية ملح في الريف الجنوبي لمحافظة السويداء، اختطفا في الثاني والعشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، أثناء توجههما إلى لبنان. وسيقوا إلى قرية تدعى أم العظام في ريف حمص الغربي”.
وأشار إلى أنه “تحرك سريعا لإنقاذ أخيه، وبعد استعانته بوساطات من جهات لبنانية، نجح بتحرير الشابين، عقب دفع فدية مالية بلغت سبعة آلاف دولار أمريكي لزعيم العصابة”.
“التعامل بين عناصر عصابات الخطف في سوريا وقادتهم يتم بلغة عسكرية بحتة”، كما كشف معضاد حسون، الذي يتحدث عن رحلته إلى قرية أم العظام، التابعة لناحية “خربة تين نور” في الريف الغربي لحمص، القريبة من الحدود اللبنانية. مؤكدا أنه “سمع بوجود قرية ثانية في المنطقة، تدعى بلقسة، تسيطر عليها أيضا ميلشيا شجاع العلي، وهي ميلشيا تابعة لشعبة الأمن العسكري”.
ويكشف حسون أن “الذي خطف شقيقه يدعى محمد عباس، ويعمل مساعدا للعلي، وهو متواطئ مع سائقي الباصات، ويعطيهم مبلغ مليون ليرة سورية عن كل شخص يسلمونه له. ثم يقتاد المخطوفين إلى واحدة من القريتين المذكورتين. وهنالك تتم معاملتهم بحسب المحافظة التي ينحدرون منها. إذ تلعب الحساسيات الطائفية دورا كبيرا في طريقة المعاملة”.
تمييز طائفي بين المخطوفين
مصدر خاص لـ”الحل نت” أكد أن “حركة رجال الكرامة، أكبر فصيل مسلح في السويداء، سعت لتحرير عدد من الشبان من أسر عصابات الخطف في سوريا. ونجحت بتحرير أحد المخطوفين المعتقلين لدى عصابة شجاع العلي، بعد تهديدها بالتصعيد ضد العصابة”.
مقالات قد تهمك: حركة رجال الكرامة: هل تراجعت القوة الأكبر في السويداء عن مواجهة عصابات الخطف والمخدرات؟
ويتابع المصدر، الذي رفض كشف هويته لأسباب أمنية، “نشأت الأطرش، عضو مجلس الشعب، تمكن بدوره من تحرير مختطفين آخرين من السويداء، كانوا محتجزين في سجن قرية أم العظام، بعد دفع المال للميلشيا المسيطرة على القرية، واستخدام علاقاته الشخصية مع مسؤولين أمنيين”.
إلا أحد الذين تم تحريرهم من سجن قرية أم العظام قال لـ”الحل نت” إنه “ترك في السجن عشرات المخطوفين، من محافظات دمشق وريفها ودرعا. وتوجد عائلات كاملة مخطوفة، توضع في قسم خاص من السجن”.
ويضيف المختطف المحرر، الذي طلب عدم كشف اسمه، أن “كثيرا من المخطوفين يظنون أن عصابات السويداء هي الجهة التي تقوم بالخطف. وذلك بسبب المعاملة الخاصة للمخطوفين من محافظة السويداء، الذين لا يتم مسهم بسوء أو إهانتهم، بعكس المخطوفين من بقية المحافظات، الذين يعاملون بعنصرية وطائفية مقيتة، ولا يمكن تحريرهم بسهولة”.
مؤكدا أن يعرف “شابا مخطوفا من محافظة درعا، يقبع في سجن القرية منذ سبعة أشهر، لعدم قدرة أهله على دفع الفدية، ووضعه الصحي والنفسي سيء للغاية”.
وبالحديث عن المخطوفين من درعا على يد عصابات الحطف في سوريا تواصل “الحل نت” مع شقيق أحد المختطفين من المحافظة، الذي أكد أن “ميلشيا شجاع العلي اختطفت أخاه منذ أكثر من شهرين، ووضعته في سجن بقرية بلقسة، يقع في مزار ديني محروس بعناية. وبعد دفع أسرة المخطوف مبلغ ألف وخمسمئة دولار أميركي، عن طريق وسيط، تم الافراج عنه”.
وأكد المصدر أن “الخاطفين كانوا يرسلون للعائلة مقاطع تعذيب للمخطوف، للضغط عليها للإسراع بدفع الفدية”.
من الواضح إذا أن عصابات الخطف في سوريا، ومن أوضح أمثلتها عصابة شجاع العلي، تزرع نوعا خاصا من الكراهية بين أبناء المحافظات السورية، وتختلط في نشاطها الدوافع الإجرامية الاعتيادية مع نوايا الانتقام الطائفي، ما يجعلها واحدة من أخطر ظواهر الانفلات الأمني في سوريا.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.