المحكمة الاتحادية العراقية: قرارات مسيّسة أم محاولة لتأويل غموض الدستور العراقي؟

المحكمة الاتحادية العراقية: قرارات مسيّسة أم محاولة لتأويل غموض الدستور العراقي؟

ازداد دور المحكمة الاتحادية العراقية العليا بعد الانتخابات المبكرة، التي جرت في العراق في العاشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ونتائجها غير المتوقعة، التي أدت لتغيير المعادلة السياسية في البلاد.
إلا أن دور المحكمة الاتحادية العراقية العليا لم يقتصر على البت في العدد الكبير من الاعتراضات، التي رفعتها القوى الخاسرة في الانتخابات، بل شمل أيضا إصدار أحكام شديدة الأهمية، سياسيا واقتصاديا، بدءا من البت بشرعية انتخاب رئيس مجلس النواب، مرورا بالقرارات حول مسألة نفط إقليم كردستان، وسعر صرف الدولار، وصولا لقرار عدم دستورية قرار رئاسة البرلمان العراقي بفتح باب الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية.
هذا النشاط غير المعهود للمحكمة الاتحادية العراقية العليا جعلها تواجه عدة اتهامات، منها محاباة الإطار التنسيقي، الذي يضم القوى السياسية الموالية لإيران، وابتعادها عن مقتضيات القانون والدستور، وإصدار القرارات تحت الضغط السياسي.
بعض الخبراء والسياسيين رأوا أن قرارات المحكمة متخبطة ومسيّسة وغير دستورية. أما البعض الاخر فاعتبروها قرارات دستورية نزيهة، هدفها الأول والأخير المصلحة العامة للبلاد.
والمحكمة الاتحادية العراقية العليا هي أعلى محكمة في العراق، تختص في الفصل في كل النزاعات الدستورية، وقراراتها باتّة وملزمة للسلطات كافة. كما أنها مستقلة بشكل كامل عن القضاء العادي، ومقرها في العاصمة العراقية بغداد، وتتكوّن من رئيس وثمانية أعضاء.

وجهات نظر متضاربة حول أهم قرارات المحكمة الاتحادية

مصدر في حكومة إقليم كردستان، رفض الكشف عن اسمه، أكد لـ”الحل نت”، أن “قرار المحكمة الاتحادية حول عدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان العراق لم يراع مبادئ الدستور العراقي، وإنما استند إلى القوانين المركزية للنظام البعثي السابق، والتي لا تتفق مع المبادئ الاتحادية”.
هذا وأصدرت المحكمة الاتحادية العراقية العليا بيانا يوضح قرارها الصادر بتاريخ الخامس عشر من شباط/فبراير الماضي، والمتضمن عدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان. مؤكدة أن القرار معتمد على أحكام المواد (110 و111 و110 و115 و121 و130) من دستور جمهورية العراق لعام 2005.
إلا أن المصدر الكردي يصر على أن “هذا القرار لا يتفق مع المبادئ الاتحادية. وهو مخالفة قانونية وإدارية. وبالتالي فان ما تقوم به المحكمة الاتحادية غير قانوني وغير عادل وغير دستوري، ومنافٍ للحقوق الدستورية لإقليم كردستان“.
وبخصوص قرار المحكمة الاتحادية العراقية، القاضي بعدم دستورية إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية العراقية، يؤكد السياسي المستقل عزة الشابندر أن “المحكمة، باتخاذها هذا القرار، تكون قد نأت بنفسها عن فتنة غلق أو فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، بحيث أعادت القرار إلى مكانه الطبيعي، وهو مجلس النواب العراقي”.
مضيفا، في حديثه لـ”الحل نت”، أن” قرار المحكمة الاتحادية، وفي ضوء ما تعانيه العملية السياسية من انسداد، يعدّ في الواقع فرصة ذهبية للكتل السياسية من أجل التعاون والتوافق، لترتيب أوراقها في شراكة حقيقية، وإعادة بناء الدولة العراقية “.

“المحكمة الاتحادية أكثر جهة في العراق انتهاكا للدستور”

باسم خشان، النائب المستقل في البرلمان العراقي، يرى أن “قرارات المحكمة الاتحادية العراقية العليا غير صائبة وغير دستورية”.
الخشان يقول في حديثه لـ”الحل نت”: “الدورة النيابية الحالية بدأت بفوضى وانتهاكات متتالية للدستور. بدءا من رئاسة البرلمان وحتى اختيار رئيس الجمهورية، وكل هذا تتحمل مسؤوليته المحكمة الاتحادية”.
ويضيف: “نحن لا نقبل بأن تكون أعلى سلطة تشريعية في البلاد هي الأكثر انتهاكا للدستور. كما أننا نرفض التخبط والعشوائية، اللذين يشوبان أسلوب المحكمة الاتحادية في اتخاذ قرارتها”.

مقالات قد تهمك: العراق: إنه زمن “المحكمة الاتحادية”؟

“لا بد من تعديل الدستور العراقي نفسه”

رأي الخبير القانوني أمير الدعمي لا يختلف كثيرا عن رأي خشان، إذ يقول إن “كثيرا من قرارات المحكمة الاتحادية العراقية لا تتعدى كونها مجاملة سياسية لبعض القوى على حساب الدستور”.
إلا أنه يشير، في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن “المحكمة الاتحادية بدأت تتجه لعرف دستوري جديد في تفسير المواد المختلفة من الدستور العراقي، ما يجعل الدعوات الخاصة بتعديل الدستور في هذه المرحلة مفهومة، فمن الواضح من أداء المحكمة أن الدستور الحالي لم يعد قادرا على تأطير الحياة السياسية في البلاد”.
موضحا أن “الغموض، الذي تعاني منه المواد الدستورية، وعدم وضوحها، هو ما بات يجعل المحكمة الاتحادية تذهب في هذا الاتجاه. وقد تكون قرارتها أحيانا مخالفة للنص الدستوري، ولكنها تعتبرها تفسيرا خاصا له، طبقا لاجتهادها القانوني الخاص، مما يجعل البلد يعيش دوامة أزمات”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.