تمدد إيران إلى المتوسط: ما موقف بكين وموسكو من ربط السكك الحديدية بين سوريا والعراق؟

تمدد إيران إلى المتوسط: ما موقف بكين وموسكو من ربط السكك الحديدية بين سوريا والعراق؟

الجدل حول تمدد إيران إلى المتوسط عاد بقوة، بعد الاتفاق الذي وقعته حكومة دمشق مع العراق بخصوص توحيد المواصفات الفنية لشبكتي السكك الحديدية بين البلدين، وكذلك الأدوات المحركة والمتحركة، ومنظومة الإشارات والاتصالات. خصوصا أن الاتفاق يأتي في وقت تعد فيه طهران العدة لمرحلة ما بعد إحياء الاتفاق بشأن برنامجها النووي.

وكان نجيب فارس، مدير عام الخطوط الحديدية السورية، قد أكد أن “الاتفاق يتيح مستقبلا تسيير القطارات السورية والعراقية على كامل شبكتي الخطوط الحديدية، بما ينسجم مع المعايير الفنية والخدمية المعتمدة لدى الاتحاد الدولي للسكك الحديدية”.

وأضاف، في تصريحاته لصحيفة “تشرين” الرسمية، أن “الاتفاق الأخير جاء بناء على الاتفاقيات الموقعة بين المؤسسة العامة للخطوط الحديدية والشركة العامة لسكك حديد العراق، بخصوص تفعيل الربط السككي بين البلدين، خلال الاجتماع الفني التخصصي، الذي تم بين الجانبين، خلال الأيام القليلة المنصرمة، في مبنى الإدارة العامة للسكك الحديدية في حلب”.

مشيرا إلى أن “الربط السككي بين البلدين سيؤدي بالنتيجة إلى ربط المرافئ والمدن الصناعية السورية مع العراق، ما يؤدي بدوره إلى تخفيض تكاليف الإنتاج، ورفع الميزة التنافسية للمنتجات في الأسواق التجارية، وتنشيط الترانزيت عبر سوريا، وتحقيق عائد مالي للشبكتين”.

ويؤكد ذكر فارس لعائدات الترانزيت أن الاتفاق سيكون في خدمة الصادرات الإيرانية، التي سيزداد الطلب عليها، خصوصا بعد الانفراجات المنتظرة، في حال نجحت مفاوضات فيينا النووية. وكل هذا يؤشر إلى إمكانية تمدد إيران إلى المتوسط، لتصبح لديها بنية تحتية متينة، توصل عبرها منتجاتها من أراضيها وحتى الموانئ السورية واللبنانية. وكما هو واضح فإن الاتفاق يأتي ملحقا لمشروع سكة حديد “شلمجة- البصرة”، الذي تحاول طهران معاودة العمل به، للوصول في نهاية المطاف إلى ميناء اللاذقية.

وكانت طهران قد تحركت بوتيرة متسارعة فيما يتعلق بتنفيذ مشروع سكة حديد “شلمجة –البصرة”، إذ وقّع رستم قاسمي، وزير الطرق وإعمار المدن الإيراني، أواخر العام 2021، اتفاقاً مع الجانب العراقي، يقضي ببدء الأعمال التنفيذية للمشروع، بعد توقف دام عشرين عاما.

ما فائدة الربط السككي لمشروع تمدد إيران إلى المتوسط؟

د.باسل المعراوي، الكاتب والمحلل السياسي، يعتقد أن “تمدد إيران إلى المتوسط بات أمرا واضحا. فإيران بدأت تولي المشاريع الاقتصادية في المنطقة أهمية أكبر من العمليات العسكرية، مع إدراكها أن الحرب السورية اقتربت أكثر من نهايتها”.

ويضيف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “انتهاء الحرب يضع طهران أمام مزيد من الضغط الدولي، في سبيل سحب الميلشيات متعددة الجنسيات المرتبطة بها في سوريا، وهو ما قد يقود بالتالي إلى تخفيف الوجود العسكري، أو سحب جزء كبير منه”.

واستنادا إلى ما سبق، يرى المعراوي أن “أولوية طهران اليوم في سوريا والعراق تتمحور حول تثبيت مشروعها التوسعي، والحفاظ على إنجازاتها العسكرية، لكن بأبعاد مدنية. وهذا قد يكون جوهر مخطط تمدد إيران إلى المتوسط”.

ويلفت المعراوي إلى “الانتقادات الصادرة عن مسؤولين إيرانيين لضعف المكاسب الاقتصادية الإيرانية في سوريا. ولذلك بدأت إيران بإرسال الوفود الاقتصادية تباعا إلى دمشق وحلب وغيرها”.

ويضع الكاتب السوري الاتفاق الأخير بين العراق وحكومة دمشق في إطار “بحث إيران عن موطئ قدم تجارية لها على البحر المتوسط. والمشروع قديم، وغايته نقل البضائع من البحر المتوسط الى إيران وبالعكس. وحاليا تعمل إيران على تفعيله، بواسطة سكة حديدية تصل مدينة البصرة العراقية بمدينة شلمجة على الأراضي الإيرانية. وبذلك تنشئ طريق حرير إيراني، يربط طهران بالدول التي تدور في فلكها. ومن شأن هذا أن يسهم بتعزيز الهيمنة الإيرانية على كل من سوريا والعراق ولبنان”.

وعلى الصعيد ذاته يرى المعراوي أن “إيران تخطط لمرحلة إعادة الإعمار في سوريا، والربط السككي بين سوريا والعراق يخدم شركاتها في هذا المجال. وهو ما يعتبر الخطوة الأولى لتمدد إيران إلى المتوسط”.

ماذا عن الموقف الصيني؟

وعند الحديث عن مشروع ربط السكك الحديدية، وتمدد إيران إلى المتوسط، يتبادر إلى الذهن فورا دور الصين، ومشروعها “الحزام والطريق”، الذي وقعت حكومة دمشق على مذكرة تفاهم مع بكين بخصوصه مطلع العام 2021.

المعراوي يعتقد أن “الصين تنظر بعين الرضا إلى المشروع السككي الإيراني، ومن غير المستبعد أن المشروع أصلا يحظى بدعم وتمويل من الصين”. لافتا إلى أن “بكين، التي يجمعها اتفاق استراتيجي مع طهران، ستتعامل مع المشروع الإيراني هذا على أنه حلقة من حلقات مشروع الحزام والطريق. وباعتراف الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، فإن ربط سكة حديد شلمجة الإيرانية بمدينة البصرة، يحقق ربط العراق بباكستان وأفغانستان والصين”.

هل تعرقل موسكو تمدد إيران إلى المتوسط؟

مصطفى النعيمي، الباحث المشارك في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” (أفايب)، يرى أن “ربط السكك الحديدية بين سوريا والعراق يهدف لدعم تمدد إيران إلى المتوسط، والمشروع الإيراني في المنطقة عموما، الذي يتكون من شقين، اقتصادي وعسكري”.

وبحسب النعيمي فإن “تسريع إيران وتيرة تحركاتها في هذا التوقيت ليس مصادفة”. وذلك في إشارة منه إلى “سعي طهران لتوسيع نفوذها الاقتصادي في سوريا، على حساب روسيا المشغولة بغزوها لأوكرانيا”.

ويضف النعيمي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “إيران باتت تزاحم روسيا على النفوذ البحري في سوريا، وهي تتخذ من العراق وسوريا ولبنان حديقة خلفية لإدارة اقتصاد الظل، الذي يغذي أذرعها الولائية متعددة الجنسيات، المنتشرة في المنطقة العربية”.

مقالات قد تهمك: مفاوضات الملف النووي الإيراني: لماذا تسعى موسكو إلى عرقلة الاتفاق مع حلفائها الإيرانيين؟


باسل المعراوي يتفق مع النعيمي في هذا التحليل، مؤكدا أن “التحركات الإيرانية الأخيرة تتعارض بشكل كبير مع مصالح روسيا في سوريا، ما يعني أن احتمالية عرقلة موسكو لتمدد إيران إلى المتوسط تبقى قائمة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.