منذ توليه لرئاسة فرنسا عام 2017، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والذي أعيد انتخابه، أمس الأحد، مجددا لولاية ثانية مدتها 5 سنوات، إن أولويات فرنسا في سوريا كانت ثابتة، عبر إنهاء القتال ضد تنظيم “داعش”، وتمكين المساعدة الإنسانية للسكان المدنيين في سوريا، وحشد زخم جماعي للتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع حتى يمكن عودة السلام إلى سوريا وضمان استقرار المنطقة.

وبعد نجاح ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، واستمراره لخمس سنوات جديدة في “الإليزيه”، تتجه الأنظار نحو السياسة المتوقعة لباريس في الملف السوري خلال الفترة المقبلة، لاسيما على ملفات اللاجئين والإرهاب، لاستشفاف أبرز محددات السياسة الخارجية الفرنسية في سوريا، وإمكانات أن تتدخل فرنسا بشكل أكبر لوضع حد لاستمرار تأزم الملف السوري.

إيمانويل ماكرون، فاز يوم أمس الأحد، بالانتخابات الرئاسية الفرنسية؛ ليصبح بذلك أول رئيس في بلاده يحظى بولاية ثانية منذ 20 عاما.

وانتخب ماكرون (44 عاما) بعد حصوله على 58 بالمئة من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات، مقابل 42 في المئة لمنافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان (53 عاما)، بحسب النتائج الأولية.

وفي الجولة الأولى، كان ماكرون قد حصد نحو 28 في المئة من الأصوات، مقابل 23.15 في المئة لصالح مرشحة أقصى اليمين. وكان ماكرون قد تفوق على لوبان في استحقاق عام 2017 بنسبة ساحقة بلغت 66.10 بالمئة من الأصوات مقابل 33.90 في المئة.

الرئيس الفرنسي أقر مساء أمس بعدم رضاه عن فترته الرئاسية الأولى، محذرا من “أوقات صعبة مقبلة”.

وقال بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، إن “كثيرين في هذا البلد صوتوا لي ليس لأنهم يدعمون أفكاري ولكن لإبعاد أفكار اليمين المتطرف. أريد أن أشكرهم وأعلم أنني مدين لهم بدين في السنوات المقبلة”، مضيفا: “أنا على دراية بأن هذا التصويت يضعني تحت التزام للسنوات القادمة”. وتابع “السنوات القادمة ستكون صعبة بالتأكيد، لكنها ستكون تاريخية، وسيتعين علينا كتابتها معاً للأجيال القادمة”.

ماكرون أمام عقبة؟

شكّل ماكرون خلال صعوده في الدورة الاولى لرئاسة محط جدل للسوريين، كما يقول السياسي السوري، الدكتور عبد الحكيم المصري، لـ”الحل نت”، وذلك حينما صرح أن باريس ليس لديها عداوة مع الرئيس السوري، بشار الأسد، إنما هو عدو الشعب السوري.

لكن بعد عام 2018، يوضح المصري، أن الموقف الفرنسي اختلف، وبيّن ماكرون في أكثر من مناسبة أن التخلي عن الشعب السوري وحاجاته الإنسانية، ليس من سياسة فرنسا الحالية، والتشديد على أن “النظام السوري لن يفلت من العقاب، وأن رحيل الأسد شرط أساسي لحل الأزمة السورية”.

وبنظر السياسية والباحثة الأكاديمية، وهي عضو في اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، فإنه رغم الموقف الداعم المعلن للحكومة الفرنسية تجاه القضية السورية، إلا أن السياسة الفرنسية اتسمت خلال السنوات الماضية بمنهج اللا فاعلية، أي بالاكتفاء بالتصريحات وعدم اقترانها بحراك فاعل يفضي إلى تنفيذ القرارات الدولية القاضية بالتغيير السياسي. وقد شهدت المرحلة ما قبل الانتخابية بعض التغيير بهذه السياسات سعيا لكسب أصوات مرتبطة بالمواقف السياسية للرئيس ماكرون من القضية السورية، ومنها “إطلاق محاكمات ضد جهات مرتبطة بالنظام على سبيل المثال، ولكنها بمجملها بقيت دون أثر مباشر في التغيير المطلوب”.

وتابعت مبيض، في حديثها لـ”الحل نت”، أنه “كذلك فيما يتعلق بملف اللجنة الدستورية فقد دعمت الحكومة الفرنسية مواقف السيد غير بيدرسن (المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا)، رغم أنها مواقف غير فاعلة وتدور في إطار هيمنة النظام والمعارضة وسط حالة عطالة مستمرة وتجميد للعمل الدستوري رغم أهميته لتحقيق الانتقال السياسي في سوريا”.

الصحفي والكاتب، فراس علاوي، أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن التدخل الفرنسي في سوريا، مرهون بعدة محددات خارجية، منها علاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة، وأيضا بنتيجة الانتخابات التشريعية في حال حصل اليمين المتطرف على الأغلبية في البرلمان، سيعرقل سياسات ماكرون. وربما سنشهد نوع من الاضطراب السياسة الخارجية وعدم التعاون ما بين الرئيس والبرلمان.

للقراءة أو الاستماع: صمت انتخابي في فرنسا.. من المرشح الرئاسي الأوفر حظاً؟

استمرار بدعم الملف الإنساني

وعليه فإنه من المتوقع بالنسبة للمصري حول الملف السوري، أن يكمل ماكرون في هذه السياسة، والتمسك بالحل السياسي، لا سيما وأن فرنسا تعد لاعب مهم في الاتحاد الأوروبي وبالشراكة مع أميركا، والجميع متفق ألا تعويم للرئيس السوري بشار الأسد، خصوصا مع إقدام روسيا حليف دمشق على غزو أوكرانيا.

ومن جهته، يرى علاوي، أن سياسات ماكرون ستدور في فلك التوافقات الأوروبية بما يخص منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والعلاقات مع إيران، وبالتالي تحديد العلاقة مع سوريا. كما أن فرنسا أيضا ستبقى في اللجنة المصغرة الخاصة بسوريا بالتشارك مع الولايات المتحدة.

ويستشهد علاوي، بأن سياسات فرنسا في عهد ماكرون متطابقة مع سياسات الولايات المتحدة الأميركية في الملف السوري، وبالتالي سوف تستمر على هذا النحو. وتطورها أو تراجعها مرتبط بتطور تسمية هذا التحالف، إن كان التحالف في شرق سوريا التحالف ضد تنظيم “داعش”، أو حتى التنسيق ما بين الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول الإقليمية بما يخص الشأن السوري.

وبما يتعلق بموضوع اللاجئين، أشارت مبيض، إلى أنه قد تم استخدام ورقة اللاجئين السوريين مرارا كأوراق تجاذب سياسي بين أوروبا وتركيا من جهة، وبين أوروبا وروسيا من جهة أخرى، دون أن يكون هناك حلول جذرية تقدم لإنهاء التهجير القسري للسوريين إنهاء معاناتهم على كافة الصعد.

كما اعتمدت المرحلة السابقة على تفاعل اللوبيات الضاغطة في فرنسا بما يتعلق بالقضية السورية، وذلك على مختلف اصطفافاتها السياسية، واذا استمر الامر على ذات التوجهات الماضية فلا يمكننا توقع تغييرات تذكر، وفقا لمبيض.

وبحسب علاوي، فإن سياسة اللاجئين وحسب ما تحدث به ماكرون في الحملة الانتخابية، فسيتم تطبيق جزء منها، فهناك عملية تقنين أو ترشيد لعملية استقبال اللاجئين، من أجل التقرب لليمين الفرنسي لأن ذلك مرتبط بنتيجة الانتخابات التشريعية التي ستجري بعد أسابيع في أيار/مايو المقبل.

للقراءة أو الاستماع: فرنسا تحاكم رجل دين سوري بتهمة الإرهاب

ملف الإرهاب

بما أن ملف الإرهاب يشكل أولوية لدى باريس، فيؤكد علاوي، أن سياسات فرنسا المتعلقة بمكافحة الإرهاب من خلال وجودها ضمن “التحالف الدولي” ووجودها العسكري على الأرض السورية ولو كان بسيط. وبالتالي، فإن أي تغييرات في التحالف سوف تكون فرنسا من ضمن هذه المتغيرات.

وتعتقد مبيض، فيما يتعلق بملف محاربة الإرهاب، أن مواقف فرنسا بمحاربة “داعش” ارتبطت بقوة خلال المرحلة السابقة لحكم ماكرون، لكن وفي الحين ذاته فقد استمر دعم فرنسا لهياكل المعارضة السورية والتي ترتبط بدورها بفصائل وميليشيات مسلحة ذات توجهات متطرفة منتشرة في الشمال السوري من كافة الأطراف، والتي ارتكبت وترتكب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في شمال غرب وشمال شرق سوريا.

التغييرات المنشودة التي تصب في مصلحة السوريين نحو التغيير السياسي، برأي مبيض، قد تحصل في حال تحييد صراعات الأطراف الدولية والإقليمية عن سوريا، وإتاحة مسار جدي للوصول لتوافق سوري على رؤية مشتركة تتضمن صياغة دستور سوري جديد يحقق شروط بناء دولة سوريا الحديثة وفق الحد الأدنى المطلوب من التوافق بين الجهات الدولية والإقليمية. ذلك المسار يتطلب عمل جدي لتحقيقه من قبل حكومات جميع الدول ومنها فرنسا في السنوات القادمة، لكنه لا يرتبط بقرار ماكرون وحسب، بل بتوافقات على كافة المستويات والصعد.

الجدير ذكره، أن فرنسا تواصل عملها في الملف السوري وفقا لأربع استراتيجيات مترابطة ومتكاملة لحل النزاع بشكل مستدام، أولها الاستمرار في محاربة الإرهاب إلى جانب التحالف الدولي ضد “داعش”، والثاني عبر تقديم الدعم، ولا سيما الدعم الإنساني، للسكان المدنيين المحتاجين، والثالث من خلال العمل على إيجاد حل سياسي للنزاع، لا سيما من خلال دعم جهود الأمم المتحدة، باعتباره الحل الوحيد الذي من شأنه أن يضع حدا مستداما للأزمة ويمكّن سوريا من العودة إلى السلام بشكل نهائي، والاستراتيجية الرابعة، كانت عبر محاربة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في سوريا.

للقراءة أو الاستماع: أبرز المرشحين للرئاسة الفرنسية.. ما موقفهم من سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.