التهديدات التركية المستمرة بشن عملية عسكرية في الشمال السوري، رغم إعلان الولايات المتحدة عدم وجود تفاهمات مع تركيا بشأن ذلك، تثير تساؤلات عديدة بخصوص الوضع أو بالأحرى الموقف مع الحكومة السورية والحليف الروسي الداعم للأخيرة، مع الوضع في الاعتبار رفض واشنطن الواضح لهذه العملية، ولكن هذا الرفض يتمثل في مناطق شرقي الفرات، في حين تبقى مناطق غرب الفرات (منبج وتل رفعت) التي تحتوي على نفوذ روسي ذات موقف سلبي ومتذبذب، وقد أكدت مصادر مطلعة، أن قائد القوات الروسية في سوريا الجنرال ألكساندر تشايكو، أبلغ قادة من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أن روسيا لا يمكنها توفير الحماية لمن هم خارج سلطة الحكومة السورية.

على الرغم من المباحثات التي تُجري منذ أشهر بين “قسد” وحكومة دمشق، إلا أنه لم يتم الإعلان عن ثمة نتائج بعد، أو ربما، لم يتم التوصل إلى صيغة تفاهمية تُرضي الطرفين. ولكن في خضم التهديدات التركية باجتياح جديد لشمال سوريا، دفعت عجلة هذه المباحثات نحو الأمام بين “قسد” ودمشق. وقبل أيام، قال القائد العالم لـ“قسد” مظلوم عبدي، عن استعداد “قسد” للتنسيق مع دمشق، لحماية الأراضي السورية بمواجهة الهجوم التركي المتوقع، ويوم أمس كشفت مصادر برلمانية سورية مطلعة عن بوادر تفاهم مشترك للتوصل لاتفاق بين حكومة دمشق و “قسد”، لمواجهة التهديدات التركية المحتملة.

على ضوء ذلك، تثار تساؤلات حول مدى إمكانية حدوث تفاهمات بين الطرفين خلال هذه الفترة، في ظل وجود التهديدات التركية، وما هو شكل هذه التفاهمات إن حصلت وانعكاساتها على المنطقة عموما، وإذا ما كان هناك أي دور روسي حيال ذلك، وما مصير المنطقة الشمالية وسط كل هذه التوترات والمباحثات التي تُجري خلف الكواليس.

تفاهمات كمثيلاتها السابقة

الأربعاء الفائت، جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تهديداته بشن عملية عسكرية على مدينتي منبج وتل رفعت اللتين تضمان نازحين من عدة مناطق سورية.

وضمن الإطار ذاته، كشف البرلماني السوري السابق ورئيس المبادرة الوطنية للكرد السوريين، عمر أوسي، خلال حديث خاص لموقع “الحل نت”، الجمعة، عن بوادر تفاهم مشترك للتوصل لاتفاق بين حكومة دمشق و “قسد”، لمواجهة التهديدات التركية الأخيرة.

وأردف أوسي، لـ”الحل نت”، إن لقاءات مكثفة جمعت قياديين في “قسد” ومسؤولين في حكومة دمشق في عدة مدن سورية، في الآونة الأخيرة، ولا تزال مستمرة لبحث تفاهمات مشتركة للتنسيق ضد التهديدات التركية.

ولم يكشف أوسي عن تفاصيل اللقاءات ومحاور النقاش، مفضلا عدم ذكرها حاليا، مشيرا إلى أن الكشف عنها قد تؤثر على نتائج المباحثات، التي تسير بشكل إيجابي، على حد وصفه.

وحول مدى إمكانية حدوث تفاهمات بين الطرفين لصد أي هجوم تركي محتمل على المنطقة، يرى الكاتب والمحلل السياسي داريوس درويش، أن “التفاهم الممكن حاليا بين “قسد” ودمشق هو تفاهم عسكري يهدف إلى وقف الاجتياح التركي على مناطق تل رفعت وربما منبج، دون وجود أفق منظور لتجاوزها إلى تفاهمات أخرى سياسية، فكل من حكومتي دمشق و”الإدارة الذاتية” ما زالاتا متمسكتين برؤيتهما للحل السوري بشكل عام ولطريقة تطبيع الوضع الراهن في مناطق شمال شرقي سوريا بشكل خاص”.

وفي اعتقاد درويش الذي تحدث لموقع “الحل نت”، أنه “حتى هذه التفاهمات العسكرية فمن غير المؤكد أن يكون لها أي تأثير على مجرى العمليات العسكرية فيما لو أرادت تركيا شن العملية العسكرية في تلك المناطق، لسبب رئيسي هو أن الهجوم التركي فيما لو حصل، فسيكون غالبا بموافقة روسيا التي ترعى حكومة دمشق، وبالتالي فلا معنى لأن تقاوم روسيا هذا الهجوم عبر إقامة تحالف بين “قسد” ودمشق، إذ يكفي أن تعترض على رغبة تركيا للحيلولة دون هذا الهجوم، لذا غالبا لن تتجاوز الوظيفة التي ستؤديها هذه التفاهمات ما أدته التفاهمات السابقة في عفرين (أثناء عملية “غصن الزيتون” في 2018) وتل تمر وعين عيسى (أثناء عملية “نبع السلام” 2019) في رأس العين/سري كانيه)”.

قد يهمك: بوادر تفاهم مشترك بين “قسد” ودمشق؟

تعزيزات عسكرية من جميع الأطراف

وفي إطار التطورات الجديدة فيما يخص العملية العسكرية التركية، دفعت كل من فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة وتركيا، بتعزيزات عسكرية إلى محيط مدينة منبج بريف حلب شمال سوريا، كما عززت قوات دمشق وروسيا من قواتها حول المدينة، في حين حشدت “قسد”، قواتها في المدينة وعلى أطرافها.

ووفق مصدر في فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة لصحيفة “الشرق الأوسط”، اليوم السبت، إن “قسد” أرسلت تعزيزات عسكرية كبيرة من مناطق شرقي الفرات إلى ريف حلب لتعزيز مواقعها الدفاعية بأعداد كبيرة من المقاتلين والآليات المزودة بالرشاشات والأسلحة المتوسطة، مشيرا إلى انتشار هذه التعزيزات في محيط منبج “ضمن خنادق وخلف سواتر ترابية”.

ومن جانب آخر، وصلت إلى ريف حلب، خلال الساعات الماضية، تعزيزات روسية وأخرى للجيش السوري، وانتشرت حول مدينة منبج، وفق تقارير صحفية.

كما ونقلت صحيفة “حرييت” التركية، عن مراسلين زاروا مناطق العمليات المخطط لها من قبل القوات التركية في شمال سوريا، إن بدء العمليات سيكون خلال هذا الأسبوع، وفق توقعاتها.

الباحث في موقع “الأمن والدفاع العربي”، ليث عبيدات، نقل لـ”الحل نت” في وقت سابق، عن مصادر عسكرية تركية، إن القوات الروسية، التي كان لها ثاني أكبر وجود في تل رفعت، غادرت المنطقة خلال اليومين السابقين، مضيفا أن أنقرة لا تتوقع أن تحاول القوات الحكومية السورية صد أي هجوم تركي، بضمان روسي.

وأضاف عبيدات المطلع على الشأن العسكري التركي حاليا، أن الجيش التركي و”الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة، أكملوا بالفعل استعداداتهم وقد يبدؤون العملية في أي لحظة، وحاليا يجري تقييم الوضع لتقييم السيطرة على عين العرب/كوباني إذا رأت القيادة السياسية ذلك ضروريا، مبينا أن الاستعدادات العسكرية التركية لشن هجوم على تل رفعت ومنبج قد اكتملت.

من جهتها، حذرت “قسد” عبر وسائل الإعلام اليوم السبت، من أن أي هجوم تركي على شمال سوريا من شأنه أن ينشط إحياء خلايا “داعش” الإرهابية في البادية السورية وعموم المنطقة، فضلا عن تدفق اللاجئين السوريين نحو الدول الأوروبية، ونسف جميع اتفاقيات وقف إطلاق النار وخفض التصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا بشمال شرقي سوريا وشمال غربها.

وعليه، فإن الساعات القادمة كافية للكشف عن مآلات التصعيد التركي المحتمل ضد شمال سوريا، وهل سيكون هناك تصدي فعلي من حكومة دمشق على هذا الهجوم -في حال حدوثه- أم سيكون مثل التواجد “الشكلي” السابق كما حدث في عفرين 2018 ورأس العين/سري كانيه 2019، الأمر الذي سيخلق تحالفات جديدة وتصعيدا أكبر على الساحة السورية وبالتالي تعقيد المشهد السوري أكثر، بالمقابل ستخسر دمشق الكثير على الصعيدين العسكري والسياسي.

قد يهمك: ضوء أخضر روسي للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.